إعلانات خالدة: اكتشف أناقة ثلاثينيات القرن الماضي في مصر

إعلانات خالدة: اكتشف أناقة ثلاثينيات القرن الماضي في مصر

في عام 1938، لم يكن زفاف الملك فاروق والملكة فريدة مجرد مناسبة اجتماعية عابرة، بل كان حدثا قوميا احتفى به الإعلام المصري بكل أشكاله، وعلى رأس هذه التغطيات جاء العدد الخاص من مجلة المصور الذي حمل عنوان “الزواج الملكي”، والذي بيع وقتها بسعر عشرة قروش، وهو مبلغ لا يستهان به مقارنة بمعدل الأسعار آنذاك لكنه كان يستحقه بكل جدارة، نظرا لما حواه من توثيق دقيق ومصور لحفل الزفاف الأسطوري، إلى جانب محتوى بصري وتحريري فريد من نوعه، أهمه وأجمله على الإطلاق: الإعلانات.

الإعلانات في هذا العدد لم تكن مجرد فواصل تجارية، بل كانت قطعا فنية بذاتها، تعكس روح العصر، وذوق المجتمع، ومستوى الرقي في التصميم والطباعة، وتكشف لنا عن خريطة أولويات المستهلك المصري في ثلاثينيات القرن العشرين.

إعلانات تجذبك ببساطتهاحين تتصفح عدد “الزواج الملكي”، تشعر وكأنك تمشي في شوارع القاهرة الخديوية: كل إعلان له طابع أنيق، بسيط، ويخاطب المتلقي بلغة سلسة، راقية، وخالية من الزخرفة الزائدة، لا صراخ لوني ولا مبالغات في العناوين، بل رقي مدروس في الصور والكلمات.المونتاج اليدوي.. فن ما قبل الديجيتالالعدد مليء بنماذج من المونتاج اليدوي، الذي كانت تنفذه فرق التحرير والطباعة باستخدام المقص والصمغ والحروف المعدنية، تلاحظ بوضوح كيف تم تنسيق الصور بطريقة محكمة، حيث توضع صور الملك والملكة في أعلى الصفحة، وتوزع الصور الثانوية حولها في توازن فني دقيق.

في بعض الإعلانات، جرى استخدام فن “الكولاج” اليدوي، بوضع صورة منتج داخل رسم يدوي لخزانة أنيقة أو غرفة جلوس راقية، ما يعطي الانطباع بأن المنتج جزء من الحياة اليومية للطبقة الأرستقراطية.

كما تظهر الخطوط المستخدمة في الإعلانات بروح الـ”آرت ديكو” المنتشرة في ذلك الزمن: خطوط هندسية، متوازنة، بدون مبالغة، لكنها تعكس ذوقا أوروبيا متأثرا بالمدارس الفنية الحديثة، وملائما تماما لزمن الملكية.تراث بصري من ذهبإعلانات عدد “الزواج الملكي” ليست فقط شواهد على الذوق الفني في ذلك الوقت، بل مرآة اجتماعية تعكس طبيعة الطبقة المتوسطة والعليا في مصر الملكية، إنها مستندات بصرية تنبض بالحياة وتظهر كيف كانت الدعاية تلتقي مع الأناقة، بعيدا عن المبالغات، وبلا حاجة لأي “تكنيك” رقمي.

في زمن لا فيسبوك فيه ولا إعلانات ممولة، كانت صفحة في مجلة تباع بعشرة قروش، كفيلة بأن تخلد اسم منتج في ذاكرة قراء مثقفين، يثقون في ما ينشر، ويتعاملون مع الإعلان باعتباره جزءا من فن الصحافة، لا مجرد مساحة مؤقتة للربح.