ناشطة إيرانية لـ”الدستور”: إسرائيل تتطلع إلى حرب إقليمية شاملة.. وإيران لم تعد تثق بترامب

قالت الكاتبة والناشطة الإيرانية فاطمة الصياحي، إن مستوى الاشتباكات الحالي بين إيران وإسرائيل بلغ حدًّا بالغ الخطورة، مشيرة إلى أن كلا الطرفين يرد على هجمات الآخر بجدية بالغة وبخطوات محفوفة بالمخاطر.وأضافت في تصريحات خاصة لـ«الدستور»: “سبق أن اختبرت إسرائيل صبر إيران مرتين من خلال التعدي على أراضيها واستهداف منشآتها، غير أن طهران التزمت في حينه بسياسة «الصبر الاستراتيجي»، وامتنعت عن الرد المباشر والمتناسب، حرصًا على إبقاء الباب مفتوحًا أمام المسارات الدبلوماسية ومحاولات التهدئة”.وتابعت: “لكن يبدو أن الأوضاع اليوم مختلفة تمامًا؛ فإيران باتت شبه يائسة من إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية الحالية، ولا تثق إطلاقًا بالرئيس دونالد ترامب والمحيطين به، كما بدأت تدرك أن الوساطات العربية وصلت إلى طريق مسدود. ولذلك، لم تعد ترى بديلًا عن المواجهة المباشرة والضربات القوية كسبيل للرد على إسرائيل”.
المشهد الحالي مقدمة لتصعيد أكبر
ورجّحت الصياحي أن يكون المشهد الحالي مقدمة لتصعيد أكبر قد يفضي إلى اندلاع حرب شاملة، لافتة إلى أن إسرائيل سعت خلال العامين الماضيين إلى توسيع رقعة النزاع الإقليمي، فدمّرت غزة بالكامل، وشنّت هجمات على جنوب لبنان، واصطدمت بالقوات اليمنية، وهاجمت النظام السوري الجديد مرارًا، وهدّدت العراق، ثم أشعلت شرارة المواجهة المباشرة مع طهران.وحول موقف دول الخليج العربي، أوضحت الصياحي أن تلك الدول لم تتعرض لهجوم مباشر من إسرائيل فقط بسبب انضمامها إلى اتفاقيات «أبراهام»، لكن رغم ذلك لم تتردد تل أبيب في تهديد عدد من العواصم العربية بوسائل أخرى غير مباشرة، وهو ما دفع بعضها إلى الانخراط – بدرجات متفاوتة – في أجواء الحرب.وأردفت: “البلدان العربية في المنطقة ركّزت خلال الأعوام الماضية على التنمية الاقتصادية والتقدّم التكنولوجي، وحققت نجاحات ملموسة في هذا المجال، وإسرائيل تنظر إليها اليوم كمنافسين حقيقيين في هذين القطاعين. ومن هذا المنطلق، فإن تل أبيب ترى في إشعال حرب إقليمية فرصة لإعادة إشغال هذه الدول بصراعات مع إيران، وفي الوقت ذاته إضعاف قدراتها الاقتصادية”.وشددت الكاتبة الإيرانية على أن إسرائيل تسعى لحرب واسعة النطاق، في حين ترى طهران أن الحفاظ على أمنها ومكانتها الإقليمية بات يتطلب الدخول في صراع مباشر وعلني.
وتابعت: “لقد تجاوزت إسرائيل جميع الخطوط الحمراء التي وضعتها إيران. فبعد اغتيال عدد من العلماء النوويين والمسؤولين العسكريين، جاء استهداف المدنيين في منازلهم ليشكّل صدمة أكبر داخل الشارع الإيراني، خاصة بعد الصور المؤلمة التي وثقت استشهاد الأطفال والنساء، ما أثار غضبًا عارمًا لدى الرأي العام”.ولفتت إلى أن الغضب الشعبي في الداخل الإيراني بلغ مستويات غير مسبوقة، حتى أن معارضي الحرب وأنصار الحلول السلمية طالبوا الجيش برد فوري وحازم، مضيفة: “الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على «حرب المدن» لم تُحقّق أهدافها، بل جاءت بنتائج عكسية، إذ عززت التماسك الشعبي، ورفعت منسوب التأييد الحكومي، ومنحت مشروع الاكتفاء الذاتي والممانعة مصداقية واسعة”.
وفيما يتعلق بالمفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، قالت الصياحي: “أعتقد أن وزارة الخارجية الإيرانية أوقفت هذه المفاوضات مؤقتًا، ولن تستأنفها إلا بعد انتهاء التصعيد. لم يعد هناك مبرر واقعي للاستمرار في الحوار، فطهران كانت تسعى للدفاع عن حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، لكنها أصبحت اليوم عرضة لاعتداءات مباشرة، وهذا يغيّر قواعد اللعبة”.وأشارت إلى أن القيادة الإيرانية لم تعد تثق على الإطلاق في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصفت ديبلوماسيته بأنها “مزيّفة ومتناقضة”، مؤكدة أن طهران تنظر إلى البيت الأبيض باعتباره راعيًا مباشرًا لإسرائيل ومحرّضًا أساسيًا ضدها.وأضافت: “بالتالي، لا التفاوض ولا حتى دعوات وقف إطلاق النار التي تروج لها الإدارة الأميركية الحالية تُؤخذ على محمل الجد داخل إيران، التي ستمضي قدمًا في تعزيز قدراتها الدفاعية، بما في ذلك الصواريخ والمنشآت النووية، بل وستعيد بناء أي موقع يتعرض للتدمير”.وتابعت الصياحي: “المعرفة النووية في إيران لم تعد حكرًا على جيل العلماء السابقين، بل انتقلت بالفعل إلى جيل جديد مؤهل، وهو ما يجعل هذه القوة الرادعة غير قابلة للإلغاء أو الشطب”.وفيما يخص فرص التوصل إلى تهدئة، قالت: “في حال اختارت طهران السير نحو وقف إطلاق النار، فإن ذلك لن يتم دون شروط واضحة، أولها: وقف الجرائم الإسرائيلية وضمان عدم تكرارها، وثانيها: وجود وساطة سلام حيادية تحظى بثقة إيران”.وأضافت: “الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تُعدّ أطرافًا موثوقة في نظر طهران، لذلك فإن الوساطة الروسية قد تكون الأقرب للنجاح، أو ربما وساطة بعض الدول العربية مثل سلطنة عُمان وقطر، بفضل حياديتهما النسبية وخبرتهما في إدارة أدوار الوساطة”.وأكدت الناشطة الإيرانية، أن إيران لا تنوي الدخول في حوار مباشر مع إدارة ترامب، لكنها قد تنفتح على مبادرة يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا تمكّن دونالد ترامب من إقناعه بلعب هذا الدور.
إسرائيل هي الطرف الذي يواجه اليوم تهديدًا وجوديًا حقيقيًا
وفي ختام حديثها لـ«الدستور»، شددت الصياحي على أن إسرائيل هي الطرف الذي يواجه اليوم تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، وقالت: “رغم كل تهديداتها السابقة، فإن إسرائيل تدرك تمامًا أن أي تصعيد واسع قد يفتح أبواب المجهول، وربما يعرّضها لهجوم نووي محتمل، وهو ما تحذر منه مؤسساتها الأمنية والعسكرية”.وختمت بالقول: “التهديد الحقيقي الآن يحيط بإسرائيل، التي باتت تفتقد إلى الضمانات الوجودية، إذا تحوّلت المواجهة إلى حرب شاملة لا هوادة فيها”.