قصائد فاخرة | عثمان حسن

قصائد فاخرة | عثمان حسن

يصادف اليوم، مرور ست سنوات على وفاة الشاعر والإعلامي الكبير حبيب الصايغ، أحد أبرز الشعراء الإماراتيين والعرب، وأحد رواد الحداثة الشعرية التي تجلّت في الكثير من أعماله التي صاغها في أكثر من شكل من أشكال القصيدة المعروفة. بدأ حبيب تجربته الاستثنائية في الشعر مطلع الثمانينات من خلال قصيدة واحدة مطولة بعنوان: «هنا.. بني عبس.. الدعوة عامة» والتي صدرت في ديوان يحمل الاسم نفسه.
في هذه القصيدة، أجاب الصايغ عن سؤال محوري أثار جدلاً صاخباً في الساحة الشعرية العربية حول شكل القصيدة، حين قال: «أنا أكتب بالأشكال الشعرية الثلاثة: العمودية والتفعيلة وقصيدة النثر، وفي رأيي أنه ليس هناك شكل شعري يقوم بإلغاء شكل آخر، وهو ما أقوم بالتنظير له دائماً، فأنا لست مع من يقوم بالسخرية من بعض الأشكال الشعرية… إلخ».
بهذا التصريح المهم، وهذه المعرفة العميقة بفن الشعر، دشن الصايغ رأياً واضحاً وملهماً، من خلال قصيدة صاغها بأسلوب ملحمي، وحس إنساني، تعرف القارئ العربي في وقت مبكر إلى شاعر استثنائي، ينتصر للقصيدة بوصفها صنعة لا تقف عند حدود الشكل، وهو الذي استتبعه في قصائده ودواوينه اللاحقة، بمسارات شعرية شكّلت علامة فارقة في المشهد الإبداعي العربي، فقصيدته جسدت تجربة حياتية كاملة، بل تجربة فلسفية ووجودية، وقفت على تخوم جدلية الموت والحياة، وهي جدلية استحقت من الصايغ وقوفاً مطولاً وحاراً، وربما مفصلياً في ابتكار شعريته المتدفقة والمتوهجة والمدهشة، حيث ارتفع بالمفردة الشعرية إلى أقصى غاياتها في الحساسية والكشف، يقول الصايغ:
«ابتدأت أعدّ النجوم/ وما جئت/ سيّان عندي التذكّر والموت/ سيّان عندي انتظارك والموت».
بهذا الألق الشعري، عانق الصايغ كل تفاصيل اللحظة الحياتية، ليكتب قصيدة مفعمة بلذة حارقة، وليتابع بعدها إصدار دواوينه: «التصريح الأخير للناطق باسم نفسه»، «قصائد إلى بيروت»، «ميارى»، «الملامح»، «قصائد على بحر البحر».
يقول الصايغ في لحظة شعرية وقفت على تخوم رؤية شاسعة، تضيق عندها العبارة:
«لست أناي/ ولست أراك سوى في كتاب الوفاة/ تراجيع ناي/ لست أناي/ ولكنني أخرس ويداك يداي».. إلى أن يقول: «يداك يداي، يداي/ جمرتان من البطش مطفأتان/ وموضع ذبح ينادي».
رحم الله الصايغ الذي كُرّم خلال حياته بالعديد من الجوائز الإبداعية المرموقة، ومارس العمل في مجالات ثقافية وإدارية عديدة، أبرزها رئاسته للأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
عاش الصايغ الذي كان شاعراً محبوباً ومتواضعاً، حياته بعمق، متأملاً بشفافية وبذخ كل أحواله ومقاماته، ولينثر من خلال ذلك كله حروفه هو، التي سافرت في فضاء متفرّد، لترى ما لا نرى، ولتضيء شمعة في سراديب أيامنا المتشظية والمنكسرة.

[email protected]