أوكرانيا وأوروبا في مواجهة التحديات | افتتاحية الخليج

ها هي الولايات المتحدة الأمريكية بعدما استضاف رئيسها دونالد ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تستقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينيسكي رفقة قادة أوروبيين. وسواء أكان الأمر جاء نتيجة استدعاء أمريكي أم بناء على طلب أوكراني أوروبي، أم إنه ترتيب مسبق متفق عليه، فإنه لا يخلو من دلالة بالنسبة لمواقف الأطراف الفاعلة في الأزمة الأوكرانية.
وأبرز الدلالات التي تُقرأ من هذا المشهد هي أن أوكرانيا ومعها دول القارة الأوروبية واقعة تحت ضغط من أكثر من ناحية. بداية لا يمكن إغفال أن التحول في الموقف الأمريكي من الملف الأوكراني منذ مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة قد أربك الحسابات الأوكرانية والأوروبية. فواشنطن ترامب ليست هي واشنطن بايدن. حيث لم تعد خزائن السلاح الأمريكي مفتوحة على مصراعيها للمجهود الحربي الأوكراني، وحتى ما يصل ليس هو كل المطلوب، كما أن ما سيصل لابد أن يدفع ثمنه، سواء من قبل الأوروبيين أو بقروض على أوكرانيا سدادها لاحقاً، ليس هذا فحسب، بل إن ما دفع في الإمدادات السابقة مطلوب استرداده، ولو عبر صفقات من قبيل المعادن النادرة.
لم يقف الأمر عند هذا النوع من الضغوط، وإنما بات هناك نهج أمريكي واضح في ضرورة توقف الحرب. وبطبيعة الحال فإن الأوكرانيين ومعهم الأوروبيين يريدون أيضاً إيقاف الحرب، لكن تبقى نقاط الخلاف في كيفية حدوث ذلك وآليات التنفيذ، وقبل ذلك الشروط، ومعها الضمانات.
أوكرانيا تريد استرداد أراضيها بما في ذلك شبه جزيرة القرم، والأوروبيون معها في ذلك، لكن الإدارة الأمريكية الجديدة تتحدث عن «واقعية» تستبعد استعادة شبه جزيرة القرم، وكذلك القبول بحصول روسيا على بعض الأراضي التي سيطرت عليها في الحرب. ولعل تصريح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف الأخير بعد قمة آلاسكا بأن الرئيس بوتين قد أبدى مرونة بالنسبة لبعض المناطق يؤشر إلى ما تفكر فيه واشنطن بهذا الخصوص. وأما عن الضمانات فإنها ما زالت مبهمة، حيث إنها لا ترقى إلى عضوية حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لكنها شبيهة بمادته الخامسة، ويبقى السؤال كيف سيتم ترتيب ذلك؟ والأهم من ذلك ضمانة أن يتم الالتزام بالضمانات مستقبلاً، حيث كان لدى أوكرانيا ضمانات سابقة مقابل تخليها عن الترسانة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي لكنها لم تدفع عنها الحرب، ولم تحافظ على وحدة أراضيها وسلامتها كما كانت تنص مذكرة بودابست الموقعة عام 1994 بهذا الخصوص.
هذه الضغوط الأمريكية على أوكرانيا وأوروبا تتوازى معها الضغوط الروسية على أرض المعركة، حيث يستمر تقدم القوات الروسية، كما أن موسكو قد تعايشت مع حزم العقوبات المتوالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها. وفي حال تحسنت العلاقات الروسية الأمريكية في الفترة القادمة ستجد أوروبا نفسها تحت ضغط متزايد بالنسبة لمسألة العقوبات المفروضة على موسكو.
بطبيعة الحال إذا أمكن الوصول إلى حلول وسط بين ما هو مطروح روسياً وأوكرانياً وأوروبياً فإن الأمور ستأخذ منحى مغاير. ربما تكون هناك دبلوماسية نشطة في المستقبل القريب، وربما تعددت لقاءات القمة، ولربما انضمت الصين إلى هذا الزخم. وعندها يمكن أن تكون هناك خطوط عريضة يتم التفاوض عليها وصولاً إلى وقف الحرب.