قلم عبدالله الغذامي: يوسف أبو لوز

قلم عبدالله الغذامي: يوسف أبو لوز

يكتب د. عبدالله الغذامي في الزميلة «الاتحاد» عن القلم، أو في رثاء القلم، وهو يتذكر أولى أقلامه من نوع «باركر»، وذلك الحبر الأزرق الذي كان يراه على أصابع حملة الأقلام في زمن الكتابة بالحبر السائل، وأحسبه هنا زمن السبعينات والثمانينات من القرن العشرين قبل اجتياح الكمبيوتر للكتابة باليد البشرية الرقيقة التي يأكل بها الإنسان، ويصافح الآخرين، ويزرع، ويقلع، ويطبخ، ويحرث، ويعمل كل شيء يصنع حضارة وثقافة منذ أوّل قلم عرفه الإنسان.
مقالة د. عبدالله الغذامي عذبة، وعنوانها رثائي، لكنها ليست مرثية، بقدر ما هي استعادة وجدانية لثقافة القلم بلغة بسيطة حميمة بعيداً عن مصطلحات النظرية والنقد، ذلك أن القلم لا يموت على الرغم من الاحتفالية العالمية بالذكاء الاصطناعي ومشتقاته الرقمية التي لا يمكن أن تلامس روح الإنسان في كتابة اليد.
تتصل يد الإنسان، من ناحية تشريحية علمية بقلبه عبر الشرايين ودورة الدم، وربما كان لمثل هذا الاتصال علاقة بالكتابة نفسها، علاقة بالقلب، والدم، والرّوح، وهكذا، فعندما يكتب الشاعر أو الروائي أو الأديب، فإنه يفكر في الوقت نفسه، وتتخلّق لديه سعادة ذاتية داخلية وخارجية إن أمكن القول، ولعلّ الفرح العارم والدافئ الذي يغمر الشاعر مثلاً، حين ينتهي من كتابة قصيدته أوضح دليل على علاقة الكتابة باليد وبالقلم، مع الأعصاب والنفس ودواخلها العاطفية والوجدانية.
في السنوات الأخيرة شيّع الكثير من الكتّاب جنازة جماعية للأقلام.. أقلامهم هم، وبالمناسبة، وجدت أن الكثير من المشيّعين هؤلاء خطوط أياديهم بالغة الرداءة، فوجدوا في التخلي عن القلم والكتابة (الطباعة) على الكمبيوتر خلاصاً ذاتياً من عقدة خط اليد الرديء، وبالمناسبة أيضاً تنتفي تماماً صفة الكتابة إذا استخدم الكاتب الكمبيوتر، فالصفة العلمية الحقيقية هي (الطباعة) على الكمبيوتر، ذلك أن الكاتب حين يستخدم الطباعة فهو صفّيف حروف فقط، ولا يكتب، الكتابة شي، والطباعة أو صفّ الحروف شيء آخر.
وما علينا من هذه الجدلية التي لا يحبها الكثيرون من أصحاب الخطوط الرديئة، ولنذهب أو لأذهب شخصياً إلى قلم «الباركر» خاصة د. عبدالله الغذامي قبل عشرات الأعوام، لأتذكر هنا أن أوّل قلم حبر سائل كتبت به كان هدية من عمّي محمد، وكان عسكرياً في الجيش الأردني، وكان قلم «باركر» ذي سن فضيّ مملوء بحبر أسود، وكنت أتفنن بالكتابة بهذا القلم حين كنت في الصف السادس الابتدائي آنذاك.
منذ ذلك القلم لم تنقطع أقلامي من «الباركر» إلى «الشيفر»، وإلى اليوم، وحتى لحظة كتابة هذه المقالة أكتب بقلم «باركر» وبحبر أسود صيني، ولا بدّ أن تتلطّخ أصابعي باللون الأسود، وبعض الثياب أيضاً.
الأقلام لا تموت، لأنها ترمز إلى أعمدة الحياة وأعمدة الحكمة، أو لنقل أنها لؤلؤة يد الإنسان المتصلة عبر الشرايين بقلبه، ولذلك، حين تصف شاعراً أو صحفياً أو خطّاطاً أنه «يكتب من قلبه»، فهو وصف صحيح وعلمي في الوقت نفسه، في حين أنه لا قلب للكمبيوتر، ولا ذاكرة له مثل ذاكرة د. عبدالله الغذامي.
[email protected]