المرأة في إبداعات فاطمة لوتاه: نص بصري يطرح تساؤلات

المرأة في إبداعات فاطمة لوتاه: نص بصري يطرح تساؤلات

فاطمة لوتاه فنانة إماراتية مغامرة مسكونة بشغف الفن، وما يطرح من قيم جمالية وفكرية ووجدانية، هي فنانة يصعب تصنيفها في قالب أو مدرسة فنية واحدة، فرحلتها الاستثنائية بين المدن العربية والعالمية، جعلها تتنقل بين الواقعية والرمزية والتجريدية التعبيرية، مروراً برحلة أخرى أقرب إلى الصوفية.

في رحلتها الفنية تلك، وما أنتجته من لوحات ومعارض، فإنها تؤكد في كل مرة تنوع وغنى وإشراق وربما – شاعرية – ما ترسم، تبعاً لزمان ومكان ولحظة انبثاق هذا الشغف الجمالي الذي يعبر المسافات، ويترك حيزاً وافراً للمشاهد، لكي يستمتع بما يرى، ويتأمل في ما وراء اللون والنص، ويتعرف على هذا المزيج اللافت من الحيوية التي تطمح لجعل الفن مادة قابلة للحياة، وعلى تماس شفيف مع رحلة الإنسان وسبر أحلامه وتوهجاته.

نتوقف عند محطة مهمة من محطات الفنانة لوتاه، في تناولها لموضوع المرأة، وهو موضوع تشترك فيه مع كثير من الفنانات الإماراتيات مثل: د. نجاة مكي، كريمة الشوملي، ليلى جمعة، منى الخاجة، سلمى المري، هدى سيف، بدور آل علي، خلود الجابري وغيرهن.. حيث يحسب لهؤلاء الفنانات ومنهن فاطمة لوتاه، تميزهن الباذخ في استخدام اللون وحركة الفرشاة لصناعة مشهدية جمالية متميزة بين مدارس الفن المختلفة.

تجسد فاطمة لوتاه في لوحاتها أحوال ومقامات المرأة في أكثر من مكان وبيئة، كما هو في اللوحة التي أمامنا، حيث تستمر في إدهاش المتلقي بخصوصية ما تطرح شكلاً ومضموناً، ولعل الناظر إلى اللوحة، يثيره ولأول وهلة السؤال، والسؤال أول مدماك في سعي فاطمة لجعل الفن نافذة نحو المعرفة، وتوسيع مدارك المشاهدين وحثهم على التفكير ومحاولة فهم ما يدور في العالم.

بوح

اللوحة التي أمامنا، فيها الكثير من التأمل، وهي مرسومة بحس فني عال، وتظهر فيها 3 نساء، واحدة على يمين الصورة تظهر بفستانها الأبيض، وبنظرة أقرب إلى التحدي، مقارنة مع شريكتيها في اللوحة في يسار ومنتصف اللوحة، كان للون رمزية واضحة في قراءة ما وراء هذا الشكل الفني الذي يطرح أسئلة تتبع تلك اللحظة الفارقة في زمن ومكان هذا المنظور الفني الآسر، واللوحة بصورتها تلك، تستفز المشاهد ليطرح بدوره أسئلة عن تلك المشاعر المتناقضة التي تظهر عند كل واحدة من النساء، وهي مشاعر تطل برأسها بقوة، بوصف الأنثى كائنا بشريا محكوما بظرفه الاجتماعي والنفسي.

توقعات

في اللوحة، يعلو صوت المرأة، ويتحدى، ويصرخ، ويثير توقعات شتى من مخاوفها، بذات القدر من بحثها عن إنسانيتها.

نجحت لوتاه، في استخدام تقنية لونية ذات دلالة ورمزية عالية، بوصف اللون هنا، مهماً في التصميم، وباعتباره ليس مجرد عنصر بصري فقط، بل هو مكون جمالي بدلالاته الفلسفية العميقة، وبتأثيره في المزاج والأحاسيس، ولكونه ركيزة أساسية في التجربة الجمالية والبصرية. هنا، تظهر المرأة بين التصريح والبوح، ومن خلال موتيفات الرسم المستخدمة، وهي تتماوج في عوالم شتى تحاكي منظومة من الأفكار والأسئلة الراهنة والمستقبلية، لكي يدخل الفن مستوى جديدا من التذوق الفكري والجمالي والثقافي. اللوحة من جهة أخرى، تعبر عن لحظة وجودية صارخة، وربما تفتح حواراً، يختزن مجموعة من العلاقات المتناقضة.

أساليب

في تعليقه على تجربة فاطمة لوتاه يشير الفنان محمود شاهين، إلى تعدد الصياغات والأساليب والمضامين في أعمالها التي تجمعها وحدة عامة، تتبدى في أكثر من منحى وشكل، وتطال مكوّنات نصوصها البصريّة كافة، بدءاً من الوسائل والوسائط و(التكوينات)، وانتهاء بالمضامين والطروحات الفكريّة حول قضايا إنسانيّة راهن.

إبداع

لا يمكن المرور على تجربة الفنانة فاطمة لوتاه من دون الإشارة إلى ثقافتها الفنية، التي اختبرت من خلالها الكثير من الألوان والمواد التي استخدمتها في الرسم، وهنا، نشير إلى اختيارها لمادة اسمها (رزل) وهي مادة تشبه الكهرمان الصناعي، واستخدمت معها القماش والألياف الزجاجية، وعالجتها بالحرارة، وقد توصلت إليها بعد أن بحثت عن مادة يمكنها أن توصلها إلى الشفافية التي تريدها في أعمالها الفنية، وهذه تضاف وبقوة إلى رصيد الفنانة لوتاه على مستوى البحث والتجربة واعتبار الفن نصاً بصرياً منحوتاً من عصارة جهد وتعب الفنان.