ألفاظ رقيقة | جريدة الخليج

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع تعبير الشعراء عن تعلّقهم بالوطن، قول لسان الدين بن الخطيب:
يا أُهَيْلَ الحَيِّ منْ وادي الغَضا
وبقلْبي مَسْكَنٌ أنْتُمْ بهِ
ضاقَ عَنْ وَجْدي بكُمْ رَحْبُ الفَضا
لا أبالِي شَرْقَهُ منْ غَرْبِهِ
فأعيدوا عَهْدَ أُنْسٍ قَدْ مَضَى
تُعْتِقوا عانِيَكُمُ منْ كَرْبِهِ
وقول أحمد شوقي:
وَطَني لَوْ شُغِلْتُ بِالخُلْدِ عَنْهُ
نازَعَتْني إِلَيْهِ في الخُلْدِ نَفْسي
وهَفا بِالفؤادِ في سَلْسَبيلٍ
ظَمَأٌ لِلسَّوادِ مِنْ عَيْنِ شَمْسِ
شَهِدَ اللَّهُ لَمْ يَغِبْ عَن جُفوني
شَخْصُهُ ساعَةً ولَمْ يَخْلُ حِسّي
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
من كتاب «سِحْر البَلاغة وسِرّ البراعة» لأبي منصور الثعالبي:
«أيها المُعْرضُ الهاجِرْ، الذي سَعى لِصدّهِ دَمْعُ صبِّه على المَحاجِرْ، رِفْقاً بِمن مَلَكَ الوَجْدُ قيادَهْ، وعَطفاً على من أذابَ الشوقُ فؤادَهْ، مُتيّمٌ أقلقَهُ فَرْطُ صُدودِكْ، ومُغْرمٌ أغْراهْ بِحُبّكَ قَوْلُ حَسودِكْ، وسَقيمٌ لا شِفاءَ له دونَ مَزارِكْ، ومُقيمٌ على عَهْدكَ ولَوْ طالَت مُدّة نِفارِكْ. إلامَ هذا التّنائي والنُّفورْ؟ وعلامَ يا ذا القَدِّ العادلِ تَجورْ؟ لقدْ تضاعفَ الأسَفُ والأسى، وتَطاولَ التَّعلُّلُ بِعَلَّ وعَسى، وفَنِيَ حاصِلُ الصَّبْر، ولَمْ يَبْقَ إلّا المقابَلَةُ بالجَبْر.
هَبْني تَخَطَّيْتُ إلى ذِلَّةٍ
ولَمْ أكُنْ أذْنَبْتُ فيما مَضى
ألَيْسَ لي مِنْ بَعْدِها حُرْمَةٌ
تُوجِبُ لي مِنْكَ جَميل الرّضى؟
نعم لي حُرمةٌ وذِمامْ، وسابقُ خِدْمَةٍ توجِبُ رَفْع المَلالِ والمَلامْ. ولستُ ألوذُ إلّا ببابِ نِعَمِكْ، ولا أعْتَمدُ في مَحْوِ الإساءةِ إلّا على حِلْمكَ وكَرَمِكْ. وما جَلّ ذنْبٌ يُضافُ إلى صَفْحِكْ، ولا عَظُمَ جُرْمٌ يَطْرُدُ غُرابَ لَيْلِه بازُ صُبْحِكْ.
وكُنْت أظنُّ أنَّ جِبالَ رَضْوى
تَـــــزولُ وأنَّ وُدّكَ لا يَـــزولُ
ولَكنّ القُلوبَ لها انْقِلابٌ
وحالاتُ ابْنِ آدَمَ تَسْتَحيلُ.
من أسرار العربية
في تَرْتِيبِ السُّرُوْرِ: أوَّلُ مَراتِبِهِ الجَذَلُ والابْتِهَاجُ. ثُمَ الاسْتِبْشار وهو الاهتِزازُ. ثُمَّ الارْتِياحُ. ثُمَّ الفَرَحُ وهوَ كالبَطَرِ. ثُمَ المَرَحُ، وهو شِدَّةُ الفَرَحِ. وفي تَفْصِيلِ أوْصافِ الحُزْنِ: الكَمَدُ: حُزْنٌ لا يُسْتَطاعُ إمْضاؤهُ. والبَثُّ: أشَدُّ الحُزْنِ. والكَرْبُ: الغَمُّ الّذي يَأْخُذُ بالنَّفْسِ. والسَّدَمُ هَمّ في نَدَم. والأسى واللَّهَفُ: على الشَّيءِ يَفوتُ. الوجوم: يُسْكِتُ صاحِبَهُ. الأسَفُ: حُزْن مَعَ غَضَب. الكآبَةُ: سوءُ الحالِ والانْكِسارُ مَعَ الحُزْنِ. التَرَح ضِدُّ الفَرَحَ.
هفوة وتصويب
ترد هذه العبـــارة عنــد بعضهم «أنا تَعْبانٌ أو مَتْعوب هذا اليوم».. وهـــي غـــير دقيقة؛ ففي صحيح اللغة: تَعِبَ يَتْعَبُ تَعَباً، فهو تَعِبٌ.. وأَتْعَبه غَيْرُهُ، فهو تَعِبٌ ومُتْعَبٌ. وأَتْعَبَ فلانٌ فلاناً فـــي عَمَلٍ يُمارِسُه إذا أَنْصَبَه فيما حَمَّلـَه وأَعْمَلَه فـــيه. وأَتْعَبَ الرجُلُ رِكابَه: أَعْجَلَها في السَّوْقِ أَو السَّيْرِ الحَثيـثِ. وأَتْعَــــبَ العَــظْمَ: أَعْنَتـــَه بعدَ الجَبْرِ. وبَعيرٌ مُتْعَبٌ: انْكَسَرَ عَظْمٌ من عِظـــامِ يَدَيْه أَو رِجْلَيْه ثـــــم جَبَرَ، فلم يَلْتَئِم جَبْرُه، حتى حُمِلَ عليه فــــي التَّعَبِ فوقَ طاقتِـــــه، فتَتَمَّــــم كَــــسْرُه؛ قـــــال ذو الرمَّة:
إذا نالَ منْها نَظْرةً هِيضَ قَلْبُه
بها كانْهِياضِ المُتْعَبِ المُتَتَمِّمِ
من حكم العرب
ليس التّطاولُ رافعاً من جاهلٍ
وكذا التواضعُ لا يَضُرُّ بعاقِلِ
لكنْ يُزادُ إِذا تَواضَعَ رِفْعَةً
ثم التّطاولُ ما له من حاصِلِ
البيتان للخليل بن أحمد، يقول فيهما إنّ التواضع من خيرة المكارم التي على المرء التحلّي بها، فهو يرفع قدره، ويميّزه بين الناس، لأنّ هذه الميزة تشمل سموّ الأخلاق والكرم والكياسة.