«القصباء».. نبض الثقافة والفنون | صحيفة الخليج

تلعب الثقافة والفنون دوراً أساسياً في تشكيل هوية المجتمع وتعزيز تماسكه الاجتماعي، باعتبارها أدوات فاعلة لتنمية الفرد وتنشيط الفكر، ونشر القيم الإنسانية والاجتماعية التي تعزز التضامن والاحترام المتبادل، وتسهم الثقافة في فتح آفاق جديدة للإبداع والتعبير، وتشكيل حوارات بناءة تعزز التفاهم بين مختلف فئات المجتمع، كما تسهم الفعاليات الترفيهية في توفير مساحات للتواصل الاجتماعي، مما يدعم الاستقرار النفسي ويحفز النمو الثقافي والاقتصادي الشامل.
في هذا السياق، تبرز واحدة من أهم معالم إمارة الشارقة، وهي منطقة «القصباء» التي تأسست عام 2000 بمبادرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لتكون عنواناً للحضور الثقافي للإمارة وعنواناً للحفاظ على هويتها الوطنية بمعمار يجمع بين الأصالة والحداثة.
*روح الحداثة
تعد منطقة القصباء نافذة مشرقة تجمع بين أصالة التراث الإماراتي وروح الحداثة في تصميم معماري حضاري مميز، يحمل مجموعة متكاملة من الفضاءات الثقافية والفنية،على ضفاف قناة مائية تربط بين بحيرتي خالد والخان، تجمع فيه هذه التحفة المعمارية بين الفن والثقافة والترفيه في آن واحد.
تتمتع القصباء بثقل ثقافي وفني عبر مؤسساتها المتنوعة، منها مقر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومسرح القصباء الذي يتسع لحوالي 250 متفرجاً، والذي يستضيف العديد من الفعاليات الموسيقية، والعروض المسرحية، إضافة للاستعراضات الفنية المتنوعة، إضافة إلى مركز «مرايا للفنون» الذي يحتضن مجموعة من معارض وورش العمل الفنية التي تهدف إلى تعزيز الوعي والإبداع بين مختلف الأعمار، لتكون القصباء ملتقى للكتاب والفنانين والجمهور الراغب بخوض تجربة ثقافية متكاملة تعبر عن جوهر الرؤية لمشروع الشارقة الثقافي في المشهد المحلي والعالمي.
لا تقتصر القصباء على الجانب الثقافي فحسب، بل تتألق بتنوعها السياحي والترفيهي من خلال المطاعم والمقاهي التي تقدم فيها مجموعة متنوعة الوجبات المحلية والعالمية وسط أجواء تتزين بلمسات تراثية، مطلة على القناة المائية التي يمتد فيها ممشى القصباء بمحاذاة القناة، ليضم مساحات خضراء وجلسات مطلة على الماء، وأماكن للاحتفالات والأنشطة المفتوحة، والتي تعزز بدروها الروح الاجتماعية وتعكس التنوع الثقافي والاجتماعي للإمارة، كما يبرز مسجد القصباء كمعلم معماري روحي يعكس العمارة الإسلامية التقليدية، ليجسد بذلك رؤية شمولية متكاملة للقصباء كبيئة متعددة الفضاءات.
*حضور
تتجلى الحيوية الموسمية في القصباء بحضورها القوي خلال شهر رمضان المبارك والأعياد الدينية والوطنية، حيث تتحول إلى مركز احتفالي ينبض بالفعاليات الثقافية والعائلية التي تعكس الروح الوطنية والدينية، كما تنظم فعاليات اجتماعية مختلفة وأسواقاً شعبية تقدم الحرف اليدوية، والتطريز، والخط العربي، إلى جانب برامج موسيقية وفنية تبرز أصالة التراث الإماراتي، في أجواء مفعمة بالرحمة والمودة تستقطب الكبار والصغار، وفي الأعياد الوطنية، تعج القصباء بعروض فنية تعزز مشاعر الانتماء والولاء للوطن، وسط أجواء احتفالية تعكس ذاكرة الإمارات وتاريخها المجيد.
خلال العام، تستضيف القصباء عروضاً مفتوحة تشمل معارض مؤقتة وفقرات مسرحية قصيرة، تثير تفاعل الزوار وتزيد من مشاركتهم، كما تقام ورش عمل تعليمية للأطفال تشجع على اكتشاف الفنون والحرف التقليدية بأساليب مسلية وتفاعلية، داعمة بذلك احتضان القصباء لأجيال واعية ترسخ حب تراثها وتتناغم مع التطور.
تتمحور القصباء حول قناتها المائية التي تجذب الزوار لرحلات قوارب وسط مناظر طبيعية خلابة تحيط بها هندسة معمارية تغوص في جذور الطراز الإسلامي الإماراتي التراثي. يظهر ذلك في الأقواس، و«المشربيات» الخشبية المشغولة بعناية فائقة، والقباب، والزخارف الهندسية التي تعكس الهوية العربية الإسلامية الأصيلة، وتتجلى براعة التصميم كذلك في التوازن بين المساحات الداخلية والخارجية، مع اعتماد مواد محلية كالجص والطين التي تضفي دفئاً وأصالة على المكان. في المقابل، تضفي عجلة «عين الإمارات» الترفيهية لمسة عصرية تحاكي التطور التقني والحداثة، مقدمة منظراً خلابا على أفق القصباء، خصوصاً خلال المساء.
*تكامل
يتخلل المشهد الثقافي مركز الأعمال الحديث الذي يوفر مساحات مكتبية مجهزة بأحدث التجهيزات لخدمة رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في تكامل بين الثقافة والاقتصاد يعزز بيئة متعددة الاستخدام تجمع التنمية الاقتصادية مع النشاطات الثقافية، ضمن الخريطة الحضرية للشارقة.
تشكل القصباء تجربة حضرية وثقافية متكاملة، تنسجم فيها أصول تراثية عميقة مع روح العصر، لتكون فضاء مفتوحاً يحفز الابتكار ويثري الحوار الثقافي ويرسخ الهوية الوطنية، من خلال فعالياتها الموسمية والاحتفالية تحولت فيه إلى واحة تجتمع فيها العائلات، حيث الفرحة الوطنية والفرح الثقافي ينسجمان في فضاء ترتقي فيه القيم التراثية بما يتوافق مع آمال المستقبل، مساهماً بفاعلية في إثراء الحياة الاجتماعية والثقافية في الشارقة والإمارات.
بهذا التمازج الرائع بين الفن والثقافة والبيئة العمرانية، تبرز منطقة القصباء باعتبارها واجهة إبداعية في قلب المدينة، ومكاناً يلتقي فيه الحلم الحضاري الأصيل بالتراث ليصنع منبراً مستداماً للنمو والابتكار في إمارة الشارقة الغنية برؤيتها الثقافية وعطائها الإنساني.