يتواجد بين ثلاث قارات.. «دي بي ورلد» تبحر في «المتوسط» من خلال ميناء طرطوس

يتواجد بين ثلاث قارات.. «دي بي ورلد» تبحر في «المتوسط» من خلال ميناء طرطوس

بعد توقيعها لاتفاقية الامتياز، التي تمتد لثلاثين عاماً مع «الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية» في سوريا، وتهدف بموجبها لتطوير وتشغيل ميناء طرطوس؛ تدشن بذلك مجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»؛ أول استثماراتها البحرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
نجحت به الشركة الإماراتية والمملوكة لحكومة دبي، عبر هذا الاستثمار، في إيجاد موطئ قدم لها عبر المتوسط، حيث تدير وتمتلك المجموعة موانئ كبرى ومهمة في شرق آسيا ووسط وشمال أوروبا، وحتى في القارة السمراء، وكذلك في الأمريكيتين الشمالية واللاتينية، ناهيك عن واجهات بحرية في أوقيانوسيا عبر أستراليا.

إذاً، لماذا يعد ميناء طرطوس، شرياناً تجارياً مهماً بالنسبة للقارات الثلاث، التي يتوسطها؛ أي الطرف الغربي لآسيا، وأوروبا، وإفريقيا، والجواب أنه هو يتوسط أهم 3 قارات عالمياً، وهو مركز مهم في خريطة النقل والخدمات اللوجستية وحركة الشحن عبر مصانع الصين وشرق آسيا، مروراً بوسطها والطرف الغربي، وانتقالاً إلى أوروبا وحتى إفريقيا، ولربما إلى الأمريكيتين، عبر البحر الأبيض المتوسط.
خطوة وصفها خبراء التجارة والشحن وسلاسل الإمداد، بـ«ضربة معلم».
على غرار موقعها الجغرافي المهم، تمتلك سوريا كثافة سكانية كبيرة ومحاطة بدول جوار كثيرة، وهي مثقلة ومتعبة بعد سنوات الصراع الداخلي، فهي بحاجة لسلاسل إمداد أكثر قوة وسلسة لإعادة الإعمار، وإعادة ضخ الدماء لشرايين اقتصادها، وتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، فالاستثمار الآن، أفضل من الغد.

تعدد جغرافي وسكاني

بحسب موقع «docksthefuture.eu» (أرصفة المستقبل)؛ يبلغ عدد الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، 22 دولة، وتمتلك 87 ميناءً، كما في نهاية العام الماضي 2024.
وتقسم جغرافياً إلى 3 ضفاف (جنوبي أوروبا، الشرق الأوسط، شمال إفريقيا).
ففي الطرف الشمالي من البحر المتوسط، وتحديداً في جنوبي أوروبا، تمتلك إسبانيا موانئ مثل: أليخيثيراس (Algeciras)، فالنسيا، برشلونة. وفرنسا موانئ: فوس، نيس، باستيا، أجاكشيو. وإيطاليا مثل: جنوة، جيويا تاورو، لا سبيتسيا، ترييستي، البندقية، أنكونا، نابولي، وهي من بين 16 ميناءً تمتلكها إيطاليا. وفي سلوفينيا: ميناء كوبر. وكرواتيا موانئ: رييكا، سبيليت، دوبروفنيك، سي بينيك. وميناء نيم (Neum) في البوسنة والهرسك، وميناء بار في الجبل الأسود، وميناء دورريس الألباني، وفي اليونان، 14 ميناءً أبرزها؛ موانئ: بيريوس (Piraeus)، ثيسالونيكي، فلوس، ألكسندرابولي، هيراكلون، كافالا، رودس، كورفو، وفي وسط البحر المتوسط، حيث دولة مالطا، التي تمتلك موانئ، فاليتا، مارسافلوك.
وفي الضفة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط؛ ميناء ليمسول القبرصي، وميناء طرطوس واللاذقية السوريين، وموانئ بيروت وطرابلس وصيدا في لبنان، وحيفا وأشدود وعسقلان في إسرائيل، وغزة في قطاع غزة، وميرسين في تركيا.
وفي شمالي إفريقيا، حيث الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، موانئ الإسكندرية، بورسعيد، دمياط، العريش في مصر، وطرابلس، بنغازي، مصراتة في ليبيا، ورادس، صفاقس، بنزرت التونسية، ووهران في الجزائر، وميناء طنجة في المغرب.

موقع على المتوسط

يتمتع ميناء طرطوس، بموقع جغرافي حيوي على الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط، ما يجعله ثاني أكبر ميناء في البلاد وبوابة بحرية رئيسية، تربط طرق التجارة بين أوروبا وبلاد الشام وشمال إفريقيا.
ويعزز هذا الموقع الاستراتيجي الروابط الإقليمية بشكل كبير، ليكمل بذلك المسارات التجارية القائمة، عبر مضيق البوسفور والبحر الأسود وقناة السويس.
ومن خلال عملية إعادة التطوير الشاملة، سيصبح الميناء قادراً على التعامل مع أنواع متعددة من الشحنات، بما في ذلك البضائع العامة، الحاويات، البضائع السائبة، وحركة البضائع المدحرجة. حيث سيسهم هذا التطوير الفعّال في توسيع الإمكانات التجارية لسوريا، ودعم جهودها المستمرة لإعادة الإعمار والتنمية.

800 مليون دولار

بموجب الاتفاقية، ستستثمر مجموعة موانئ دبي العالمية، 800 مليون دولار على مدى فترة الامتياز، بهدف تطوير البنية التحتية للميناء بشكل شامل، وترسيخ مكانته كمركز تجاري إقليمي حيوي، يربط جنوب أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وستعمل «دي بي ورلد»؛ على استكشاف فرص استثمارية جديدة، بالتعاون الوثيق مع الشركاء المحليين، بهدف تطوير مناطق حرة ومراكز لوجستية متطورة وممرات عبور استراتيجية. وتهدف هذه المبادرات؛ إلى دعم جهود التنويع الاقتصادي الشامل، وتسهيل حركة التجارة على نطاق أوسع.
وبعد أكثر من عقد من الصراع ونقص الاستثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية للتجارة، تُمثل إعادة تطوير الميناء محطة محورية في إعادة دمج الاقتصاد السوري.
ويتبنى هذا المشروع نموذج «البناء والتشغيل والتحويل»، وسيتضمن المشروع حزمة تحديثات شاملة تتضمن تطوير بنية تحتية جديدة ومتطورة، وتوريد معدات حديثة لمناولة البضائع، إضافة إلى دمج أنظمة رقمية متقدمة. وتهدف هذه التحسينات إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية في كل من محطات الحاويات والبضائع العامة داخل الميناء.

9.2 % من تجارة العالم

تتمتع مجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»، بحضور في أكثر من 75 دولة، حيث تتعامل موانئها ومحطاتها مع 9.2% من إجمالي حركة الحاويات العالمية.
وبفضل هذه المكانة العالمية، تقدم «دي بي ورلد» خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في تطوير البنية التحتية اللوجستية عالمياً. ويأتي مشروع ميناء طرطوس؛ ليُشكل إضافة نوعية إلى محفظتها المتنامية، ويكمل عملياتها الاستراتيجية القائمة في منطقة الشرق الأوسط.

مقومات اقتصادية واعدة

قال سلطان أحمد بن سليّم، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»: «تتميز سوريا بمقومات اقتصادية مهمة جداً وفرص واعدة، ونرى إمكانات قوية في الميناء، ليكون بوابة تجارية حيوية، ونتطلع إلى تعزيز الربط الإقليمي والفرص الاقتصادية، من خلال هذا الاستثمار، الذي يربط حركة النقل والشحن لدول المنطقة والجوار ببعضها البعض».
وأضاف بن سليم: «نستطيع في دول مجلس التعاون الخليجي، أن نستخدم ميناء طرطوس، كميناء محوري ومهم جداً لتصدير الكثير من البضائع عبره، والتي كانت تمرّ سابقاً عبر طرق أكثر تقليدية وطويلة، في حين، أنها ستمر اليوم عبر ميناء طرطوس إلى أوروبا وإفريقيا».
وأوضح؛ أن المجموعة تدير وتمتلك الكثير من الموانئ الأوروبية، في ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، هولندا، بلجيكا، ودول أخرى، ودورنا الرئيسي هو تحويل البضائع إلى موانئ أوروبية تدار من قبل الشركة، وهناك فرصة كبيرة لنقل صناعات كثيرة إلى سوريا لما تملكه من تاريخ حافل في الصناعة، وتعد مناطقها الصناعية، مهمة جداً على صعيد المنطقة والدول العربية.

42 % من ناتج دبي

كشف بن سليم، أن الكثير من المتغيرات العالمية تجري حالياً على صعيد حركة النقل وسلاسل الإمدادات، حيث ارتفعت كلف الإنتاج والشحن من دول التصنيع في شرقي آسيا، تزامناً مع فرض المزيد من القيود التجارية والتعريفات الجمركية الأمريكية على دولها وخاصة الصين، فمن المجدي جداً، أن يتم توطين مثل هذه الصناعات في سوريا، وإعادة تصديرها إلى أوروبا، ونحن قادرون على إنجاز ذلك لما نمتلكه من خبرات طويلة في هذا الشأن.
وأشار بن سليم، إلى دور المنطقة الحرة في جبل علي «جافزا» والمناطق الحرة الأخرى التي تمتلكها المجموعة في دبي، والتي تسهم بـ42% من الناتج القومي للإمارة، ومن اللافت جداً، أن سوريا تمتلك ودول الجوار، كثافة سكانية كبيرة، وقادرون أن نخلق فرصاً جيدة وواعدة.
وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية «دي بي ورلد»، إن المئات من الشركات العالمية تواصلت معنا، بعد عقد الاتفاقية مع سوريا، وترغب في فتح فروع لها في سوريا، والتوسع في الصناعات وتصديرها إلى أوروبا، ومع خلق صناعات محلية في سوريا واستثمارات متعددة، نستطيع أن نتفادى الكثير من صعوبات وتحديات نقل البضائع والصناعات من دول المنشأ إلى المستهلك النهائي، ونعمل على تعزيز حركة التحميل والتنزيل والمناولة في ميناء طرطوس، وأن يكون محوراً تجارياً مهماً لسوريا ودول المنطقة. ولا شك أنه سيكون ضمن شبكتنا العالمية المهمة، التي نديرها في مختلف الدول والقارات».