الجداريات: تميز فني في مشهد دبي

* حوار تفاعلي بين الفنانين والجمهور في الأحياء والميادين
* تشكيلة مختارة بأساليب متنوعة تعكس هوية الإمارة
يُعد الفن في الأماكن العامة جزءاً من منظومة الفنون التي تحتضنها دبي، وتواصل الإمارة عبر مشاريعها المتنوعة إبراز جاذبيتها، وحيوية مشهدها الفني الذي يتميز بتنوع تجاربه الاستثنائية، وما تمتلكه من أعمال وتركيبات وجداريات فنية مُلهمة.
وتهدف استراتيجية الفن في الأماكن العامة إلى تحويل الإمارة إلى معرض فني مفتوح ومتاح للجميع، بما يتماشى مع خطة «دبي الحضرية 2040» الرامية إلى تحقيق تنمية عمرانية مستدامة، يشكل الإنسان محورها الرئيسي، وترسيخ مكانتها وجهة مفضلة للعيش والعمل والترفيه، ومركزاً عالمياً للثقافة، وحاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب.
وتسعى هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» عبر مجموعة الجداريات التي تنفذها في جميع أنحاء الإمارة، إلى دعم المبدعين وأصحاب المواهب، وتحفيز روح الابتكار لديهم، وتمكينهم من المساهمة في تحويل الأحياء والميادين العامة والمناطق المختلفة، إلى وجهات سياحية وثقافية ملهمة. وتعكس الجداريات تفرد هوية الإمارة الإبداعية الثقافية، وتخلق فضاءً حضارياً وتفاعلياً بين الفنانين والجمهور من مختلف الجنسيات والثقافات، ما يؤسس لبيئة مستدامة قادرة على تشجيع الفنانين على مواصلة شغفهم والتعبير والمشاركة مع الجمهور، ورفع مستوى الذائقة العامة، وإضفاء لمسات جمالية خاصة تزين مناطق الإمارة المختلفة. ويتناغم ذلك مع أهداف استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، وينسجم مع مسؤوليات «دبي للثقافة» وأولوياتها القطاعية الرامية إلى دعم قوة الصناعات الثقافية والإبداعية في دبي.
وخلال الفترة الماضية، نجحت الهيئة في إنجاز تشكيلة متنوعة ومختارة من الجداريات الفنية.
ومن الأعمال البارزة التي شكّلت نقطة تحوّل في مسيرة تطور «القوز الإبداعية» من منطقة صناعية إلى وجهة ثقافية نابضة بالحياة، جدارية «مُتّحد» التي أنجزها قبل خمس سنوات فنان الخط العربي التونسي كريم جباري والمصممة الأمريكية جيمي براون، في عمل تعاوني دائم يُعد من أوائل الأعمال الفنية العامة التي شهدتها المنطقة. واستُلهمت الجدارية من كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتجسد كيف يمكن للفن أن يتجاوز حواجز اللغة والخلفيات الثقافية، ويجمع الناس تحت مظلة مشتركة من الجمال والتعبير.
وأُنجز هذا العمل بأسلوب ارتجالي في الموقع، وعبر حوار مباشر مع المجتمع المحلي، ليُقدم توليفة فنية تمزج بين جمالية الخط العربي والطابع العصري في التصميم، بما يعكس روح «القوز الإبداعية» كمكان تتقاطع فيه ملامح التراث مع آفاق الابتكار في الفضاء العام.
ومن أبرز الأعمال أيضاً «الجدارية الجصية» التي تزين واجهة مكتبة الصفا للفنون والتصميم، واستلهمتها الفنانة اللبنانية شفى غدّار من تراث دبي. وتُعيد الجدارية تخيل التصميم المعماري القديم لمبنى المكتبة، وتبرز جماليات ودقة الزخرفة الإسلامية التي كانت جزءاً منها قبل خضوعها لعملية ترميم شاملة. واعتمدت الفنانة شفى غدّار في هذه الجدارية على تقنية «أوزليجوس» الخزفية الكلاسيكية، أحد عناصر التراث المعماري البرتغالي، المتأثرة بالفنون الإسلامية والصينية والإسبانية القديمة.
العلاقة بالبحر
استلهم الفنان الأرجنتيني المقيم في الإمارات غصن جبران (سانكتوم) تفاصيل جدارية «المد» التي نفذها في حديقة أم سقيم من حركة الأمواج وطاقة المياه وتلامسها مع الرمال، ليعكس بذلك طبيعة العلاقة التي تجمع دبي بالبحر. وتتكون الجدارية من لوحة رباعية ضخمة، استخدم فيها «سانكتوم» ألوان الأخضر والأزرق والفيروزي، معبراً من خلالها عن الرابطة التي تجمع الماء والتربة.
وتتألف جدارية «الاندماج» التي أبدعها الفنان الجزائري المقيم في الإمارات أحمد أمين عيطوش (سنيك هوتيب) في حديقة ند الشبا، من ثلاثة أسطح ونفذها بطريقة احترافية لتبدو قطعة واحدة. وفي الجدارية، يحاول أحمد أمين إبراز كيف نجحت دبي في تجسيد التعايش بين الثقافات، وإحداث التوازن بين التقاليد والحداثة، والحرية والانضباط، وكيف استفادت الإمارة من تنوعها الثقافي لتحقيق التنمية الحضرية والاجتماعية فيها. وتبدو جدارية «مثال» التي نفذها أيضاً (سنيك هوتيب) في حديقة أبو هيل بمثابة خطاب صامت لكل من يحاول أن يكون نسخة أفضل من نفسه كل يوم.
تشكيلة مميزة
خلال مهرجان سكة للفنون والتصميم، المبادرة التي تندرج ضمن استراتيجية جودة الحياة في دبي، تحرص الهيئة سنوياً على تقديم تشكيلة مميزة من الجداريات الملهمة، التي تشكل منصة للفنانين للتعبير عن رؤاهم ووجهات نظرهم المختلفة. وشهدت النسخة الـ 13 من المهرجان، التي عقدت في فبراير/شباط الماضي في حي الشندغة التاريخي، عرض 13 جدارية تميزت بتنوع أساليبها الفنية، وأفكارها المبتكرة، ما جعل منها مساحات إبداعية نابضة بالحياة تعكس هوية دبي الثقافية وتطور الإمارة الاجتماعي والثقافي، كما سلطت الضوء على المرأة الإماراتية التي تمثل روح التراث المحلي.
تواصل إنساني
مع مواصلة «دبي للثقافة» جهودها في تفعيل الفنون في الأماكن العامة، بدعم من المبادرات الحكومية ذات الصلة، تُسهم الأحياء والمناطق الجديدة في الإمارة في توفير مساحات ملهمة تتيح للفنانين استكشاف رؤاهم.
ولا تقتصر أهمية هذه الجداريات على ما تضيفه من ألوان وحيوية للمشهد الحضري، بل تتجاوز ذلك لتصنع لحظات تواصل إنساني تبقى في الذاكرة.