المتاحف تعبر عن تاريخنا | صحيفة الخليج

المتاحف تعبر عن تاريخنا | صحيفة الخليج

تعتبر المتاحف على اختلاف أنواعها مؤسسات تعليمية وتربوية، وذلك للدور الكبير الذي تقوم به في تعزيز العملية التعليمية، عن طريق الخبرات الواقعية والملموسة، التي تهيئها لطلبة العلم في جميع المراحل الدراسية، وتعرف منظمة المتاحف الأمريكية المتحف على أنه مكان لجمع التراث الإنساني والطبيعي، والحفاظ عليه وعرضه بغرض التعليم والثقافة، ولا يتم إدراك ذلك في المتحف ما لم تتوافر فيه الإمكانات الفنية والخبرات المدربة.

أما منظمة المتاحف العالمية فتعرف المتحف على أنه معهد دائم يعمل على جمع وحفظ وعرض التراث الإنساني والطبيعي والعلمي، بغرض الدراسة والتعليم والمتعة، فالمتاحف تعتبر مرآة تعكس حضارة وتاريخ الأمم السابقة أمام الأجيال الحالية، ومن خلال المتاحف تتعرف هذه الأجيال إلى مراحل وفترات من تاريخها، كما أن المتاحف تشكل الذوق لدى الأجيال القادمة، وتعد من أهم وسائل التعرف لدى الدارسين إلى تاريخ أمة من الأمم، وكأنها تتكلم بلسان التاريخ.

*توجه

يشير د. أيمن نبيه سعد الله في كتابه «جماليات عمارة المتاحف المصرية» إلى أنه خلال العقدين الأخيرين المنصرمين من نهاية الألفية الثانية، ومع بداية الألفية الثالثة ظهر توجه نحو الاهتمام بالمتاحف المعاصرة، وأخذت تنتشر نظرية جديدة مفادها أن دور المتاحف بشكل خاص ليس فقط عرض نماذج للزائرين، تشعرهم بجمال الآثار، بل هو أيضاً تعريف وتعليم وتثقيف الزائر بكل مظاهر الحضارة، التي تنتمي إليها تلك الآثار، وأصبحت المعروضات في المتاحف أداة مساعدة للتعريف بالتاريخ أكثر منها أعمالاً فنية جمالية.

يشبّه الكاتب العلاقات المتحفية المختلفة بأضلاع مثلث يؤدي كل منها للآخر، ويتكامل الكل في صنع المتحف، فالضلع الأول يدل على الإنسان سواء كان زائراً أم موظفاً أم حارساً، والضلع الثاني يمثل المعروضات (التحف) بالمتحف والضلع الثالث يمثل مبنى المتحف ذاته ومكوناته، وجميع تلك العلاقات تتجاذب وتتنافر في آن، وتصنع محيطها المثالي، إذا أدى كل ضلع ما عليه من واجبات.

*مؤسسات

لم تعد المتاحف مجرد أماكن لحفظ التراث، بل صارت مؤسسات ثقافية شاملة تضم أنشطة عديدة، تسهم في بناء المستقبل، وكان المصريون القدماء أول من اهتموا بالمتاحف، وفي العصور الوسطى لم يهتم الناس بمخلفات الماضي، بل جعلت أماكن العبادة في تلك العصور نفسها كمتاحف صغيرة متمثلة في الكنائس والأديرة، وذلك في روعة مبانيها وجمال الصور والرسوم.

وعرف المسلمون عادة جمع التحف، منذ أن كونوا الدولة الإسلامية، فاحتوت قصور الأمويين في بادية الشام على كثير من الأشياء الثمينة، صحيح أن العرب لم يعرفوا نظام المتاحف العامة، بل عرفوا المتاحف الخاصة والخزانات العامرة، ولا سيما عند الخلفاء والأمراء والوزراء التي احتوت خزائنهم على كل نفيس وغال ونادر وثمين.

واهتم العباسيون بجمع التحف واقتنائها، يضاف إلى ذلك قصور آل عثمان التي عاش فيها السلاطين والخلفاء وملئت بالآثار والتحف، ونخلص من هذا إلى أن الفكر المتحفي في العالم الإسلامي كان عالياً، وقت أن كان الأوروبيون يعيشون في ظلام دامس، لم ينشأ عندهم هذا الفكر الذي تلقفوه في عصر النهضة بعد ذلك، وتطور تطوراً كبيراً حتى غدا علماً نافعاً، أنشئت من أجله الكليات والمعاهد، التي تدرس فيه هذا العلم، بل توسع مفهومه، ولم يقتصر على الآثار فقط.

وقد تأسست المتاحف نتيجة لعدة عوامل كان لها أكبر الأثر في إنشائها وتطورها وهي: الحنين إلى الماضي، والاختراعات الحديثة وأثرها في تبدل نمط حياة الإنسان ونظرته إلى حياته اليومية، إضافة إلى حرص الإنسان على كل ما يتعلق بالتراث والأشياء الآخذة في الزوال والانقراض، ونتيجة لذلك تأسست المتاحف الوطنية بمفهومها الحديث ملكاً للدولة والشعب.

*نظرة على الماضي

من أقدم المتاحف في العالم في عصر النهضة بالمفهوم الحديث كان متحف «الأشموليان» في جامعة أكسفورد، وهو أول مؤسسة متحفية كبيرة معدة خصيصاً لأغراض العرض ومفتوحة للجمهور، ومنظمة على أساس دراسي، وتم بعد ذلك افتتاح متحف الفاتيكان سنة 1750 إلى أن افتتح متحف اللوفر بباريس سنة 1793 وكان مخصصاً لعرض القطع الفنية، التي استولى عليها نابليون بونابرت خلال حروبه، وقد سمي المتحف باسمه، حتى سقوط الإمبراطورية، ثم عرف باسمه الحالي، وتحول المتحف إلى واحدة من المؤسسات الأساسية في الدول الحديثة، وحقق اللوفر الأحلام المتحفية للتعليم، وبفضل كبار أمنائه من العلماء صارت باريس المركز المتحفي الأول في العالم كله.