سرطان الرئة: انقسام غير مسيطر عليه لخلايا المجاري التنفسية

يشكل سرطان الرئة إحدى المشكلات المرضية الشائعة بين الأشخاص ولا يزال السبب الرئيسي للوفاة بالسرطان حول العالم، بنحو 1,8 مليون حالة وفاة 18% في عام 2023، بحسب التقديرات الصادرة عن الوكالة الدولية لبحوث السرطان، وهو يبدأ في الظهور عندما تنمو خلايا غير طبيعية بطريقة غير منضبطة داخل الرئتين ويتطور في صمت، ويُعد التدخين عاملاً أساسياً للإصابة، ويتسبب في نحو 85% من جميع الحالات، وذلك وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وتشمل الأعراض السعال الذي لا يزول، والألم الصدري وضيق النفس، وفي السطور القادمة يسلّط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.
يقول د. محمد عزام زيادة، استشاري طب الأورام، إن الإصابة بسرطان الرئة تحدث عندما تنمو الخلايا بشكل غير طبيعي وخارج عن السيطرة، وعادة تنجم هذه الحالة بسبب تلف في الحمض النووي، ويعدُّ التدخين أحد الأسباب الرئيسية للمرض، إلا أن التعرض لمواد كيميائية خطرة أخرى قد يلعب دوراً كبيراً أيضاً.
ويتابع: «عندما تتضرر خلايا الشعب الهوائية، تبدأ بالتكاثر بشكل غير منتظم، ما يؤدي إلى تكوّن أورام خبيثة، وفي حال عدم اكتشافها وعلاجها في مراحل مبكرة، فإنها تنتشر داخل الرئة بأكملها، ما يتسبب في ضعف وظيفة الجهاز التنفسي، ومع مرور الوقت، تنتقل أورام الرئة إلى أعضاء أخرى في الجسم (الانتشار السرطاني)، ما يزيد من تعقيد التداوي؛ لذا يُعدُّ الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي السريع أمرين بالغَي الأهمية في السيطرة على تأثير سرطان الرئة لدى المرضى».
يوضح د. عزام أن احتمالية الإصابة بسرطان الرئة تزداد بشكل ملحوظ مع التقدم في العمر، إذ تُظهر الإحصائيات أن أغلبية حالات التشخيص الجديدة تُسجل لأشخاص تجاوزوا سن الستين، ويرتبط ذلك بتراكم عوامل الخطر على مدى السنوات؛ مثل: التدخين لفترات طويلة أو التعرض المستمر للمواد الضارة والملوثات البيئية.
ويضيف: «تشير الدراسات إلى أن الرجال يواجهون خطراً أعلى نسبياً؛ مقارنة بالنساء، ويُعزى ذلك إلى ارتفاع نسب التدخين بين الذكور، إضافة إلى التعرض المهني لمواد كيميائية وصناعية معينة، ومع ذلك، لا يعني أن الفئات الأصغر سناً أو النساء في مأمن كامل، إذ يمكن لعوامل مثل العوامل الوراثية أو التعرض المستمر للتلوث الهوائي أو التدخين السلبي أن تزيد من احتمالية الإصابة في مراحل عمرية أبكر».
ويذكر د. عزام أن أعراض سرطان الرئة تتعدد وتختلف شدتها من شخص لآخر، وعادة ما تكون غير واضحة في المراحل المبكرة للمرض، ما يصعب اكتشافه في وقت مبكر، ومن العلامات الشائعة التي ترافق الإصابة: السعال المزمن أو المصحوب بالدم أو البلغم الدموي، ألم في الصدر يزداد عند التنفس العميق أو السعال، ضيق وصعوبة في التنفس بشكل طبيعي، وفقدان الوزن غير المبرر ونقص الشهية، الإرهاق المستمر والشعور الدائم بالتعب دون سبب واضح.
ويتابع: «يعاني المريض التهابات صدرية متكررة؛ مثل: الالتهاب الرئوي أو التهاب الشعب الهوائية، وبحة أو تغيراً ملحوظاً في الصوت، وتظهر أعراض أخرى مثل تورم الوجه أو الرقبة نتيجة ضغط الورم على الأوعية الدموية الكبرى مع تقدم المرض، أو ألم في العظام في حال انتشار السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم، يُوصى بمراجعة الطبيب فور ظهور أي من هذه العلامات، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للإصابة ككبار السن والمدخنين، كونها تتشابه مع أمراض تنفسية بسيطة مثل نزلات البرد أو التهابات الشعب الهوائية.
أسباب وعوامل
يؤكد د. حسان جعفر، استشاري طب الأورام، أن سرطان الرئة من أكثر أنواع السرطان خطورة وانتشاراً، كونه يتطور في صمت، ولا تظهر أعراضه بوضوح إلا في مراحل متقدمة، ما يؤدي إلى فقدان فرص العلاج الشافي لدى كثير من المرضى، وهنا تكمن أهمية التشخيص المبكر ورفع الوعي العام بالعلامات والعوامل المسببة، ما يتيح التدخل العلاجي الناجح، ويوفر فرصاً أفضل للحياة، ويعتمد ذلك على الفحص السريري، والأشعة المقطعية منخفضة الجرعة، تنظير القصبات، الخزعة، وتحليل البلغم، إلى جانب اختبارات وظائف الرئة.
ويتابع: «يمثل التدخين السبب الرئيسي لنحو 85% من حالات سرطان الرئة، لكنه ليس العامل الوحيد؛ حيث إن التعرض للتدخين السلبي، والملوثات البيئية مثل غاز الرادون والأسبستوس، إضافة إلى العوامل الوراثية وبعض المشكلات الطبية المزمنة، تزيد من خطر الإصابة حتى لدى غير المدخنين».
يوضح د. جعفر أن هناك نوعين رئيسيين من سرطان الرئة: سرطان الرئة ذو الخلايا الصغيرة، ويعتبر الأكثر عدوانية وينمو بسرعة إلا أنه يستجيب عادة للعلاج الكيميائي والإشعاعي، وسرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة، وهو الأكثر شيوعاً، وله عدة أنواع فرعية، وعادة ما يُعالج بالجراحة والعلاج الموجه، وتجدر الإشارة إلى أن الدعم النفسي والاجتماعي خلال رحلة التداوي، يلعب دوراً مهماً في دعم جودة الحياة.
ويشير د. جعفر إلى أن الفحص المبكر أهم خطوة نحو الوقاية، وسلاح في وجه هذا المرض الصامت، كونه يضاعف فرص التعافي والشفاء بنسبة تصل إلى أكثر من 65% في المراحل المبكرة، مقارنة بنسب أقل بكثير في المراحل المتقدمة، ويجب التوعية المجتمعية بأهمية الفحوص الدورية حتى في غياب الأعراض، حيث إن هناك عوامل طبية يمكن أن تزيد من خطر الإصابة؛ مثل: حالات مثل الانسداد الرئوي المزمن، التليف الرئوي، الالتهابات الرئوية المزمنة، ضعف المناعة، والتعرض المهني للغبار والمواد الكيميائية، وضرورة الإقلاع عن التدخين وتجنب التدخين السلبي، وتقليل التعرض للملوثات البيئية والمواد المسرطنة المهنية، وتحسين جودة الهواء الداخلي، والالتزام بنمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة.
مضاعفات وتداوٍ
يذكر د. أفصل محمد، مختص جراحة الأورام، أن سرطان الرئة يتسبب في العديد من المضاعفات، ومن أبرزها: مشاكل في الجهاز التنفسي ضيق في التنفس، وانصباب جنبي (تراكم السوائل حول الرئتين)، وانسداد مجرى الهواء، انتشار إلى الدماغ أو العظام أو الكبد أو الغدد الكظرية، متلازمة الوريد الأجوف العلوي، ما يؤدي إلى ضغط الورم على الوريد الكبير، وبالتالي تورم في الوجه أو الذراعين، متلازمات الأباعد الورمية أو اضطرابات مرتبطة بالهرمونات تسببها الخلايا السرطانية؛ مثل: فرط كالسيوم الدم، والعدوى المتكررة بالالتهاب الرئوي أو التهاب الشعب الهوائية الناتج عن ضعف وظائف الرئة، ألم في الصدر، أو العظام (في حال انتشاره)، أو آلام مرتبطة بالأعصاب في حالات أورام بانكوست.
يوضح د. محمد أن مراحل سرطان الرئة تُصنف بحسب حجم الورم، إصابة العقدة، النقائل، وتنقسم كالآتي:
• المرحلة 0: سرطان موضعي أو خلايا غير طبيعية في البطانة فقط.
• المرحلة الأولى: ورم صغير، دون إصابة العقدة الليمفاوية.
• المرحلة الثانية: يزيد حجم الورم أو ينتشر إلى العقد الليمفاوية القريبة.
• المرحلة الثالثة: انتشار موضعي إلى العقد الليمفاوية في الصدر.
• المرحلة الرابعة: انتشار خبيث إلى أعضاء وأجهزة بعيدة.
يشير د. محمد إلى أن الخيارات العلاجية لعلاج سرطان الرئة تعتمد على نوع ومرحلة المرض؛ وهي تشمل: الجراحة (استئصال الفص، أو استئصال الإسفين) لحالات سرطان الرئة صغير الخلايا في مراحله المبكرة، والعلاج الإشعاعي للأورام الموضعية أو الرعاية التلطيفية، ويستخدم العلاج الكيميائي في حالة سرطان الرئة صغير الخلايا وسرطان الرئة صغير الخلايا المتقدم، أما العلاج الموجه فهو من الطرق الحديثة التي تكافح السرطانات ذات الطفرات المحددة (مستقبل عامل نمو البشرة، والمثبطات)، إضافة إلى العلاج المناعي الذي يستهدف تعزز جهاز المناعة، وتركز الرعاية التلطيفية على تخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة.
ويتابع: تسهم بعض الاستراتيجيات في إدارة سرطان الرئة وإبطاء تفاقم المرض والتحكم في الأعراض، ومن بينها: الإقلاع عن التدخين لمنع المزيد من الضرر، إعادة التأهيل الرئوي الذي يعمل على تحسين التنفس والقدرة على التحمل، الدعم الغذائي الذي يُساعد في الحفاظ على القوة أثناء العلاج، إدارة الألم بالأدوية، أو التخدير العصبي، أو العلاج الإشعاعي، ومراقبة المضاعفات عن طريق إجراء فحوص تصويرية واختبارات مخبرية منتظمة للكشف عن تكرار المرض أو انتشاره.
6 سلوكيات تدعم صحة الجهاز التنفسي
1. يعد الإقلاع عن التدخين (التبغ والسجائر الإلكترونية) من أهم العادات الصحية، التي تفيد في الحد من الإصابة بسرطان الرئة، مع ضرورة الابتعاد عن التعرض للتدخين السلبي.
2. يوصي الأطباء بالحفاظ على تعزيز صحة الرئة، وذلك عن طريق تقوية عضلات الصدر، بالاهتمام بممارسة تمارين القلب والأوعية الدموية بشكل يومي يستغرق من 20 إلى 30 دقيقة.
3. تشير الأبحاث العلمية إلى أهمية المواظبة على التنفس العميق، والتنفس الحجابى الذي يسهم في زيادة سعة الرئة، كما يفيد الشهيق والزفير لعدد أربع مرات، أو التنفس من البطن، في تجديد الشعور بالاسترخاء والهدوء، والتخلص من الإجهاد والتوتر الذي يؤثر سلباً في أجهزة الجسم الحيوية.
4. يحذر خبراء الصحة من الجلوس لوقت طويل في محيط المدافئ ومواقد حرق الأخشاب، أو ممارسة التدريبات الرياضية في الأماكن التي تتسم بالتهوية السيئة، أو المزدحمة ولا يمكن التنفس فيها بشكل سليم.
5. تزداد فرص الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي لدى الأشخاص الذين لا يحصلون على الساعات الكافية من الراحة والنوم، كونها تؤثر سلباً في الجهاز المناعي.
6. يعزز فيتامين (د) صحة الرئتين، وخاصة لدى مرضى الانسداد الرئوي أو الربو، حيث وجدت الدراسات أن نقص هذا الفيتامين يمكن أن يسبب قصوراً في وظائف الرئة، ويمكن الحصول عليه عن طريق التعرض لأشعة الشمس في غير أوقات الذروة، أو الأطعمة، مثل: الأسماك الدهنية أو صفار البيض أو الجبن أو المكملات الغذائية، بشرط أن تكون تحت إشراف الطبيب.