مشاركة العرب في أولمبياد الفيزياء | عبداللطيف الزبيدي

ما المانع من إعادة عقارب الساعة إلى الثامن عشر من يوليو، ولو مرّ عليه أسبوعان؟ ذلك اليوم مرّ كورقة خريف وقعت مترنّحة، ولم يستوقف النفوس الظامئة إلى أوراق التوت التيكتوكيّة. كان ذلك اليوم موعد الدورة الخامسة والخمسين للأولمبياد العالمية للفيزياء، التي يتبارى فيها نوابغ ملكة العلوم، دون سنّ العشرين، من جميع أنحاء الأرض. نُظّمت الدورة الأخيرة في فرنسا، بمشاركة 425 من الطلاب العباقرة في خمسة وثمانين بلداً.
ما الذي يوجب العتاب والملام؟ لو كنّا قبل ثلاثين أو أربعين سنة، لكان عاديّاً ألّا يحظى الحدث بمثقال ذرّة ممّا تُستقبل به عروض الأزياء من الاحتفاء والاحتفال، لكون الحضور العربي في المباريات العالمية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، قبل ثلاثة عقود أو أربعة، كان باهتاً محدوداً للغاية. في السنوات الأخيرة صارت لنوابغ فتيات العرب وفتيانهم، بيارق ورايات، من المشرق والمغرب. بل إن دبي احتضنت مثل هذه المحافل الرائدة، كأولمبياد الكيمياء. لكن، للأسف والأسى في العالم العربي، لا تزال القدم أعلى من الرأس، وما ذاك إلّا لأن الذهن مصاب بالذُّهان، والرأي السديد مصاب بالسُّداد.
معاذ الله أن يكون للقلم غرض لاستفزاز المناهج العربية، فكفى المؤسسات المعنيّة فخراً، أنها منذ أكثر من قرن، تسعى إلى محو الأمّية في أمّة «اقرأ»، بينما الأمّية تُبلي أشدّ البلاء والبلايا، في محو الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء. غير أن الأمّية ليست هيّنة الاستئصال، تخيّل الكوميديا الفاقعة، لو أقامت المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، أولمبياداً للنحو والصرف، سيقول المتّندّرون: هذا «كحامل التمر إلى هجر»، أو كحامل الكمّون إلى كرمان. لكن، في الحقيقة، هل تجرؤ المناهج العربية على إفادتنا بنسبة امتلاك المتخرجين العرب من الجامعات، زمام لغتهم بعد ست عشرة سنة من التعامل بها في مراحل الدراسة؟.
الحضور العربي في أولمبياد الفيزياء، يجب أن يغدو من أولويات الخطط الاستشرافية لمستقبل الدول العربية. أولئك النوابغ البراعم هم مرآة الغد وما بعد الغد وكل غد. إذا كانوا اليوم عشرات، فليكونوا مئات، وليكونوا بالآلاف وعشرات الألوف ومئاتها. المقصود المتألقون المتفوقون. عيب أن يكون الحضور العربي عشرة مشاركين يمثلون أربعمئة مليون. على التعليم أن يتغيّر، أن يغيّر ما بمناهجه من جمود وخمود وهمود.
لزوم ما يلزم: النتيجة التذكيرية: عبقري الرياضيات الفرنسي، سيدريك فيللاني، أوصى بلده بنسف مناهج العلوم لأنها قديمة بالية تجاوزها الزمن. ما رأي المناهج العربية؟.
[email protected]