فرانك ويتل: مبتكر الثورة النفاثة ورسّام ملامح الطيران المعاصر

فرانك ويتل: مبتكر الثورة النفاثة ورسّام ملامح الطيران المعاصر

إعداد: أحمد البشير

السير فرانك ويتل، الذي وُلد عام 1907، وتوفي عام 1996، يُعدّ من أبرز الشخصيات في تاريخ الطيران والهندسة الحديثة، لم يكن مجرد ضابط في سلاح الجو الملكي البريطاني، بل كان مهندساً مبتكراً ومخترعاً لأحدث ثورة في صناعة الطيران بابتكاره للمحرّك النفاث، والذي غيّر وجه النقل الجوي والعسكري إلى الأبد.

نشأ ويتل في أسرة متواضعة في كوفنتري بإنجلترا، وأظهر منذ صغره شغفاً بالطيران والميكانيكا. ساعده عمل والده في ورشة هندسية صغيرة على تطوير مهاراته العملية، كما أنه كان قارئاً نهماً للكتب العلمية في مجالات الفلك والطيران والهندسة. وعلى الرغم من رفضه في البداية للانضمام إلى سلاح الجو الملكي، بسبب بنيته الجسدية الضعيفة، أصر ويتل على تحقيق حلمه، فاجتهد حتى تم قبوله في مدرسة تدريب فني للطيران.

ميلاد علمي

بينما كان لا يزال طالباً في كلية سلاح الجو الملكي في «كرانويل»، كتب ويتل أطروحة حول مستقبل تصميم الطائرات، وطرح فيها أفكاره الثورية، بشأن التحليق بسرعات عالية على ارتفاعات شاهقة. أدرك أن المحركات التقليدية لا تستطيع مواكبة هذه الطموحات، فاقترح بديلاً يعتمد على الدفع النفاث باستخدام ضاغط وتوربين يعملان معاً. حصل على براءة اختراع لفكرته في عام 1930.

تأسيس «باور جيتس»

نظراً لافتقار اختراعه إلى دعم رسمي في البداية، قام ويتل، بمساعدة زميلين سابقين في سلاح الجو، بتأسيس شركة «Power Jets Ltd»، عام 1936. رغم التمويل المحدود والتحديات التقنية، تمكن الفريق من تشغيل أول نموذج تجريبي لمحرك نفاث، عام 1937. وبمرور الوقت، أدركت وزارة الطيران البريطانية أهمية الابتكار، وقدمت الدعم اللازم لتطويره.شهد عام 1941 أول طيران ناجح لطائرة، تعمل بالمحرّك النفاث من تصميم ويتل، متجاوزاً في الأداء الطائرات التقليدية مثل «سوبرمارين سبيتفاير». فتح هذا النجاح الباب أمام دخول المحركات النفاثة بقوة في الاستخدامات العسكرية، ولاحقاً في الطيران المدني.

مساهمات تقنية

لا يقتصر إرث ويتل على اختراعه للمحرّك النفاث فقط، بل إنه ساهم أيضاً في تطوير مفاهيم وتقنيات ما يُعرف اليوم بمحركات «التربوفان»، التي تستخدم في معظم الطائرات التجارية الحديثة. كما عمل لاحقاً في الولايات المتحدة أستاذاً بحثياً لدى البحرية الأمريكية، وساهم في أبحاث متقدمة في الدفع النفاث وتوربينات الحفر المستخدمة في صناعة النفط.

تكريم وتأثير

حصل ويتل على العديد من الأوسمة والجوائز، خلال حياته وبعد وفاته، من بينها وسام الإمبراطورية البريطانية وزمالة الجمعية الملكية البريطانية. كما منح جائزة مالية من الحكومة البريطانية تقديراً لابتكاره. وفي عام 2002، صنفته هيئة الإذاعة البريطانية في المرتبة ال42، ضمن قائمة أعظم مئة شخصية بريطانية في التاريخ.

لقد غيّر ويتل مسار الطيران والعالم بأسره، ليس فقط بابتكاره محركاً جديداً، بل برؤيته العميقة في استشراف المستقبل وتحدي المستحيل، في ظل الإمكانيات المحدودة. لقد شكّل عمله حجر الأساس للتقنيات التي نعتمد عليها اليوم في النقل والسفر والتجارة العالمية، ما يجعله من أعظم رواد الهندسة في القرن العشرين.