شعور ورقة | مريم البلوشي

منذ أيام ونحن نمرّ بموجة حرّ شديدة، لا نتذمّر علناً لكننا نحسّ بها، وبما يعترينا إن مشينا خطوات قليلة في مكان غير مكيف، أو حتى ونحن نترجّل من السيارة لندخل مكاناً في ثوانٍ، نحسّ بكتمة وحرّ شديدين يكادان يفتكان بنا.
أعرف أن الأصل في الأشياء التكيّف، فمتى كانت هناك الحاجة والموقف مسيطرين كان التأقلم والتكيف ضرورة والإنسان جُبل على ذلك، لكن ما لا يمكن أن نطيقه تلك الموجة الخانقة التي تعصف بنا فكيف بمن يعمل ويستمر في عمله لساعات تحت أشعة الشمس التي نهرب منها، ولا ظل وإن وجد فإن الرطوبة تفتك بما تبقى في تلك الروح الصامدة.
كثيرة هي المواقف التي تجعلك تحزن، لربما تتردد كثيراً، فحين أرد محطة الوقود ظهراً، يؤلمني حتى أن أسأل الموظف كيف حالك؟ أو هل الحر شديد هنا؟ اجتمع الحرّ عليه مع حرارة ما تنفثه محركات السيارات فضلاً عن الأدخنة، فصار لزاماً عليّ أن لا أحاول حتى أن أخفّف عنه لربما زدته. وأحياناً يأتيك عامل تنظيف السيارة ويسألك هل تريد تنظيف السيارة وأراه وهو لايكاد يتنفس من شدة الحر، وقد تصبب عرقاً، بل الماء غزير في وجهه فأخبره على مضض حسناً. وأحياناً ترى عامل توصيل الطلبات في أشدّ ساعات الحر، وقد أوصل لك طلبيتك وأنت مرتاح تحت برودة المكيفات، فيخبرك على الطرف الآخر من الهاتف وهو يؤكد وصول طلبيتك «هل من الممكن أن أحصل على ماء بارد»؟
الحمدلله على كل نعمه، وفضله وأن جعلنا في بلد آمن والخير فيه لا يُعدّ، وقد توافرت لنا كل سبل الحياة الكريمة، وكل شيء في متناول اليد، وبسهولة تحصل عليه وفي إمكاناتك، حينها ولو لمرات معدودات ولأقل مرة في الشهر تذكّر هؤلاء ومن مثلهم، أخبر نفسي وأخبرك أن يكون لهم نصيب مما نحن فيه، مما نعيشه، لا تبخل على عامل في عزّ الحرّ بمشروب بارد، لا تبخل على نفسك بالأجر العظيم؛ فكيف أن أجر سُقيا الطيور عظيم، فهل يكون أجر البشر أقل عند ربّ الكون.. اجعل لهم من الفرحة نصيباً.
الماء البارد في الفرجان صدقة يشكر صاحبها عليه، والمعاملة الحسنة لهم وهم يوصلون طلبيتك، أو ينظفون سيارتك أو حتى يسألونك شيئاً قمة في الإنسانية.. هي إحساس ورحمة عظيمان أن تبتسم لهم، أن تهوّن عليهم بلطف وتكون مصدر فرحهم وسعادتهم.
وكن دائماً ممتناً فلا تدري متى تزول النعم.
[email protected]