تنوع ثقافي في مجال الذكاء الاصطناعي

رضا السميحيين

يقف الذكاء الاصطناعي اليوم في قلب مشهد حياتنا اليومية، ويتزايد الاعتماد عليه يوماً بعد يوم في أغلب أعمال حياة البشر على مستوى العالم، في واقع يعيد تشكيل جوهر العلاقة بين الإنسان والآلة بشكل أكثر تعقيداً وترابطاً.
ولكن، ومن أعماق الخوارزميات والمعادلات المعقدة والبيانات الضخمة، تبقى هناك تساؤلات: ما الذي يريده الناس فعلاً من هذه التقنية؟ وكيف تؤثر خلفياتنا الثقافية في تصوراتنا وتوقعاتنا تجاه الذكاء الاصطناعي؟.
في دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة «ستانفورد»، تظهر أهمية النظر إلى الذكاء الاصطناعي كشريك اجتماعي للإنسان، وتوضح أن طريقة تفكيرنا في علاقتنا بهذه التكنولوجيا تختلف بشكل جذري بناء على السياق الثقافي الذي ننتمي إليه.
تشير نتائج الدراسة إلى أن المجتمعات الغربية، وبخاصة الأوروبيون الأمريكيون، تتبنى موقف الفرد المستقل، إذ ينظر إلى الإنسان ككيان منفصل يتحكم في بيئته ويمارس إرادته عليها، لهذا السبب، يميل أفراد هذه الثقافة إلى الرغبة في السيطرة التامة على الذكاء الاصطناعي، مع تقليل استقلاليته وقدرته على التعبير أو التأثير، لذا في نظرهم، يبقى الذكاء الاصطناعي أداة تنفذ الأوامر بدقة دون تدخل شخصي.
على النقيض تقدم الثقافة الصينية رؤية مختلفة جذرياً، فالإنسان هنا يعتبر جزءاً لا يتجزأ من محيطه الاجتماعي والطبيعي، لذلك يتوقع الصينيون من الذكاء الاصطناعي أن يتسم بالقدرة على التواصل والتفاعل، بل وربما يحمل مشاعر أو يظهر قدرة على اتخاذ قرارات مستقلة وعفوية، لذا بالنسبة لهم الذكاء الاصطناعي شريك حيوي يتغلغل في تفاصيل حياتهم الاجتماعية ويشاركهم في صنع القرارات.
وبين هذين النموذجين، يعبر المجتمع الأمريكي من أصول إفريقية عن موقف مركب يجمع بين الرغبة في السيطرة جزئياً على التقنية، والاحتياج المتوازن للتواصل والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، حيث تعكس تجربتهم الحياتية التقاطع بين ثقافتين مختلفتين.
هذه النتائج، المستندة إلى دراسات واستطلاعات شملت عينات من هذه الثقافات المتنوعة، تؤكد ضرورة التخلي عن فكرة «نموذج واحد يناسب الجميع» عند تصميم تقنيات الذكاء الاصطناعي، لأن فهم كيفية تصور التحكم والتفاعل مع الآلة يختلف باختلاف الخلفيات الثقافية العميقة التي تشكل توجهات المجتمعات.
لذا، على مصممي الذكاء الاصطناعي أن يوسعوا آفاقهم، ويأخذوا بعين الاعتبار التنوع الثقافي كعنصر جوهري يتيح للتقنية التفاعل بمرونة واحترام خصوصيات كل مجتمع، والأمر لا يتوقف عند مرحلة التصميم، وإنما يمتد إلى سياسات التبني وتطوير النماذج اللغوية.
ويبقى الذكاء الاصطناعي انعكاساً للهوية البشرية، لذا يجب السعي بجدية لأن يعبر هذا الانعكاس عن ألوان متعددة يبرز معها غنى ثقافاتنا، بدلاً من أن يختزلنا في قالب واحد جامد.

[email protected]