«أبعاد متطورة».. رؤية جديدة للفن البصري

يستحق الفنان الراحل حسن شريف رائد المفاهيمية في الإمارات، أن نعود إلى تجربته الفنية المؤثرة في الساحة المحلية، والتي أسست لفن جديد لم يكن متداولاً على نحو واسع، سواء في الساحة الإماراتية أو الخليجية على حد سواء.
وشريف، سبق أن صرّح في أكثر من لقاء، وهو يصف تجربته الفنية بقوله: «أنا صانع أشياء، وحين أرسمها، أرسم رسومات شبه نظامية، ضمن فهمي للفن المعاصر وتفاعلي معه».
كان مصطلح «شبه نظامي» جديداً في التداول الفني المحلي، وهو يشير إلى مدرسة بديلة للتعليم الفني، كتلك التي تطرح في البيناليات الكبيرة، التي تُعنى بمحو الأمية البصرية، والابتعاد عن منهجيات البحث التقليدية.
وهذا يعني أن حسن شريف كان منخرطا في تحفيز المهارات المتقدمة في مجال الفنون، من خلال التجربة العملية وما تحدثه من تطور تلقائي في مشروع فني مشحون برؤى جديدة.
تخطيطات ورسومات
كان شريف يعنى برسومات وتخطيطات كثيرة ضمن فهمه لفضاء الفن المعاصر، قبلتنفيذه هذه الرسومات والتخطيطات في أعمال تركيبية تتقاطع مع التجارب الفنية العالمية (في ضوء فهمه لمدرسة نيويورك) وتحاول أن تقدم مفهوماً جديداً للفن من وحي البيئة التي يعيشها.
من هنا، يمكن فهم مصدر الدهشة، وربما الغرابة التي فاجأت متعاطي الفن التشكيلي في الساحة المحلية، حين قام شريف منذ أوائل الثمانينات بعرض مشاريعه على الجمهور بوصفه قدّم رؤية فنية غير مألوفة، ولكنها من وجهة نظره: (عبارة عن أطروحة فلسفية وإنسانية) أثارت في حينه الكثير من الجدل والسجال من قبل الفنانين والنقاد، الذين في نهاية المطاف، رأوا في أعماله (واقعية) بعيدة كل البعد عن التوجهات الأيديولوجية والسياسية الصرفة.
أبعاد متغيرة
من بين الأعمال المهمة للراحل حسن شريف تجربة بعنوان «أبعاد متغيرة» 2006، وتتكون من عدة تركيبات أو تجهيزات فنية، حيث تظهر الصورة التي أمامنا (أقماعاً بلاستيكية ورقائق ألمنيوم، وقماشاً) وهي واحدة ضمن مجموعة من التركيبات التي تتألف من مخلفات المواد البلاستيكية والمعدنية المهملة، التي تشكل في مجموعها مواد مستهلكة (فائضة عن الحاجة) كمخلفات المصانع والشركات، وها هو يقوم بإعادة تجميعها في قوالب فنية (تحكي) أو (تقول) وربما تمرر فكرة أو مفهوماً فنياً معروضاً على نحو ساخر في أمكنة وساحات متفرقة.
هنا، يصبح الفن متاحاً لشريحة كبيرة من الجمهور، يصبح الفن بالنسبة لشريف (فناً أدائياً)، حيث يقوم بعرض عمله مباشرة أمام جمهور حي، كان شريف يعلق على ذلك بقوله: كان الموضوع مرتبطاً بوعي الجمهور للفن، في إشارة إلى رفض الجمهور لهذه التجربة الجديدة، لكونه اعتاد زيارة المعارض والتفاعل مع جانب واحد من الفن» وهذه الأشياء المجمعة من جهة أخرى، كما هو في الصورة، توجه نقداً اجتماعياً للآثار السلبية للنزعة الاستهلاكية، هنا، تتجرد هذه المواد من وظيفتها الأصلية، وها هي تُعرض كمفهوم أو فكرة فنية تحاول ترجمة التحول الصناعي في عصر سريع التغير إلى فن يخاطب الذائقة.
قيمة فنية
في هذه التجربة التي شاركت (لاحقاً) في المعرض السنوي لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية في 2007، وفي جناح هيئة أبوظبي للسياحة في 2009، وعرضت في بيناليات عالمية كذلك، يؤكد شريف القيمة الفنية لمثل هذه الأشياء الرخيصة كما هو حال أحد المعارض السابقة على هذه التجربة وعرضت في مطلع ثمانينات القرن الفائت، هي بالنسبة لشريف (تجسيد لفائض الإنتاج الضخم، غير الملحوظ في المجتمع الاستهلاكي المعولم، هي كشكل فني يُحدث تفاعلاً واسعاً مع الجمهور، ويحدث تأثيراً استثنائياً يطور الفكرة إلى عمل إبداعي يتيح للمشاهد فرصة إدراك خطر الإفراط في الانغماس في هذا الشكل من الاستهلاك السلبي.
دهشة
العمل الذي أمامنا هو نظام أو تركيب، بدأه شريف منذ سبعينات القرن الفائت، حين ابتكر أعمالاً فنية تستند إلى المناظر الطبيعية، والمجسمات والموضوعات التي واصل استكشافها في البيئة الإماراتية، وقد انتبه الفنان والناقد التشكيلي علي العبدان إلى هذه التجربة حين أعلن شريف بعد انتهاء دراسته الجامعية مقولته الشهيرة: «أحسست ابتداء من 1982 أن الكثير من اللوحات التشكيلية، سواء الانطباعية أو التجريدية التعبيرية في كل مكان بدأت تفقد أهميتها لديّ، إذ لم أعد أحس بأي متعة بصرية عند مشاهدتها، وشعرت بأن هناك فجوة بين اللوحة والنحت التقليدي، ويجب البحث عن العمل الفني في هذه الفجوة، ومنذ ذلك الحين بدا لي أن العمل الفني، ليس هو اللوحة ولا النحت، بل هو (شيء آخر)، هكذا حاولت ملء هذه الفجوة».
يقدم شريف في هذا العمل، وكما كتب عنه: وعياً فنياً مدهشاً ينتمي إلى بساطة النحت المعاصر، ويضيف إليها مغزى جديداً ووظيفة في سياق فهمه للفن البصري.