«الشاطر».. فيلم يستمتع به المشاهد اليوم لكنه يغيب عن الذاكرة غدًا

مارلين سلوم
تشعر وكأن السينما المصرية تهرب إلى الأفلام الكوميدية والأكشن الكوميدي خوفاً من الأفلام الاجتماعية والرومانسية، صحيح أن الأكشن مرغوب فيه جداً والإقبال الجماهيري على الصالات لمشاهدته عالٍ، لكن ربطه بالكوميديا على حساب القصص الرومانسية والإنسانية هو ما يجعلنا اليوم نفتقد تلك الأفلام التي تلمس المشاعر وتدفعنا إلى التعاطف والتعلق بالأبطال، أفلام كلها «ضرب ضرب» كما يقولون، وكوميديا نتقبل بعضها والبعض الآخر فاشل وضعيف.. «الشاطر» من الأفلام المعروضة في الصالات والتي تلاقي نجاحاً وإقبالاً، أمر متوقع طالما أن بطلها الأول أمير كرارة، ويلتقي معه نجمان محبوبان ومتألقان حالياً، هنا الزاهد ومصطفى غريب، نجاح مستَحَق ولكنه مؤقت والأسباب كثيرة.
كثيرة هي الأفلام التي ينطبق عليها المثل القائل «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة»، بمعنى أن صناعها يبحثون عن النجاح السريع ولو كان مؤقتاً، ولا يشغلون بالهم بتقديم أعمال يُكتب لها العمر الطويل وتستحق أن يشاهدها الجمهور ويشتاق إليها بعد مدة فيبحث عنها ليشاهدها مرات ومرات والأهم أنه في كل مرة يستمتع ويضحك ويتفاعل معها وكأنه يشاهدها لأول مرة، مثل أفلام عادل إمام الكوميدية الاجتماعية المطلوبة دائماً، «عريس من جهة أمنية» و«مرجان أحمد مرجان» وغيرهما.. وهنا نتحدث عن الأفلام الاجتماعية الكوميدية لا السياسية.. أفلام تطفو على الوجه، حتى بتنا نصفق لها ونرضى بها بسبب غياب أو شبه غياب الأفلام الكوميدية المصنوعة بحرفية عالية من كافة جوانبها، والأهم فيها هو الجانب الدرامي والقصة المقنعة والمؤثرة. «الشاطر» فيلم يعجبك اليوم وتنساه غداً، تستمتع بمشاهدته، فمخرجه أحمد الجندي نجح في تقديم الأكشن الذي يحبه الجمهور خصوصاً الشباب، كما نجح في تقديم الروح الكوميدية المحببة، لكنك تخرج من الصالة مفتقداً لشيء ما، وهذا الشيء مرتبط بلا شك بالجانب العاطفي الذي لم يعد كثير من صناع السينما العربية يشغلون بالهم به، رغم أن كل أفلام الأكشن والكوميديا الغربية تستند إلى قصص درامية اجتماعية عاطفية، حتى فيلم «سوبرمان» لعب على عواطفنا وجعل نقطة الضعف الأولى لدى سوبرمان هي غياب والديه وحبه لهما وارتباطه بحبيبته ومشاعره النبيلة تجاه الناس لاسيما الأبرياء والضعفاء والتي تحرضه دائماً على مساعدتهم وإنقاذهم مهما كان الثمن.. أما في الأفلام العربية الحديثة فتوارت المشاعر على حساب الهدف الأهم، التركيز على الحرفية في مشاهد الأكشن من جهة وإضحاك الناس من جهة ثانية.
المخرج أحمد الجندي كتب قصة «لايت»، أدهم الشاطر (أمير كرارة) يعمل دوبلير لمشاهد الأكشن في السينما، بينما شقيقه عصفورة (أحمد عصام السيد) مولع بعالم السوشيال ميديا وكل هدفه أن يصبح من المؤثرين ويجمع أكبر عدد من المتابعين والمعجبين، وصديقهما فتّوح (مصطفى غريب) يعمل في «الجيم» النادي الرياضي الذي يشارك فيه الشاطر، فجأة يكتشف الشاطر ومن خلال فيديو صوره شقيقه أثناء وجوده في تركيا أن عصفورة مخطوف ويطلب المساعدة، فيسرع بالسفر مع فتّوح إلى هناك حيث تبدأ المغامرات ويجد الشاطر وفتوح نفسيهما متورطين مع عصابة كبيرة، أحد أهم رؤوسها عثمان الأناضولي (عادل كرم) الإمبراطور الذي يخاف منه الجميع في تركيا، والذي يحتجز فتاة مصرية اسمها كراميلا (هنا الزاهد) كانت تعمل راقصة، أحبها الأناضولي فسجنها في قصره دون أن يسمح لها بالمغادرة إلا تحت حراسة.
الشاطر يتعرف على كراميلا التي تقوده إلى قصر الأناضولي باعتبار أنه الوحيد الذي يحتجز الناس ولديه مجموعة مساجين، هناك تتم المواجهة الأولى بين رجال الأناضولي والشاطر، مشاهد ضرب وقتل يخرج منها الشاطر وكراميلا وفتّوح سالمين لتبدأ مطاردات الشوارع ومن بعدها تتنوع أشكال الأكشن بين البر والبحر والسيارات واليخوت والانتقال بين تركيا ومصر وإيبيزا وقبرص.. معارك الكل يموت فيها ويصاب ما عدا الأبطال، كعادة كل تلك الأفلام، وبالعودة من تركيا إلى مصر يتبين أن عصفورة ادعى عملية الخطف ليكون ترند، بينما هو موجود في المنزل ولم يمسه أحد، وبالفعل «ركبت الترند 3 أيام ما نزلتش» كما يقول لشقيقه، لكن الشاطر لن يتمكن من التراجع، فيتحرك مع فتوح وعصفورة وكراميلا هرباً من الأناضولي بسبب «فلاشة» سرقتها كراميلا من خزنته، وتحاول مجموعة الشاطر اكتشاف نقاط ضعف العصابة لتهديدهم وكسب 50 مليون دولار، ومن الطبيعي أن يكتشفوا أسماء زعماء العصابة شركاء الأناضولي في عمليات التهريب وغيرها.
كوميديا وأكشن
القصة التي كتبها الجندي وشاركه فيها كريم يوسف تمشي مع موضة أفلام الأكشن والمطاردات والحركة السريعة، ومع الكوميديا خفيفة الظل الخالية من الاستظراف والبذاءة في الكلام، أي ما يسمونها «كوميديا نظيفة»، وقد أجاد المخرج أحمد الجندي اختيار طاقم التمثيل، من «باشا مصر» أمير كرارة والذي أطلق عليه بنكتة عابرة في الفيلم «باشا تركيا»، وهنا الزاهد المحبوبة والنجمة المطلوبة بشدة حالياً وهي أثبتت في أكثر من فيلم ومع نجوم كثر من بينهم هشام ماجد وتامر حسني أنها ممثلة كوميدية مقنعة وقريبة من القلب وغير مصطنعة، بجانب كونها مناسبة جداً لدور البطلة والفتاة الجميلة التي يقع في غرامها البطل، ومصطفى غريب صار الحصان الرابح بعد أن قدمه مسلسل «أشغال شقة» ككوميديان من الطراز الأول، ولكن غريب لا يستطيع إبراز موهبته إذا لم يجد الدور القوي والنص الجيد الذي يساعده على التفاعل معه بشكل بسيط وسلس يبدو فيه وكأنه يطلق النكتة بشكل عفوي وبارتجال لا من نص مكتوب حفظه غيباً، هذه براعة الكاتب وهنا النقطة الأهم التي تفصل بين كوميديا حقيقية، تستند إلى نكتة تنبع من موقف وليست بفعل مجهود يبذله الممثل لإضحاك الجمهور بحركات ساذجة وكلمات مبتذلة.
ضيوف شرف
استعان الجندي بضيوف شرف كثر، أولهم ماجد الكدواني الذي نعرفه من صوته وأدائه المميز، فالكدواني لا يشارك إلا بالصوت ويرافقنا منذ بداية الفيلم في محطات متفرقة يحكي فيها في لمحات تعريفية عن الشخصيات وفي محطات أخرى انتقالية نعود فيه إلى الوراء، علماً أن أحمد الجندي استخدم «البلاي باك» والعودة بالزمن إلى الوراء عدة مرات خصوصاً في نهاية الفيلم، لنرى الأحداث بأكثر من وجه وأكثر من سيناريو قبل أن نكتشف الحقيقة كاملة. أولى الضيوف شيرين رضا التي تظهر بشخصيتها الحقيقية كممثلة ومعها المخرج معتز التوني أيضاً بشخصيته الحقيقية، مشهد افتتاحي نتعرف فيه على الشاطر بطل الظل في أفلام الأكشن، خالد الصاوي هو سمكة، أحد زعماء العصابة الكبرى، ومحمد القس هو ماتيو الذي يعيش على متن يخته منذ خمسة أعوام في البحر قبالة قبرص، ومحمد عبد الرحمن سائق تاكسي في تركيا.
البطولة ثلاثية
من النقاط التي تحسب لأحمد الجندي أنه جعل البطولة ثلاثية، أي أنه منح أمير كرارة مكانته كبطل أول ومنح الفيلم اسم الشخصية «الشاطر»، دون أن يطفئ الأنوار عن البطلة الأنثى، بل منح هنا الزاهد مساحة جيدة تألقت فيها بخفة ظلها و«شطارتها»، كما أضاء على موهبة مصطفى غريب ومنحه مساحة كوميدية جيدة ساعدت على استمرار تألقه من حيث انطلق مع «أشغال شقة»، كذلك يثبت الممثل الشاب أحمد عصام السيد أنه بارع ويستحق فرصاً أكبر وسيكون نجماً يجيد التلون في مختلف الأدوار سواء كانت كوميدية أم درامية.. أما أمير كرارة فهو شاطر في محافظته على مكانته في السينما والدراما على حد سواء، كما يحافظ على لياقته البدنية ورشاقته وبراعته في أفلام الأكشن التي تليق به، ويبدو أنه يحرص على التواجد في السينما «حرب كرموز» 2018، «كازابلانكا» 2019، «البعبع» 2023، وضيف شرف في «المشروع إكس» هذا العام، إنما نتمنى أن يجد النص القوي الذي يقدم من خلاله ما يبقى في الذاكرة مثل «حرب كرموز».