واشنطن أعادت مهاجرين إلى دولهم بعد تهديدهم بالترحيل إلى دولة ثالثة

واشنطن – رويترز
تقول الإدارة الأمريكية، إنه يتعين ترحيل مجرمين خطِرين إلى دول ثالثة، لأن حتى بلدانهم الأصلية لا تقبلهم، لكن مراجعة لقضايا حديثة أظهرت أن خمسة رجال على الأقل ممن كانوا مهددين بهذا المصير أُعيدوا إلى بلدانهم الأصلية في غضون أسابيع.
ويريد الرئيس دونالد ترامب ترحيل ملايين المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، وتسعى إدارته إلى تكثيف عمليات الترحيل إلى دول ثالثة، بما في ذلك إرسال المجرمين المدانين إلى جنوب السودان وإسواتيني ( سوازيلاند سابقاً)، وهما بلدان في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويقضي المهاجرون المدانون عادة عقوباتهم في الولايات المتحدة أولاً قبل ترحيلهم. ويبدو أن هذا هو الذي حدث مع الرجال الثمانية الذين رُحِّلوا إلى جنوب السودان، وخمسة آخرين إلى إسواتيني، مع أن بعضهم أُطلق سراحهم قبل سنوات.
وقالت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في يونيو/حزيران الماضي، إن عمليات الترحيل إلى دول ثالثة تسمح بترحيل الأشخاص «الهمجيين للغاية لدرجة أن بلدانهم الأصلية لن تقبلهم».
وردّ منتقدون بأنه ليس من الواضح، أن الولايات المتحدة حاولت أولاً، إعادة الرجال إلى بلدانهم الأصلية، قبل ترحيلهم إلى جنوب السودان وإسواتيني، وأن عمليات الترحيل كانت قاسية بلا داعٍ.
ووجدت رويترز أن خمسة رجال على الأقل هددوا بالترحيل إلى ليبيا في مايو/ أيار الماضي، تمت إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية بعد أسابيع، وذلك وفقاً لمقابلات مع اثنين منهم وأحد أفراد عائلاتهم ومحامين.
وبعد أن منع قاضٍ أمريكي إدارة ترامب من إرسالهم إلى ليبيا، تمت إعادة رجلين من فيتنام، واثنين من لاوس وخامس من المكسيك إلى بلدانهم. ولم ترد تقارير عن عمليات الترحيل هذه سابقاً.
ونفت تريشيا ماكلوفلين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، أن تكون البلدان الأصلية للمجرمين المرحلين إلى دول ثالثة مستعدة لاستعادتهم، لكنها لم تقدم تفاصيل عن محاولات لإعادة الرجال الخمسة إلى بلدانهم قبل تهديدهم بالترحيل إلى ليبيا.
وقالت ماكلوفلين في بيان: «إذا أتى أحد إلى بلادنا بشكل غير قانوني، وخالف قوانيننا، فقد ينتهي به الأمر في سجن سيكوت، أو أليجاتور ألكتراز، أو خليج غوانتانامو، أو جنوب السودان أو دولة ثالثة أخرى»، في إشارة إلى سجن شديد الحراسة بالسلفادور ومركز احتجاز في إيفرجليدز في فلوريدا.
* بعيداً عن الوطن
ووفقاً لوزارة الأمن الداخلي الأمريكي، فإن الرجال الثمانية الذين أُرسلوا إلى جنوب السودان جاؤوا من كوبا ولاوس والمكسيك وميانمار وجنوب السودان وفيتنام، والرجال الخمسة الذين أُرسلوا إلى إسواتيني من مواطني كوبا وجامايكا ولاوس وفيتنام واليمن.
وقالت أبيجيل جاكسون المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن الرجال الذين رُحِّلوا إلى جنوب السودان وإسواتيني كانوا «الأسوأ على الإطلاق»، ومن بينهم أشخاص أدينوا في الولايات المتحدة بارتكاب جرائم اعتداء على أطفال وقتل. وأضافت في بيان: «المجتمع الأمريكي أكثر أماناً برحيل هؤلاء المجرمين غير الشرعيين».
وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الفيتنامية في 17 يوليو/تموز الماضي أن الحكومة تتحقق من المعلومات المتعلقة بترحيل أشخاص إلى جنوب السودان، لكنه لم يُدل بمزيد من التعليقات لرويترز. ولم تعلق الحكومة المكسيكية على الأمر.
وقالت حكومة إسواتيني، الثلاثاء الماضي إنها لا تزال تحتجز المهاجرين الخمسة الذين استقبلتهم ويقبعون في زنازين انفرادية بموجب الاتفاق مع إدارة ترامب.
* «نتيجة عشوائية للغاية»
وسمحت المحكمة العليا في يونيو/ حزيران الماضي، لإدارة ترامب بترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة من دون منحهم فرصة لإثبات احتمالية تعرضهم للأذى. لكن مدى قانونية عمليات الترحيل لا تزال محل نزاع في دعوى قضائية اتحادية في بوسطن، وهي قضية قد تعاد إلى المحكمة العليا.
ويقول معارضون، إن عمليات الترحيل تهدف إلى إثارة الخوف بين المهاجرين، ودفعهم إلى «الترحيل الذاتي» إلى بلدانهم الأصلية، بدلاً من إرسالهم إلى دول بعيدة لا تربطهم بها أي صلة.
وقالت ميشيل ميتلشتات مديرة الاتصالات في معهد سياسة الهجرة غير الحزبي: «هذه رسالة مفادها، بأنكم قد تواجهون نتيجة عشوائية للغاية، إذا لم تختاروا المغادرة بمحض إرادتكم».
ونصت إرشادات إنفاذ قوانين الهجرة الداخلية الأمريكية الصادرة في يوليو/ تموز على إمكانية ترحيل المهاجرين إلى دول لم تقدم ضمانات دبلوماسية، لسلامتهم في غضون ست ساعات فقط من إخطارهم.
وفي حين ركزت الإدارة على ترحيل المجرمين المدانين إلى دول إفريقية، أرسلت أيضاً أفغاناً وروساً، وغيرهم من طالبي اللجوء إلى بنما وكوستاريكا.
وفي مارس/آذار الماضي، رحلت إدارة ترامب أكثر من 200 فنزويلي متهمين بالانتماء إلى عصابات إلى السلفادور، حيث احتجزوا في سجن سيكوت دون إمكانية التحدث إلى محامين، حتى أطلق سراحهم في عملية تبادل سجناء الشهر الماضي.
وتظهر بيانات الحكومة المكسيكية، أنه جرى ترحيل أكثر من 5700 مهاجر غير مكسيكي إلى المكسيك، منذ تولي ترامب منصبه، في استمرار لسياسة بدأت في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
وتقول ترينا ريلموتو المديرة التنفيذية للتحالف الوطني للتقاضي بشأن الهجرة المؤيد للمهاجرين إن حقيقة ترحيل رجل مكسيكي إلى جنوب السودان، وتهديد آخر بالترحيل إلى ليبيا تشير إلى أن إدارة ترامب لم تحاول إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية.
* «استخدامنا كبيادق»
يرى المناهضون بشدة للهجرة أن عمليات الترحيل لدول ثالثة وسيلة للتعامل مع مخالفي قوانين الهجرة الذين يصعب ترحيلهم ويشكلون تهديداً للشعب الأمريكي.
وقالت جيسيكا فوون مديرة السياسات في مركز دراسات الهجرة الذي يدعم خفض مستويات الهجرة: «إدارة ترامب تعطي الأولوية لسلامة المجتمع الأمريكي على راحة هؤلاء المرحلين».
وفي يوليو/تموز الماضي، ضغطت إدارة ترامب على دول إفريقية أخرى لاستقبال المهاجرين، وطلبت ذلك من دولة بالاو، إحدى جزر المحيط الهادي، إضافة إلى دول أخرى.
وبموجب القانون الأمريكي، يمكن لمسؤولي الهجرة الاتحاديين ترحيل أي شخص إلى بلد غير الدولة التي يحمل جنسيتها عندما تكون جميع الجهود الأخرى «غير عملية أو غير مناسبة أو مستحيلة». ويجب على مسؤولي الهجرة أولاً محاولة إعادة المهاجر إلى بلده الأصلي، وإذا لم يستطيعوا فإلى بلد تربطه به صلة، مثل المكان الذي عاش فيه أو ولد فيه.
وبالنسبة للرجل من لاوس الذي كاد يرحّل إلى ليبيا في أوائل مايو/أيار، فإن سماعه عن استئناف عمليات الترحيل إلى دول ثالثة جعله يتذكر المخاوف التي شعر بها.
وفي مقابلة من لاوس، طلب فيها عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته، سأل عن سبب «استخدام الولايات المتحدة لنا كبيادق؟».
وقال محاميه، إن الرجل قضى عقوبة بالسجن لارتكابه جناية.
وتذكر كيف طلب منه مسؤولون الإمضاء على قرار ترحيله إلى ليبيا، والذي رفضه، وأبلغهم برغبته في إرساله إلى لاوس.
وأضاف الرجل، الذي جاء إلى الولايات المتحدة في أوائل الثمانينات بصفته لاجئاً عندما كان في الرابعة من عمره، إنه يحاول الآن تعلم اللغة المحلية والتكيف مع حياته الجديدة.