تطوير اقتصادات قوية | لويس حبيقة

د. لويس حبيقة *
نشر الفيلسوف الفرنسي «جان جاك روسو» كتابه الشهير «العقد الاجتماعي»، عام 1762، حيث قال فيه: إن العقد الاجتماعي يجب أن يرتكز على الإرادة العامة للشعب، بحيث يتنازل الأفراد عن مصلحتهم الذاتية، من أجل الصالح العام، فالحواجز أمام بناء مرونة الاقتصاد، هي عموماً داخلية قبل أن تكون خارجية، وهي أهم من الصمود، إذ إن هناك اقتصادات تصمد وتواجه، لكنها لا تستطيع النهوض، فتبقى تعيش مع أزمات متتالية ومستويات معيشية غير مرضية.
من الخطأ تطوير المجتمعات فقط عبر حمايتها من المخاطر، إذ لا يمكن حصر كل التحديات المحتملة مهما اجتهدنا، لأن المفاجآت دائماً موجودة. يكمن الحل في تقوية مرونة الاقتصاد، كي يواجه الأزمات بأقل تكلفة بشرية ومادية ممكنة ليقوم من جديد. أعطتنا جائحة كورونا دروساً قيمة، حول كيفية التحضير لأزمات مماثلة وطنية أو دولية في المستقبل، حتى تكون التكلفة أقل. شعرنا جميعاً، وفي كل المجتمعات، أننا لم نكن جاهزين لمواجهة الجائحة، وبالتالي حصلت خسائر كبرى في البشر والحجر، لم يكن ضرورياً أن تحصل. تعافينا من كورونا، لكن مدة التعافي كلفتنا الكثير، وفرضت علينا كمجتمعات تغييرات كبيرة في طرق العمل وطريقة العيش، لا نعرف في ما إذا ستكون دائمة وصالحة لمواجهة أزمات مماثلة، لذا المطلوب تحضير المجتمعات لأزمات كبيرة، يمكن أن تحصل حتى تكون الخسائر أدنى والأوجاع أقل.
كي يتعافى اقتصاد دولة بعد حرب أو حروب أو أزمات، ويبقى كذلك لفترة طويلة، يجب على الحكومات وضع عقد اجتماعي واضح ومقنع يقبل به الجميع، إذ لا يمكن ترك المجتمع في وضع فوضى وضياع. هدف «العقد الاجتماعي»، كما وصفه روسو تقوية العلاقات بين أقسام المجتمع، عبر آليات تنظم العلاقات، وتحل الخلافات دون إحداث تفسخ كبير داخل المجتمع، لأن من المستحيل عدم حصول خضات اجتماعية كبيرة، تأتي من الداخل والخارج، على أي مجتمع بناء اقتصاد مرن يحمينا من المخاطر الإلكترونية، بالإضافة إلى المساوئ، التي تأتي من سوء استعمال الذكاء الاصطناعي. يتطلب الاقتصاد المرن أجوبة واضحة لكل الأسئلة، وعقولاً منفتحة على جميع الأفكار، بالإضافة إلى بناء احتياطي نقدي واقتصادي، يكفي للنهوض بسرعة بعد انتهاء الحروب والأزمات.
فالاقتصاد المرن يتطلب تعاون المواطنين والمؤسسات، لخلق ديناميكية تحمي التجدد داخل القطاعين العام والخاص، وتبني دائماً للمستقبل خاصة بعد أزمات موجعة. من دون هذه المرونة لا يمكن النهوض بعد الأزمات مع كل النوايا الحسنة، التي يمكن أن تتوافر في الداخل والخارج، وبناء العقد الاجتماعي يجمع الجهود ويوحدها لهدف واحد هو المصلحة العامة. من الأمثلة الحديثة مجدداً دراسة ما الذي أهمل قبل كورونا، حتى أصيب المجتمع المحلي والدولي بالكوارث. كيف يمكن تجهيز المجتمعات، قبل وخلال أزمة كورونا حتى تكون وطأتها أقل وجعاً إذا ما تكررت. هدف بناء الاقتصاد المرن، النجاح في مواجهة الأزمات المستقبلية بأقل تكلفة وأسرع وقت. المهم الاقتناع بالفكرة، بحيث تكون مسيرة البناء سهلة وسريعة.
* كاتب لبناني