نظرية النمو في الاستثمار | عبد العظيم محمود حنفي

د. عبدالعظيم حنفي *
تطرح عديد الدراسات سؤالاً: هل الاستثمار العام في البنية التحتية يمثل نشاطاً منتجاً؟
غالباً ما يشير صنّاع السياسات في البلدان النامية إلى عدم كفاية البنية التحتية – أي عدم ملاءمة الطرق السريعة والمطارات والمنشآت البحرية وما شاكلها – كقيد على آفاق النمو في بلدانهم. لذلك ليس من المستغرب أن يبحث صنّاع السياسات عن وسائل لإيجاد متسع في موازناتهم، لقدر أكبر من الاستثمار العام في البنية التحتية، دون إثقال كاهل بلدانهم بديون لا يمكن الاستمرار في تحملها.
لكنهم قد يجدون ذلك صعب التحقيق، وغالباً ما تعجز هذه البلدان، لأسباب سياسية مختلفة، عن تخفيض الإنفاق الجاري الأقل إنتاجية – مثلاً على عمليات الدعم العام لأسعار الوقود- لزيادة الاستثمار العام. ويمكنهم السعي للحصول على الموارد المالية من مصادر خارجية، ولكنهم قد يواجهون قيوداً على مقدار ما يمكن لبلدانهم اقتراضه، خاصة إذا كان البلد المعني، أفاد من مساعدات تخفيف أعباء الديون، خلال السنوات الأخيرة، إذا لم يكن هناك اقتراض إضافي متاحاً إلا بشروط غير ميسرة. وعلاوة على ذلك، فوجود تركة كبيرة من المشروعات العامة الفاشلة في عدد من البلدان، يزيد من تعقيدات اتخاذ القرارات بشأن الاقتراض الخارجي.
لكن الأهم من التساؤل عمّا إذا كان ينبغي عليه أن يفعل ذلك. وتكمن وراء الجدل حول زيادة رأس المال العام، قضية مدى إنتاجية الاستثمار العام، أي ما إذا كانت تساعد النمو الاقتصادي. فإذا كان الاستثمار العام منتجاً، صار من السهل تبرير الاقتراض الخارجي لدعمه. ومما يؤسف له أن نتائج الدراسات عن تأثير الاستثمار العام على النمو غير واضحة، ما يدفع الكثيرين إلى أن يخلصوا إلى أنه غير منتج، إلا أن بعض الدراسات الحديثة، تخلص إلى أن الإنفاق العام على البنية التحتية والتعليم والصحة، يسفر عن آثار إيجابية على النمو. وإلى أن الاستثمار العام عموماً له تأثير إيجابي في هذا النمو.
يتعلق جانب من الاختلاف في نتائج العديد من الدراسات، أن كثيراً منها يبحث في معدل الاستثمار، أي النسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي المحددة لزيادة رصيد رأس المال، ولكن عدداً من الآراء يرى أن محور التركيز الأهم هو معدل نمو رصيد رأس المال في حد ذاته، والاختلاف بين الأمرين يشير إلى وجود ثلاثة أسباب على الأقل، لتباين الأدلة، بشأن العلاقة بين الاستثمار العام والنمو الاقتصادي الكلي، وهي:
* إن معدلات نمو الاستثمار العام ورأس المال العام، ربما تكون مختلفة، حسب المستوى المبدئي لرصيد رأس المال.
* إن هناك علاقة تسير في اتجاهين بين الاستثمار العام والنمو، تجعل من الصعب عزل تأثير أحدهما في الآخر، فالاستثمار العام يؤثر في النمو، ولكنه يتأثر أيضاً بالنمو.
* دراسات عديدة لا تأخذ في حسبانها ما تواجهه الحكومات من قيود على الموازنة، أي أن عليها تمويل زيادة الإنفاق والاستثمار، إما بزيادة الضرائب، وإما الاقتراض، أو بتخفيض أوجه الإنفاق الأخرى.
وتشير النظرية الاقتصادية إلى أن مستوى الناتج يحدده رصيد رأس المال المستخدم في الإنتاج، وليس تدفق الاستثمار السنوي، ورغم أن المتغيرين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، فإن رصيد رأس المال يحدد – إضافة إلى عوامل الإنتاج الأخرى، كالعمالة والتكنولوجيا – الإمكانات الإنتاجية في الاقتصاد المعني، وعلى العكس من ذلك فإن تدفق الاستثمار، في أي فترة معينة، هو الذي يحدد مقدار رأس المال المتراكم، وبالتالي المتاح منه للإنتاج في الفترة اللاحقة.
بناء على ما سبق، هناك من يركز على تأثير رأس المال العام – أي متغير الرصيد المقابل للاستثمار العام – في نمو الاقتصاد. وفقاً للنموذج المعياري، يتوقف مستوى المخرجات على اثنين من المدخلات، العمالة ورأس المال، والتكنولوجيا المتاحة. وتحدد هذه العلاقة بشكل عام في دالة كوب – دوغلاس، وقد سميت بذلك نسبة لعالم الرياضيات تشالز كوب والاقتصادي بول دوغلاس. وعند اختيار دالة كوب – دوغلاس تجريبياً، تنتج عنها تقديرات لمدى استجابة المخرجات للتباين في المدخلات.
وفى الخطوة الأولى، تم توسيع نطاق هذه المواصفة الأساسية بتقسيم رأس المال إلى رأس مال خاص (توفره الشركات)، ورأس المال العام (مثل البنية التحتية التي توفرها الحكومة)، وتم وضع تقديرات لأهمية الأخير بالنسبة للمخرجات. وفي الخطوة الثانية، تم السماح بتباين استجابة المخرجات لرأس المال العام مع مستوى رأس المال العام ذاته.
ونستخلص من ذلك: انعكاسين كبيرين على مستوى السياسات، أولاً أن الجدل بشأن مقدار ما يمكن لبلد ما تحمله من ديون إضافية، قد تركز على إيجاد حيز في الموازنة لزيادة الاستثمار العام، وإن كانت نتائج دراسات، تبين أن هناك أنواعاً معينة من القيود – كالتمويل مثلاً- ربما تحد من مزايا ارتفاع رصيد رأس المال على النمو، ثانياً البلدان النامية يمكنها أن تستفيد من القروض الأجنبية بشروط غير ميسرة لتمويل استثمارات جديدة، غير أن المنافع في مثل هذه الاستثمارات ربما لا تتحقق إلا بمرور الوقت.
* كاتب مصري وأستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية
[email protected]