إستكشاف إسطنبول: صراع أوكرانيا | صلاح الغول

إستكشاف إسطنبول: صراع أوكرانيا | صلاح الغول

صلاح الغول

التأمت الجولة الثالثة من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، في 23 يوليو/تموز الجاري، واختتمت بعدّ ساعة واحدة فقط، ما عد مؤشراً قوياً على نتائجها واحتمالات تحقيق اختراق في الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة.
ترأس الوفد الروسي في إسطنبول، فلاديمير ميدينسكي، مساعد الرئيس الروسي، فيما ترأس الوفد الأوكراني رستم عمروف، كبير المفاوضين الأوكرانيين.
أولى دلالات استئناف التفاوض بين روسيا وأوكرانيا، هي تصاعد الضغوط الدولية والجهود الرامية إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وخاصةً من جانب الرئيس الأمريكي الذي أمهل روسيا 50 يوماً للتوصل إلى اتفاق مع كييف، وإلا فستواجه عقوبات صارمة.
وثانية هذه الدلالات هي عودة تركيا إلى لعب دور الوسيط، أو القائم بالمساعي الحميدة بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن ظن المراقبون أن السعودية سوف تتولى القيام بهذا الدور.
كما أن استئناف المفاوضات، يدل من ناحية على رغبة روسيا في شراء الوقت، ريثما تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية في ضوء تقدمها على كافة جبهات القتال، بل وتوغلها في أقاليم أوكرانية جديدة (مقاطعة سومي). ويدل من ناحية أخرى على مدى الإنهاك الذي تعانيه القوات الأوكرانية التي تسعى قيادتها السياسية إلى التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وقد قدّمت روسيا قائمة مطالب تشمل انسحاب القوات الأوكرانية من أربع مقاطعات أعلنت موسكو ضمها في سبتمبر/أيلول 2022، لكنها لا تسيطر عليها بالكامل، وهي دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوروجيا. كما طلبت من كييف رفض كل أشكال الدعم العسكري الغربي، وعدم الانضمام إلى حلف الناتو.
ومن ناحية أخرى، طرح الوفد الأوكراني ثلاث أولويات رئيسية، وهي: وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط، يشمل وقف جميع الهجمات على البنية التحتية المدنية والحيوية، وتنظيم قمة تجمع بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أن تُعقد القمة قبل نهاية أغسطس/آب 2025، وعودة جميع أسرى الحرب الأوكرانيين، والمدنيين، والأطفال الذين تم ترحيلهم بشكل غير قانوني.
ولم تحقق جولة إسطنبول أي تقدم جوهري نحو إنهاء الحرب، أو تسوية الصراع الروسي- الأوكراني. فقد اتضح، أثناء المحادثات التي لم تستغرق سوى ساعة واحدة، مدى تباعد المواقف بين الطرفين، بسبب أن مطالبهما متعارضة بصفة أساسية.
فمن ناحية، ترفض أوكرانيا المطالب الروسية، وتطالب بانسحاب كامل للقوات الروسية من أراضيها، وضمانات أمنية من الغرب، تشمل استمرار تسليم الأسلحة، ونشر قوات أوروبية، وهو ما تعارضه موسكو. وتصّر كييف على ضرورة وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، وهو ما ترفضه موسكو التي عرضت هدنات تتراوح بين «24 و48 ساعة» عند خطوط الجبهة، لتمكين جيشي البلدين من إجلاء القتلى والجرحى.
ومن ناحية أخرى، وبشأن الدعوة الأوكرانية لعقد قمة رئاسية، شدد رئيس الوفد الروسي على أن أي لقاء بين بوتين وزيلينسكي يجب أن يكون مخصصاً لتوقيع اتفاق نهائي فقط، لا لمناقشة بنود الخلاف. ويُعد رفض روسيا لعقد قمة رئاسية قبل التوصل إلى تسوية سلام دائمة، استمراراً لمحاولات الكرملين فرض شروط وتوقيتات المفاوضات، كما فعل في أوائل عام 2025 عندما رفض دعوات أوكرانيا والولايات المتحدة، لوقف إطلاق نار طويل الأمد يسبق مفاوضات السلام.
واقترح الوفد الروسي، بدلاً من عقد قمة رئاسية، مواصلة المفاوضات على مستوى مجموعات العمل. وادعى رئيس الوفد الروسي ميدينسكي أن روسيا اقترحت إنشاء مجموعات عمل افتراضية لمعالجة القضايا السياسية والإنسانية والعسكرية.
ويُحتمل أن يكون اقتراح روسيا بإنشاء مجموعات عمل افتراضية، جزءاً من محاولاتها لتقديم نفسها كطرف نشط ومنخرط في التفاوض، من دون الالتزام بأي خطوات جوهرية، تُحرّك عملية السلام بشكل فعّال.
وعلى الرغم من استمرار تباعد المواقف بين الجانبين بشأن شروط وقف الحرب، تم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن تبادل الأسرى، ما اعتُبر خطوة إنسانية إيجابية في محادثات يطغى عليها الجمود السياسي والتوتر الميداني.
بعبارة أخرى، فإن التقدّم الوحيد الملموس في جولة إسطنبول الثالثة جاء على مستوى تبادل الأسرى، حيث تم الاتفاق على تبادل ما لا يقل عن 1200 أسير حرب إضافي من كل طرف في المستقبل القريب.
وذكر رئيس الوفد الأوكراني، عميروف، أن الوفد الروسي وافق على إعادة أسرى الحرب الذين أمضوا أكثر من ثلاث سنوات في الأسر الروسي، والمصابين بجروح خطيرة، والشباب. كما عرضت موسكو أيضاً تسليم رفات ثلاثة آلاف جندي أوكراني.
وبالنسبة للسيناريوهات المحتملة، فإن السيناريو المرجح، يتمثل بإطالة عملية التفاوض، لأن روسيا تهدف إلى مواصلة تحقيق مكاسب ميدانية وانتزاع تنازلات من أوكرانيا والغرب. ومن ثم، ليس من المتصور أن تسفر المفاوضات عن تحقيق أي اختراق بشأن إنهاء الحرب أو تسوية الصراع الروسي-الأوكراني، الذي لن يلبث أن يتحول إلى صراع منخفض المستوى بعد أن تحقق روسيا أهدافها من الحرب.
أما السيناريو البديل، فيتمثل بأن تلتئم المفاوضات في جولة رابعة بفعل الضغوط الدولية، والأمريكية بخاصة، لإنهاء الحرب. وقد تسفر الجولة الرابعة عن وقف إطلاق نار لمدة شهر أو أكثر، وعقد محادثات روسية-أمريكية لتسهيل الاتفاق.
[email protected]