مفاوضات في مأزق | افتتاحية الخليج

ما كادت الجولة الثالثة من المفاوضات الروسية – الأوكرانية التي عقدت في إسطنبول يوم الأربعاء الماضي تضع أوزارها من دون تحقيق أي تقدم جوهري نحو تسوية سلمية للحرب بينهما، حتى تبادلت موسكو وكييف هجمات واسعة بالصواريخ والطائرات المسيرة ما أسفر عن وقوع خسائر بشرية بين الجانبين، إضافة إلى تضرر بنى تحتية واشتعال حرائق.
كما كان متوقعاً، لم تؤد هذه المفاوضات التي استمرت نحو ساعة إلى أي اختراق ميداني أو سياسي نتيجة المواقف المتباعدة بين الجانبين إزاء شروط التوصل إلى أي هدنة بينهما، أو تحقيق تقدم يفضي إلى حل سياسي، باستثناء التوصل إلى اتفاق إنساني جديد لتبادل ما لا يقل عن 1200 أسير إضافي من كل طرف في المستقبل القريب.
لم تسفر المفاوضات عن اتفاق على هدنة لمدة 50 يوماً، كما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتم خلالها محادثات سياسية تؤدي في نهايتها إلى اتفاق ينهي الحرب، كما فشل المتفاوضون في الاتفاق بشأن مقترح للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في عقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية الشهر الحالي، في حين عرضت موسكو هدناً قصيرة بين 24 و48 ساعة لتنظيم تسليم الأسرى وجثث الجنود عند خطوط الجبهة. كما أبدت استعدادها لتسليم أوكرانيا جثث 3 آلاف جندي، أما بالنسبة لاقتراح القمة بين بوتين وزيلينسكي فإن رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي أشار إلى أن لقاء على مستوى القمة «يجب أن يكون مخصصاً لتوقيع اتفاق نهائي فقط، لا مناقشة بنود الخلاف»، في حين قال رئيس الوفد الأوكراني رستم عميروف «إن الهدن القصيرة لا ترقى إلى مستوى وقف حقيقي لإطلاق النار».
«لا أحد يتوقع مساراً سهلاً، سيكون صعباً جداً»، هذا كان ملخص نتائج المفاوضات، كما أوضحه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بسبب تعارض المواقف الأوكرانية – الروسية إزاء شروط وقف الحرب، كما ورد في صياغة المذكرات التي تم تبادلها بين الجانبين. إذ تطالب موسكو بانسحاب القوات الأوكرانية من أربع مناطق أعلنت روسيا ضمها في سبتمبر (أيلول) 2022، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، كما طالبت بوقف كل أشكال الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وعدم الانضمام إلى حلف الأطلسي، وهي شروط ترفضها كييف، وتطالب بانسحاب القوات الروسية من كامل أراضيها، والحصول على ضمانات أمنية من الدول الغربية تشمل استمرار إمدادات الأسلحة ونشر قوات أوروبية في أراضيها، وهو ما ترفضه موسكو.
إذاً، نحن أمام حائط مسدود، لا مجال لاختراقه، طالما أن الطرفين لا يرغبان في تقديم أي تنازل، وطالما أن موسكو تحقق إنجازات ميدانية على الأرض ولو بطيئة، وهي تخوض حرباً بنفس طويل ومقتنعة بأنها لن تهزم، في حين أن أوكرانيا لا تزال تراهن على دعم غربي متواصل، يمكّنها من الصمود، خصوصاً بعدما شعرت بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ يميل إلى اتخاذ مواقف سلبية تجاه روسيا لأن جهوده للتوصل إلى حل دبلوماسي لم تحقق أهدافها، وقرر بالتالي الموافقة على تزويد كييف بصواريخ باتريوت، وبيعها أسلحة بقيمة 322 مليون دولار لتعزيز دفاعاتها الجوية وأسطولها من مركبات برادلي المدرعة.
لم تتوقف الحرب خلال 24 ساعة كما كان يردد ترامب خلال حملته الإنتخابية، ولا يبدو أنها ستتوقف في المدى المنظور، وليس هناك أي احتمال يذكر بأن تؤثر جولة أخرى من العقوبات الأمريكية التي يهدد بها الرئيس الأمريكي على الرئيس بوتين من دون إحراز تقدم ملموس نحو السلام.