محمد عبيد الله: الكتابة نحو الأفق | تركي السهلي

محمد عبيد الله: الكتابة نحو الأفق | تركي السهلي

تماماً، كرأسِ الخيمة في التاريخ العريق، ومثل تنوّعها الكبير، بين نشوء الجبال الشاهقة، والسهول الخصبة، والبحيرات، والمساحات الصحراوية، كان محمد إبراهيم عبيد الله. وُلِد الرجل الإماراتي الخيّر في عام 1935، وأمضى جُلّ عُمره في البحث عن «المتعفّفين»، والوصول إليهم. كانت الرحلة التي يقطعها من أجل «محتاج» شبيهة بالماء، لا يكون إلّا صافياً وهو في المجرى الصحيح. حين ترعرع في دبي، لم يكن البحر إلّا نقطة التقاء لمسيرة عمل لا تعرف إلّا البذل.
لم يكن محمد إبراهيم عبيد الله، مدفوعاً إلّا بخدمة ورعاية كبار السن. وقفت قِصّة «خالته» لِتُحيل نظرته للحياة نحو جعل الرجال والنساء المُتقدّمين في العُمر دُنياً جديدة بالمشاركة وتوفير العلاج.. ثُم الوضع الكامل من مأكلٍ ومشربٍ ومسكنٍ في «مستشفى عبيد الله». كانت صورة الأُم في وجه خالته منبعاً في اتجاه الارتواء. واكتملت الأركان، فكانت كُل نساء الإمارات خالاته، ورجالها عكّاز الاهتداء. وهو الذي وضع بجانب الأم تكريماً لوالده فكان مستشفى النخيل في مسقط الرأس.
مطلع السبعينيات الميلادية، وفي «الحمرية» وبعد التقاعد من العمل الحكومي، شُرعت الأبواب في بيته الكبير، فكان «ديواناً» لمن أخذته المواقف إلى حيث الرحمة. وبدأت مسالك جديدة تتشكّل مع كُبر واتساع مدينة البحر وقوافل البخور. كانت الأيّام في مجلس «عبيد الله» مثل سلسلةٍ من لؤلؤ، وحقائق لا تعرف الأساطير، ولا أحاديث رُواة لأزمنة تخلو من سيرة رجل. كان هو «المجلس» والرواية الكُبرى، والمسيرة المُمتدّة من النور إلى النور. نصفُ قرن من الكتابة إلى السماء، ونصفُ قرن من البريد المستعجل إلى الرصيد المملوء طُهراً وبياضاً. كانت تجارة محمد إبراهيم عبيد الله مع الله، وأحسن العمل.
وحين الخاتمة، الرحيل الصعب في 24 من الشهر السادس لعام 2025، احتضنت أروقة مسجد الشهداء الجسد، بجانب مقبرة القصيص، لكنّ الذاكرة تحتفظ بعُمر الرجل الذي نذر حياته ليقف بجانب الإنسان، فتقاطر البعيد قبل القريب، وتمّت مراسم العزاء برضى هائل على ما أنجره من سنوات لا تعرف خطواتٍ تتردّد في طريق الخير. لم يكن الموت لمحمد إبراهيم عبيد الله سوى الحتميّة، لكن السيرة المولودة في رأس الخيمة عام 1935 لن تموت.