صيف بلا قيود: كيف تساهم العطلة في ظهور سلوكيات سلبية

صيف بلا قيود: كيف تساهم العطلة في ظهور سلوكيات سلبية

مع حلول الإجازة الصيفية، تتعدد طرق قضاء الطلاب لأوقات فراغهم، فتختلف اهتماماتهم بين السفر والاستجمام، أو التسجيل في الأنشطة التدريبية وتنمية المهارات، أو حتى اختيار الاسترخاء والابتعاد عن ضغوط الدراسة، لكن بعيداً عن هذه الخيارات، لا يخلو الصيف من تحديات قد تعيق بعض الطلبة عن تحقيق طموحاتهم في استغلال وقت فراغ هذه الفترة بشكل يفيدهم، لتعزيز جاهزيتهم للمرحلة الدراسية المقبلة، وعلى الجانب الآخر قد يتحول فراغ الإجازة الصيفية، إلى عبء نفسي إذا لم يُستثمر بالشكل الصحيح.

في ظل هذه التحديات، تأتي مبادرات وطنية، منها المراكز الصيفية التي تشرف عليها جهات حكومية وتقدم خدمات مجانية للطلبة، لتوفر فرصة نوعية للطلبة لاستثمار عطلتهم في أنشطة هادفة تعزز من هويتهم الوطنية، وتنمّي شخصياتهم، وتغرس فيهم قيم الانضباط والمسؤولية.

التقت «الخليج» العديد من الطلاب والطالبات من مختلف المراحل، الذين شاركوا جداولهم وخططهم الصيفية، معربين عن آرائهم المتنوعة حول كيفية استثمار الإجازة، كما تحدثنا مع مرشدين أسريين عن أهمية الاستفادة من العطلة الصيفية بشكل إيجابي على الصحة النفسية والتوازن الذهني للطالب، مؤكدين أن تنظيم الوقت خلال الصيف يساهم في تعزيز جاهزية الطالب للمرحلة الدراسية المقبلة.

بدائل مفيدة

في البداية، تؤكد أخصائية تعديل السلوك فاطمة الصرايرة، أن الفراغ خلال الإجازة الصيفية، خاصة في غياب الأنشطة الترفيهية أو التعليمية، قد يؤدي إلى مشكلات نفسية وسلوكية لدى الطلبة.

وقالت: «الملل وفقدان الدافعية، والقلق، وحتى الاكتئاب، قد تصيب الطالب نتيجة الفراغ الطويل، خصوصاً عندما يغيب الروتين اليومي والتفاعل الاجتماعي، كما أن فقدان الشعور بالإنجاز يؤثر على ثقته بنفسه وإحساسه بقيمته، إلى جانب اضطراب النوم والعادات الصحية».

وأضافت أن قضاء الإجازة في المنزل من دون نشاطات، يفتح المجال لتنامي السلوكيات السلبية، لا سيما لدى الطلاب الذين يعانون فرط الحركة وتشتت الانتباه، مؤكدة أهمية تنظيم الأسر لجداول يومية، أو إشراك الأبناء في أنشطة مجتمعية متاحة بتكاليف بسيطة.

وأكدت: «بإمكان الأسر تعويض غياب البرامج الصيفية المكلفة عبر تعليم أبنائهم مهارات حياتية، أو الاستفادة من المنصات المجانية التي تقدم دورات تعليمية متنوعة، وتنظيم وقت مشترك مع الأبناء لتعزيز العلاقة الأسرية».

وأشارت إلى تجربتها الشخصية مع ابنتها التي شجعتها على تأليف كتاب في علم النفس خلال الإجازة، موضحة أن الأنشطة الحسية والاجتماعية تعزز الذكاء العاطفي وتغذي الثقة بالنفس، في حين يعتبر الفراغ بيئة خصبة للتفكير السلبي، مشيرة إلى أنه من المهم وضع أهداف إيجابية بسيطة تتناسب مع ظروف الأسرة، واستكشاف الأماكن الترفيهية المجانية، واستثمار الوقت في تعلم مهارات جديدة، بالإضافة إلى تشجيع الطالب على الصلاة والمشاركة في مسؤوليات المنزل، لما لذلك من أثر في تنظيم الوقت وتعزيز الشعور بالمسؤولية.

مساحة من الحرية

شددت المستشارة الأسرية والتربوية، همسة يونس، على أهمية منح الأبناء مساحة من الحرية خلال الإجازة الصيفية، من خلال تخفيف بعض القوانين الصارمة التي كانت مفروضة عليهم طوال العام الدراسي، خصوصاً فيما يتعلق بأوقات النوم والاستيقاظ.

وقالت: «إن السماح بشيء من الفوضى المنظمة خلال الإجازة يمنح الأبناء شعوراً بأنهم في فترة راحة حقيقية، ويطيل من وقت يومهم، ويُبعدهم عن الأجواء المدرسية الصارمة»، مضيفة أن هذا الأسلوب يخفف من التصادم بين الأهل وأبنائهم.

وأكدت، فيما يتعلق بالأنشطة الصيفية، أهمية الصراحة مع الأبناء بشأن الإمكانيات المادية، وأن يتم طرح الأنشطة المتاحة بناءً على تلك الإمكانيات، مع مراعاة ميول الأبناء وتفضيلاتهم، مشيرة إلى ضرورة عدم فرض أنشطة معينة على الأبناء لمجرد أن الأهل يرونها مناسبة، بل يجب منحهم حرية الاختيار من بين عدة خيارات مناسبة لهم.

وأضافت أن من الأفضل تخصيص الأسبوعين الأولين من الإجازة للأنشطة الترفيهية، ومن ثم توجيه الأبناء تدريجياً نحو الأنشطة التعليمية والعلمية، مشددة على أهمية أن يتم كل ذلك من خلال اتفاق مشترك بين الآباء والأبناء، بما يرضي جميع الأطراف ويجنب الدخول في صراعات لا طائل منها.

كما دعت إلى ضرورة مشاركة الأهل في الأنشطة الصيفية بكل حب وتفاعل، وعدم النظر إليها كوسيلة للتخلص من إزعاج الأطفال، مؤكدة أن مشاركة الوالدين تضيف بعداً عاطفياً واجتماعياً يعزز العلاقة الأسرية، لافتة إلى أهمية دعم الأبناء الذين يعانون صعوبات دراسية من خلال تسجيلهم في معاهد تعليمية متخصصة لتطوير مستواهم.

راحة صيفية

الطلبة لهم آراء متباينة، فمنهم من فضل قضاء الإجازة في المنزل بسبب الأسعار المبالغ فيها نظير الاشتراك في البرامج والأنشطة والمراكز الصيفية، مطالبين ببدائل تراعي ظروف الطلبة، فيما فضل البعض الآخر السفر مع الأهل، وفئة أخرى فضلت الانضمام إلى الأندية الرياضية لممارسة بعض الهوايات، حيث قال الطالب خليفة محمد درويش، من الصف الثاني عشر، إن إجازته الصيفية هذا العام ستكون مخصصة للسفر، لأن أكثر ما يفضله في العطلة هو التنقل واستكشاف أماكن جديدة، لما يخلقه السفر من شعور مختلف وتجديد للطاقة النفسية والجسدية، مشيراً إلى أن السفر يمنحه شعوراً بالتحرر من ضغوط الدراسة والامتحانات، ويساعده على العودة بذهن صاف وطاقة متجددة لبدء عام دراسي جديد.

برنامج صحي

أوضح سهيل فريد أحمد، الطالب في الصف الثاني عشر، أنه قرر قضاء فترة الإجازة بالتدريب في ناد رياضي، حيث يوجد في النادي عدة أنواع من الحصص التدريبية، بعضها مجانية وبعضها برسوم، وقرر دفع مبلغ 800 درهم مقابل الاشتراك في بعض هذه الحصص، قائلاً: أعتبرها تكلفة مرتفعة بالنسبة لي، لكنها استثمار في صحتي ومستقبلي، وتمنحي الفرصة للحفاظ على لياقتي البدنية، إضافة إلى اكتساب عادات صحية جديدة. وأضاف سهيل أنه يخطط خلال فترة الإجازة لأخذ دورة في العلاج الطبيعي، وهو المجال الذي يحلم بأن يصبح فيه طبيباً متخصصاً، وهذه التجربة ستساعده على تطوير مهاراته وفهم أفضل لجسم الإنسان، مما يعزز فرصه في تحقيق حلمه المهني.

عزلة اختيارية

وقال فادي ماهر الحاج، الطالب في الصف الثاني عشر: لا أخطط لفعل أي شيء محدد خلال هذا الصيف، ولن أسجل في الأندية الرياضية أو البرامج التدريبية، بل سأقضي أغلب وقتي في استخدام الأجهزة الإلكترونية، أحب قضاء الوقت في تصفح الإنترنت، ومشاهدة الفيديوهات، ولعب الألعاب الإلكترونية، وأشعر بأن هذه الأمور تساعدني على الاسترخاء، كما أنني أفضّل السهر لساعات متأخرة من الليل، لأنه يمنحني شعوراً بالحرية بعيداً عن روتين المدرسة الصارم.وأضاف: البقاء في المنزل خلال الإجازة الصيفية يجعلني أشعر براحة نفسية، وعلى الرغم من معرفتي بفوائد الأنشطة البدنية والبرامج الصيفية، إلا أن قضاء الوقت بالطريقة التي أفضلها تشعرني بالمتعة وتمنحني نوعاً من التوازن بعد عام دراسي طويل.

تكاليف مرهقة

أشارت إليازية علي المرزوقي، الطالبة في الصف الحادي عشر، إلى أن ارتفاع أسعار الورش الفنية شكل عائقاً أمام استفادتها من عطلتها الصيفية بالشكل الذي كانت تطمح إليه، حيث كانت تتطلع إلى الالتحاق بعدد من الورش المتخصصة في صناعة الشموع باستخدام قوالب متنوعة، وتصميم العطور التي تعبّر عن ذوقها وشخصيتها.

وقالت: فوجئت بارتفاع تكلفة الورشة والتي تبلغ 500 درهم مقابل ساعتين فقط، وهو ما اعتبره مبلغاً مبالغاً فيه لا يتناسب مع إمكانات الطلبة، وهذه الأسعار حالت دون مشاركتي في الأنشطة التي كنت اخطط لها خلال الإجازة.

وأضافت: نتمنى أن يتم مراعاة الطلبة في مثل هذه البرامج، من خلال تقديم ورش بأسعار رمزية أو مجانية، بما يتيح لنا الفرصة لتطوير مهاراتنا والاستفادة من أوقات الفراغ بشكل مثمر.

تكاليف باهظة

أعرب أزهري الصادق سعيد، الطالب في الصف الثاني عشر، عن رغبته في استغلال إجازته الصيفية لتطوير مهاراته اللغوية، من خلال الالتحاق بمعاهد متخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، استعداداً للمرحلة الجامعية ومتطلبات سوق العمل مستقبلاً.

وقال، بدأت بالبحث عن معاهد معتمدة تقدم برامج مكثفة خلال العطلة الصيفية، إلا أنني فوجئت بارتفاع رسوم التسجيل مقارنة بقدرات الطلبة، وذلك يشكّل عائقاً أمام فئة كبيرة من الشباب الراغبين في تطوير أنفسهم خلال الإجازة، مشيراً إلى أن ارتفاع التكاليف يحرم كثيراً من الطلبة من الاستفادة من هذه الفرص، ويجب توفير برامج مدعومة أو بأسعار رمزية تتناسب مع قدرات الطلبة، وتفتح المجال أمامهم لتطوير مهاراتهم بطريقة ميسّرة خلال فترة الإجازة الصيفية.

شغف مكلف:

أوضحت الطالبة عائشة بشير أحمد، من الصف الثاني عشر، أن شغفها الكبير بفنون الطهي يدفعها إلى استغلال إجازتها الصيفية لتطوير مهاراتها في هذا المجال، لا سيما في إعداد المأكولات الآسيوية والإيطالية، التي تجد فيها مساحة واسعة للإبداع والتجربة، وأن لديها طموحاً عالياً في احتراف الطبخ بشكل أكاديمي ومهني مستقبلاً، إلا أن ارتفاع رسوم الدورات التدريبية المتخصصة يشكّل عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف،

وقالت، قررت التسجيل في دورة تدريبية خلال الإجازة، لكنهم طلبوا مني دفع 900 درهم، وهو مبلغ كبير بالنسبة لي كطالبة.