10 ملفات حول المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران

د. أيمن سمير
يقول المثل الفرنسي الشهير «الحرب مثل الحب، لكي ينتهي الأمر، لابد من اللقاء وجهاً لوجه»، فالحرب الإيرانية الإسرائيلية لم تحسم أشياء كثيرة من الملفات العالقة بين الطرفين رغم أنها استمرت 12 يوماً، واستخدمت فيها الولايات المتحدة القاذفات الاستراتيجية «بي 2» ونحو 180 طن متفجرات في 14 قنبلة يزيد وزن الواحدة منها على 32 ألف رطل تم إسقاطها على 3 مفاعلات نووية هي فوردو ونطنز وأصفهان وباتت الأسئلة العالقة بعد الحرب أكثر بكثير من تلك التي كانت قبل الحرب وهو ما يقول أن «الدبلوماسية وحدها» هي السبيل الأفضل لحل الصراعات وتجاوز الخلافات. رغم تأكيد واشنطن وتل أبيب بأنهما حققا أكثر من المستهدف في «حرب سريعة وخاطفة» إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فاجأ العالم عندما أعلن أن واشنطن وطهران سوف يعودان من جديد إلى طاولة المفاوضات والدبلوماسية خلال الأيام المقبلة من أجل تسوية «القضايا العالقة» وهو أمر أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لكنه تمسك بنفس السردية والرواية التي كان يرددها خلال 60 يوماً من المفاوضات التي سبقت الحرب حول حق بلاده في امتلاك برنامج سلمي للطاقة النووية.
تنطلق المفاوضات المقبلة من حسابات وحاجات أساسية للطرفين الأمريكي والإيراني بعد فشل 5 جولات من التفاوض كانت نتيجتها الوحيدة هي الذهاب لحرب استمرت 12 يوماً، فرغم التأكيد الأمريكي والإسرائيلي بالقضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني إلا أن جهات في المخابرات الأمريكية ومنها مخابرات وزارة الدفاع «البنتاجون» تشكك في تحقيق هذا الهدف وهناك من يخشى في الغرب من «إحياء البرنامج النووي» الإيراني بعد حديث وسائل إعلام أمريكية عن استئناف العمل والعودة لتخصيب اليورانيوم من جديد في مفاعل «نطنز» بعد نهاية الحرب ب3 أيام فقط وتحدثت وسائل الإعلام الأمريكية كثيراً عن وجود «مفاعلات سرية» وأماكن أشد تحصيناً من تلك التي جرى قصفها مثل منشآت «جبل الفأس» التي تزداد التكهنات حولها باعتبارها «القلب الصلب» للبرنامج النووي الإيراني، وليس مفاعل فوردو كما كان يقال قبل الحرب، أيضاً تزداد الحاجة للمفاوضات المقبلة في ظل تهديد الرئيس الأمريكي بالعودة من جديد ل«خيار الحرب» وأنه لن يتردد في قصف المنشآت النووية الإيرانية إذا ما عادت طهران إلى تخصيب اليورانيوم بأي نسبة، خصوصاً أن ترامب يستعد لتقديم عرض يرى أنه مغرٍ للغاية يقوم على تحرير تدريجي للاقتصاد الإيراني من العقوبات وبناء برنامج سلمي للطاقة النووية لا يعتمد على التخصيب.
فما هي فرص نجاح المفاوضات المقبلة بين طهران وواشنطن؟
وما هي الملفات والمطالب التي سوف يطرحها كل طرف على مائدة المفاوضات؟
وهل يتخلى كل طرف عن «الحسابات الصفرية» التي رافقت 5 جولات تفاوضية جرت في روما ومسقط دون نتيجة؟
حفظ ماء الوجه
أكثر ما تحتاجه إيران في المفاوضات هو «حفظ ماء الوجه» بعد الضربات القوية التي تلقتها سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل وترفض طهران أي إشارة في أي اتفاق مستقبلي على أنها ضعيفة أو «استسلمت»، ولهذا جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي طلب من الرئيس ترامب تخفيف اللهجة ضد المرشد الإيراني والتحدث عنه باحترام بعد أن قال ترامب إنه يعرف مكان اختباء المرشد وهو الذي منع الجيش الأمريكي وإسرائيل من اغتيال المرشد ولهذا سوف تدور المطالب الإيرانية في المفاوضات حول عدد من القضايا وهي:
أولاً: عدم إسقاط النظام
تعتقد إيران أن الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة لم تنته بعد ويمكن أن تكون هناك جولات وجولات مستقبلية خصوصاً في ظل التقديرات الإيرانية التي تقول إن هدف واشنطن وتل أبيب كان إسقاط النظام بأكمله رغم نفي إسرائيل والولايات المتحدة لهذا الهدف ولهذا قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية عبد الرحيم موسوي: إن لدى بلاده شكوكاً كبيرة في التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، وهدد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة باستهداف المرشد الإيراني مؤكداً معرفته بمكانه وأنه هو الذي منع إسرائيل من اغتياله، لكل هذا سوف تكون الأولوية الأولى لوفد المفاوضات الإيراني هو عدم إسقاط النظام في طهران وعدم تشجع المعارضة على الخروج إلى الشارع بهدف إسقاط النظام، فهناك من قرأ بعض الخطوات الأمريكية والإسرائيلية باعتبارها «تشجيع غير مباشر» للمعارضة الإيرانية على هذا السلوك مثل قصف الطيران الإسرائيلي لسجن «إيفين» شديد الحراسة الذي يأوي معارضين سياسيين للحكومة والنظام الإيراني وأن الهدف من هذا القصف كان خروج السجناء السياسيين لتنظيم المظاهرات ضد النظام وهناك تقديرات تقول إن الهيمنة الجوية الإسرائيلية على الأجواء الإيرانية في الغرب والوسط والشرق شجعت إسرائيل للعمل على إسقاط النظام، لكن المخاوف الإقليمية من انتشار الفوضى في المنطقة دفعت الرئيس ترامب لوقف هذا المخطط ولا تضمن إيران إمكانية عمل إسرائيل والغرب من جديد على هذا الهدف ولهذا سوف تسعى طهران بكل ما تملك من أوراق في المفاوضات إلى الحصول على ضمانات بعدم إسقاط النظام حتى لو اندلعت جولة جديدة من الحرب.
ثانياً: 36 مليار دولار
تسعى إيران إلى الحصول على شيء تقدمه للشعب أمام أي تنازلات متوقعه في البرنامجين النووي والصاروخي ولهذا سوف يسعى المفاوض الإيراني إلى رفع كل العقوبات بما فيها «العقوبات القصوى» التي فرضها الرئيس ترامب في 2 نوفمبر 2018 أثناء ولايته الأولى وسوف تعمل طهران على ضمان تدفق الاستثمارات في قطاعات مثل النفط والغاز والبتروكيماويات التي تراجعت فيها الصادرات الإيرانية بفعل العقوبات الأمريكية والأممية وتهدف إيران أيضاً إلى رفع التجميد عن نحو 6 مليارات دولار من مبيعات النفط الإيراني في بنوك غير أمريكية وأموال أخرى مجمدة منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ناهيك عن العمل على سعي طهران للحصول على تعويضات غير مباشرة نظير تدمير مفاعلاتها النووية بالحصول على تشجيع الولايات المتحدة للاستثمارات الدولية سواء لبناء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة تشرف عليه بالكامل الوكالة الدولية للطاقة النووية بقيمة 30 مليار دولار، أو الحصول على استثمارات ضخمة في مجالي النفط والغاز.
ثالثاً: الوكالة الدولية
علَّق البرلمان الإيراني في 25 يونيو الجاري تعاون بلاده مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، متهماً الوكالة ومديرها رفائيل جروسي بالانحياز للغرب في آخر تقرير للوكالة، والذي اعتبرته إسرائيل والولايات المتحدة مؤشراً على اقتراب إيران من تصنيع قنبلة نووية و«تعليق» التعاون وليس «الانسحاب» من الوكالة الدولية يمنح إيران ورقة للمساومة في المفاوضات المقبلة، بمعنى يمكن لطهران أن توقف «تعليق التعاون» مقابل شروط جديدة في التعاطي مع الوكالة الدولية، كما يمكنها أن تهدد بتصعيد تلك الخطوة من مجرد تعليق التعاون إلى الانسحاب من الوكالة الدولية، بل والانسحاب من اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية.
رابعاً: نقل اليورانيوم «ليس خطاً أحمراً»
في سبيل سعيها للحفاظ على برنامج نووي سلمي، هناك تقديرات غربية وأمريكية تقول إن إيران لا تعتبر «نقل اليورانيوم إلى الخارج خطاً أحمر» والمقصود هنا باليورانيوم المخصب فوق 3.67% وهي النسبة التي تسمح بها الوكالة الدولية للطاقة النووية وكان لدى إيران قبل الحرب نحو 408 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وكمية مماثلة من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بعد تركيب إيران آلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة من طرازات «أي أر 6» و«أي أر 8» وهو ما يكفي وفق علماء الطاقة النووية لتصنيع 9 قنابل نووية، بشرط رفع مستوى التخصيب إلى مستوى 90% وهذه ورقة قوية للغاية في يد إيران في ظل عدم اليقين الأمريكي وحتى الإسرائيلي بتدمير كل هذه الكميات من اليورانيوم المخصب في الضربات الإسرائيلية الأمريكية وإذا وافقت إيران على نقل اليورانيوم المخصب فوق 3.67% للخارج سوف يشكل هذا القرار نافذه واسعة نحو نجاح المفاوضات وبناء معادلات جديدة في الإقليم تدفع نحو السلام والاستقرار لعقود مقبلة، لكن تمسك إيران بهذه الكمية من اليورانيوم المخصب قد تدفع للعودة مرة أخرى للحرب.
خامساً: تكرار الانسحاب
أكثر ما تخشاه إيران أن ينسحب الرئيس ترامب أو غيره من أي اتفاق جديد بين طهران وواشنطن حيث سبق للولايات المتحدة أن انسحبت بمفردها من اتفاق «5+1» في مايو 2018 وقال وقتها الرئيس ترامب إنه غير ملتزم بالاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما ولهذا سوف تعمل طهران على الحصول على «ضمانات كافية» لعدم انسحاب الولايات المتحدة مجدداً من أي اتفاق.
سادساً: سناب باك
تخشى إيران أن تقوم «الترويكا الأوروبية» التي تضم بريطانيا وألمانيا وفرنسا بتفعبل «آلية سناب باك» في شهر أكتوبر المقبل بمناسبة مرور 10 سنوات على اتفاق «5+1» عام 2015 وتسمح هذه الآلية لدول الترويكا الأوروبية بالذهاب إلى مجلس الأمن، وفرض عقوبات قاسية على طهران إذا رأت هذه الدول أن إيران لم تلتزم طوال السنوات الماضية بروح ونصوص اتفاق «5+1» وسوف تعمل إيران من خلال المفاوضات على ضمان عدم تفعيل الأوروبيين لآلية «سناب باك».
طرح رباعي
منذ بدء المفاوضات الأمريكية الإيرانية في 12 إبريل الماضي كان الطرح الأمريكي يركز فقط على ملف البرنامج النووي الإيراني، لكن بعد الحرب تسعى واشنطن للتوصل إلى اتفاق يشمل 4 ملفات وهي:
أولاً: كونسورتيوم اليورانيوم
تعتمد الولايات المتحدة رؤية تسمح فقط بالأنشطة النووية السلمية الإيرانية وفي نفس الوقت تحقق الهدف من المفاوضات وهو ألا تمتلك إيران المعرفة أو أدوات التخصيب وهو العرض الذي أطلق عليه الرئيس ترامب «صفر تخصيب»، و«صفر أجهزة طرد مركزي» ويتحقق ذلك وفق الرؤية الأمريكية بتشكيل «كونسورتيوم للتخصيب» خارج إيران وتستطيع إيران فقط استيراد اليورانيوم المخصب بنسب ضيئلة لا تتجاوز 3.67% من هذا الكونسورتيوم الذي سوف يقوم بتوفير الوقود للمفاعلات النووية الإيرانية ورفضت إيران قبل الحرب التخلي عن حق التخصيب وقالت في بيان لهيئة الطاقة النووية الإيرانية: إنها تنظر فقط «للكونسورتيوم» باعتباره مكملاً للتخصيب على الأراضي الإيرانية وليس بديلاً عنها ويصاحب هذا الكونسورتيوم الاعتراف الأمريكي بحق إيران في التخصيب، مقابل «تعليق كامل» لنشاطاتها داخل إيران.
ثانياً: جبل الفأس
الهدف الأمريكي من جولة المفاوضات المقبلة هو التعرف على حقيقة نقل إيران لنحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى «جبل الفأس» قبل قصف قاذفات «بي2 » الأمريكية لمفاعل فوردو بعد أن كشفت صور الأقمار الصناعية وجود سيارات شحن خارج فوردو قبل الضربات الأمريكية والإسرائيلية وتشير كل التقديرات إلى أن «جبل الفأس» هو المكان الأمثل لإخفاء وتكثيف إنتاج اليورانيوم المخصب وهو مكان شديد التحصين يقع جنوب مفاعل فوردو بنحو 90 ميلاً وتفصل بينه وبين منشأة نطنز النووية دقائق فقط وإذا كان لمفاعل فوردو مدخل واحد، فإن «جبل الفأس» له 4 مداخل، اثنان على الجانب الشرقي من الجبل واثنان على الجانب الغربي وتمتد تلك المداخل وفق صور للأقمار الصناعية لنحو 100 متر تحت السطح وهو بذلك أكثر عمقاً من مفاعل فوردو الذي تتراح أعماقه بين 60 و90 متراً.
ثالثاً: الصواريخ
كان هناك قلق أمريكي وإسرائيلي قبل الحرب الإيرانية الإسرائيلية من صواريخ طهران خصوصاً الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود الصلب، لكن هذا القلق زاد بشدة كبيرة بعد الحرب عندما تأكد للجميع نجاح 10% على الأقل من تلك الصواريخ في تجاوز جميع الدفاعات الجوية الإسرائيلية ومنها القبة الحديدية ومقلاع داود وحيتس بالإضافة للأنظمة التي وضعتها واشنطن لحماية إسرائيل وهي «أنظمة ثاد وباتريوت»، وتهدف الولايات المتحدة من المفاوضات إلى تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني خاصة الصواريخ بعيدة المدى وصواريخ «فرط الصوت» مثل صواريخ الحاج قاسم وخورمشهر وسجيل وتسعى واشنطن لوضع قيود صارمة على برنامج الطائرات المسيرة أيضاً، ليس فقط لحماية إسرائيل، بل لمنع تصدير هذه الطائرات مثل «شاهد» إلى روسيا والحوثيين.
رابعاً: الروزمة الكاملة
ترى واشنطن في نتائج الحرب الإيرانية الإسرائيلية فرصة تاريخية وذهبية لإنهاء الدعم الإيراني لأذرع طهران في المنطقة التي تعتبرها واشنطن وتل أبيب مصدراً لعدم الاستقرار في كل الشرق الأوسط، لهذا يستعد ستيفن ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب إلى طرح «الروزمة الكاملة» التي تتضمن وقف وإنهاء الدعم الإيراني للمجموعات المسلحة خصوصاً في لبنان والعراق واليمن.
المؤكد أن العودة للمفاوضات خطوة حكيمة، لكن التحلي بالمسؤولية والمرونة وبناء الثقة وتجاوز الأحقاد الماضية سوف تكون شروط إجبارية للوصول إلى اتفاق شامل يدشن مرحلة جديدة من السلام والاستقرار في المنطقة العربية وكل أركان الشرق الأوسط.
[email protected]