تفوُّق النظام الإداري أساس نمو الحضارة الإسلامية

تفوُّق النظام الإداري أساس نمو الحضارة الإسلامية

في إطار احتفالات الشارقة بمرور مئة عام على تأسيس مكتبتها العامة، نظّمت «مكتبات الشارقة» في مجمع القرآن الكريم، جلسة حوارية فكرية تحت عنوان «الرسالة الثقافية»، بحضور الدكتور عبدالله خلف الحوسني، الأمين العام لمجمع القرآن الكريم.
وتحدث في الجلسة كلّ من الدكتور ناصر الفلاسي، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بجامعة زايد، والدكتور عبد الحكيم الأنيس، الخبير العلمي في مجمع القرآن الكريم، وأدار الحوار راشد النقبي.
وشهدت الجلسة طرحاً فكرياً متنوعاً حيث قدّم المتحدثان قراءة تحليلية في تطوّر الإدارة في الحضارة الإسلامية، مستعرضين عدالة النظام المالي الإسلامي وتفوقه على النماذج الغربية والرومانية، إلى جانب استعراض جوانب من طرائف التأليف في التراث العربي، في لفتة تظهر ثراء المحتوى الفكري والإنساني لعلماء المسلمين، وخصوصية موضوعاتهم وأساليبهم، التي سبقت في كثير منها الطروحات الحديثة في مجالات الفكر والصحة والاجتماع.
وسلّط الدكتور ناصر الفلاسي، خلال الجلسة، الضوء على تطور الإدارة في الحضارة الإسلامية، مبيناً أن دراسة التاريخ تعتمد على دراسة المؤرخ، وأن النظام المالي الإسلامي شكّل ركيزة أساسية في ازدهار الدولة الإسلامية، منتقداً اعتماد بعض المستشرقين على مصادر رومانية وغربية فقط، والذي أدى إلى سوء تقدير نظام الضرائب الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالجزية.
وعرض الفلاسي مقارنة معمقة بين النظامين الماليين الإسلامي والروماني، مستشهداً بكتابي «الخراج» لأبي يوسف و«الأموال» للقاسم بن سلام، ليبيّن أن الضرائب كانت أخف بكثير من تلك التي فرضتها روما، إذ لم تتجاوز 136 جرام فضة سنوياً، مقارنة بـ1100 جرام فرضها الرومان.
كما أشار الفلاسي إلى أن النظام المالي الإسلامي أعفى النساء والأطفال وكبار السن من دفع الضرائب، وضمن الحماية لغير المسلمين دون إلزامهم بالمشاركة في الحروب، بخلاف النظام الروماني. وبيّن أن بعض المؤرخين الغربيين المنصفين اعتبروا نظام «الجزية» من أرقى الأنظمة المالية في تاريخ البشرية؛ لأنه ضمن للسكان الحماية والتفرغ للعمل، ما أفرز عدداً كبيراً من أصحاب الثروات من غير المسلمين ممن اشتهرت بهم البلاد الإسلامية.

*طرائف

بدوره، قدّم الدكتور عبد الحكيم الأنيس ورقة تحت عنوان «طرائف التأليف في التراث العربي»، أضاء فيها على غنى التراث العربي والإسلامي بالعلوم والفنون والمعارف، مشيراً إلى أن الأمة الإسلامية تُعد من أغزر الأمم إنتاجاً فكرياً؛ إذ لا تكاد تخلو مكتبة كبرى في الشرق أو الغرب من آثار هذا التراث العريق.
وعرض الأنيس نماذج لكتب طريفة وغير تقليدية في موضوعاتها أو مناهجها، مثل كتاب «عقود الجوهر» للمؤرخ جميل العظم، الذي جمع فيه أسماء من ألّف خمسين كتاباً فأكثر.
كما أشار إلى مؤلفات ذات طابع إنساني مثل كتاب «التعازي» للمدائني، وكتاب «الجوع» لابن أبي الدنيا، الذي تناول فيه الجوع كظاهرة اختيارية واضطرارية، وكتاب «ما قيل في اللحظات الأخيرة»، الذي وثّق فيه اللحظات الأخيرة لحياة كبار الأعلام.
ومن الطرائف الأخرى، ذكر الأنيس كتاب «ذم الثقلاء» لحمد بن خلف، و«مصالح الأبدان والأنفس» في حفظ الصحة، الذي نال تقديراً حديثاً من منظمة الصحة العالمية، و«طب الشيوخ» لابن الجوزي، حول الشيخوخة الصحية، فضلاً عن كتبه حول «الأذكياء» و«الحمقى والمغفلين»، وغيرها.
وشهدت الفعالية ورشة فنية متخصصة في الخط العربي والزخرفة الإسلامية، أتيحت فيها الفرصة للمشاركين لاستكشاف جماليات الفنون الإسلامية وتاريخها العريق، ضمن رؤية متكاملة تجمع بين الفكر والإبداع.