«الخط الثلث».. الحروف تعيش في وجدان المؤمن

«الخط الثلث».. الحروف تعيش في وجدان المؤمن

هناك لوحات خطية، لا يمل الناظر من التمعن فيها، والتدقيق في تكوينها لشدة ما فيها من جاذبية فنية وبصرية، ومنها واحدة للخطاط السعودي حسن آل رضوان، حيث استخدم الخط الثلث في تكوين لوحة آسرة كتب فيها الدعاء «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».. وهو يدل دلالة واضحة على أهمية وقيمة العفو، والعفو هو سؤال الله عز وجل التجاوز عن الذنب.

أول ما يلفت النظر في هذه اللوحة، هو أنها جاءت في قسمين، فهناك مركز اللوحة الذي ابتدأ بمفتتح الدعاء وكلمة (اللهم) وقد خطه رضوان بلون مميز هو الأحمر، وحجم كبير شكل جاذبية خاصة لهذه اللوحة، لا سيما وأن الأحمر ذو رمزية خاصة في الفن الإسلامي ويحتمل عدة معان كالحيوية، والقوة، والنشاط، والعاطفة، كما يرمز إلى الشجاعة. أما القسم الثاني، فقد تضمن باقي كلمات الدعاء، كما يظهر في اللوحة التي ركزت أيضاً على عنصر الدائرة في التصميم الخطي المشار إليه، بوصف الدائرة أولاً هي شكل هندسي، لا سيما وأن الفن الإسلامي يرتكز على نظام الدائرة، التي ترمز إلى الوحدة والتنوع والتكامل، ومن حيث الشكل، فهي تستخدم في بناء أشكال هندسية معقدة مثل النجوم المتعددة الأضلاع.

*التكوين

كما أشرنا سابقاً، فإن أول ما يلفت النظر في اللوحة هو أنها جاءت في كتلتين بارزتين، وهذا التنظيم الهيكلي، تشكل من قسم رأسي، وهو الأول، الذي تشكل من كلمة (اللهم) تلاه حرص الخطاط على استكمال التسلسل الهرمي في اللوحة من بقية الكلمات، ليشكل توازناً بصرياً يفصل بين القسمين، وكان القسم الثاني بخط أصغر ولون أسود، والتباين بين الخطين يخلق تنوعاً جمالياً مع الحفاظ على الوحدة الموضوعية حيث (الصبر والدعاء).

في هذه اللوحة اعتنى حسن آل رضون بموضوع التوازن والتناسب، فثمة توازن رمزي له صلة مباشرة بالمضمون الروحي لهذا الدعاء، كما أن هذا التنظيم الهيكلي للوحة قد حافظ -إلى حد ما- على مساحة متساوية لكل قسم من أقسام هذه اللوحة، كما يمكن الإشارة إلى مسألة الزخرفة والتزيين في اللوحة، وهناك تقسيم لنهايات الحروف من حيث المدات الطويلة كما يظهر في حرف (العين)، وقد حرص رضوان على أن يخط مبتدأ الدائرة من نهايات حرف الياء في كلمة (عني) الذي جاء متميزاً للغاية، حيث شكل نهاية هذا الحرف مبتدأ هذا الإشعاع الدائري، حيث الوحدة، والتوازن، والكمال، ودقة النظام.

كان اللون الأساسي للخط في اللوحة هو الأسود، مع خلفية شبه بيضاء لتعزيز الوضوح في اللوحة، وهو أسلوب يتبعه الخطاط للمزج بين الأصالة التقليدية واللمسات الفنية المعاصرة، فمع وجود هذه التقنية الواضحة في رسم الحرف في الثلث التي نفذها رضوان بانسيابية ودون تكلف، حافظ الخطاط على مسألة التناغم بين الشكل والمضمون الذي أراده الدعاء، وذلك رغم تعقيدات خط الثلث.

هذا الوضوح المقصود في اللوحة حافظ على ضبط النسب بين الحروف، ما دل على براعة خطية تترك هامشاً للناظر لكي يتأمل جاذبية رسم الحرف في هذه اللوحة الآسرة.

*إضاءة

الخطاط السعودي حسن آل رضوان حاصل على بكالوريوس تربية فنية، عضو مؤسس بالجمعية السعودية للخط العربي، وهو أحد مؤسسي جماعة الخط العربي بالقطيف وشغل منصب مشرف لجنة الفنون التشكيلية والخط العربي بجمعية الثقافة والفنون فرع الدمام، درس فنون الخط والزخرفة الإسلامية بجمعية الثقافة في الدمام، و حاصل على المركز الأول بمسابقة خطاطي وفناني المملكة 2011، وقد نظم الكثير من الفعاليات الخطية مثل المسابقات والمعارض والندوات والمحاضرات وورش العمل، له مشاركات دولية في الإمارات وإيران والصين ومصر وتونس والكويت وقد صمم العديد من الشعارات وعناوين الكتب والمجلات.