«إلى هاجر العزيزة»… رسالة داعمة للنساء

الشارقة: علاء الدين محمود
الناشر: دار روايات
===================
أفضل من يكتب عن قضايا المرأة هم النساء أنفسهن، الكاتبات الناشطات المفكرات أو صاحبات التجربة والخبرة المجتمعية في المعاناة من المساواة بين الجنسين، ولعل العديد من الكاتبات تصدين لهذه المسألة انطلاقاً من تيارات نسوية متباينة، سواء على مستوى المؤلفات الإبداعية أو الفلسفية أو ذات الطابع الاجتماعي، وذلك شأن أحدث الكثير من التراكم استطاع أن يخلخل العديد من المفاهيم والتقاليد التي سادت ردحاً من الزمان حول وضع المرأة.
كتاب «عزيزتي هاجَر.. أو مانيفستو نسوي بخمسة عشر مقترحاً»، للكاتبة النيجيرية تشيماماندا نغوزي أديتشي، الصادر في طبعته الأولى عام 2018، عن دار روايات، بترجمة الإماراتية لميس بن حافظ، يعد من تلك المؤلفات التي تقدم غوصاً عميقاً تنقيباً معرفياً في قضايا النساء وكيفية تعامل المرأة مع العالم من حولها من أجل تكتسب حقوقها وتنزع الأغلفة الأيديولوجية عن وجه العادات والتقاليد التي تكرست كسلطة تمارس فعل القهر تجاه النساء وتفرض عليهن واقعاً يخضعن من خلاله لهيمنة تريد أن تسلبهن إرادتهن وتغيب عقولهن في عالم تسود فيه اللا مساواة وتختفي العدالة.
يطرق الكتاب بشدة على موضوع الوعي الحقيقي مقابل الزائف حيث إن هذا الأخير تكون من خلال الأساطير التي تفضل جنساً على آخر، حيث تتشكل مجموعة من الرموز والقوى التي تعزز هذا الواقع وتجعله مقبولاً، بينما الوعي الحقيقي يتطلب التخلص من مثل هذه الأفكار السامة من أجل مجتمع حقيقي ينعم بالمساواة الحقيقية ويخلو من الصراع.
*رسالة
لعل أفضل الطرق لتحقيق ذلك الحلم بالمساواة بين الجنسين، هو التنشئة الأولى، أي زراعة أفكار جديدة في عقول الأطفال الخصبة، وذلك هو موضوع الكتاب الذي هو عبارة عن رسالة في شكل توجيهات ونصائح كتبتها تشيماماندا بطلب من صديقة لها، فقبل عدّة أعوام، تلقّت الكاتبة رسالة من إحدى صديقات طفولتها، تطلب منها النُّصح في أمر تربيّة طفلتها كي تقودها إلى النّجاح وتنميّة شخصيّتها القياديّة، فكان هذا الكتاب هو جواب تشيماماندا التي كرست حياتها وكتاباتها الإبداعية من أجل قضايا العدالة الاجتماعية وفي مقدمتها قضية النساء وواقعهن المرير وبصورة خاصة في البلدان غير المتقدمة سواء في إفريقيا أو بقية العالم.
تقول الكاتبة في المستهل: «استجابة لطلب صديقتي، قرّرت أن أكتب لها رسالة، وتمنيت أن تكون الرسالة صادقة وعملية، وفي الوقت ذاته بمثابة خريطة خاصة لطريقتي في التفكير النسوي. هذا الكتيب هو نسخة من تلك الرسالة لكن مع بعض التغيير في التفاصيل. وبما أنّي الآن أصبحت أماً لفتاة صغيرة سعيدة، أدركت كيف أنه من السهل إبداء النصح حول تربية الأبناء عندما لا تواجه ذلك الواقع المعقد جداً بنفسك. لكني ما زلت أعتقد أن الواجب الأخلاقي الملح يتطلب حوارًا صادقًا حول تربية الأبناء بشكل مختلف، وحول محاولة خلق عالم عادل أكثر للرجال والنساء على حد سواء».
*حوار
الحوار الصادق حول تربية الأبناء، الذي أشارت إليه الكاتبة في التمهيد، يكاد يكون الغاية الأساسية لهذا الكتاب، أكثر من كونه مؤلفاً حول صناعة الإرشادات التي قد تختلف من شخص لآخر، لكن بطبيعة الحال تبقى هناك عموميات مشتركة في مسألة التربية والتنشئة لابد من الأخذ بها من أجل خلق أجيال جديدة على نحو ما أرادت الكاتبة وذلك يتحقق عبر عملية الحوار والتعاطي حول هذه القضية، لذلك فإن التوجيهات التي بعثت بها تشيماماندا إلى صديقتها ابتعدت عن الحدة فقوام الكتاب هو خمسة عشر مقترحاً ظريفًا، مباشرًا وعصريًّا، غاية تلك المقترحات هي الوصول إلى تمكين تلك الابنة كي تنمو قويّة وتغدو امرأة مستقلّة، وتدور معظم المقترحات في شكل نقاشات مفتوحة عن الملابس، والماكياج، والنسويّة، تفضح خرافة أن المرأة خُلقَت للمطبخ، وأن الرجال هم من بيدهم الأمر كي «يسمحوا» للمرأة بالعمل وتولّي مناصب قيادية.
*ورطة النصح
إن عملية إسداء النصائح تنطوي على صعوبة كبيرة إضافة إلى الإحساس الثقيل بالوصاية، لذلك فإن تشيماماندا استشعرت المسؤولية وأطلقت على تلك التوجيهات التي بعثت بها إلى صديقتها صفة «المقترحات»، التي يكون فيها الطرف الآخر في حل من الالتزام بها، كما أن كلمة «مقترح» تحمل مدلولاً أكثر لطفاً من توجيه النصح المباشر، ومن أجل ذلك وظفت الكاتبة كل خبراتها النسوية والمعرفية من أجل أن تكون تلك المقترحات عصرية وتناسب التنشئة السليمة للطفلة موضوع الكتاب، وكل الأطفال في أي مكان، وكذلك الأمهات.
الكتاب بمثابة خارطة طريق للأمهات من أجل تربية أطفالهن خاصة الإناث على أسس سليمة من الوعي بالحقوق، ولم تكتف تشيماماندا بذلك بل أيضاً وظفت قدراتها في الكتابة الإبداعية من أجل تمرير ثقل ما تنطوي عليه المقترحات من نصائح وتوجيهات، وذلك عبر الأسلوب الأدبي الذي يقترب من اللغة الشاعرية في كثير من المواضع، وكذلك توظيف تقنيات السرد الروائي والقصصي بصورة مميزة.
ويمتلك الكتاب قدرة كبيرة على التأثير بفعل المقاربات وطرح الأفكار بصورة مبتكرة، إضافة إلى تكوين الصور والمشهديات والاستعانة بمقولات أدبية وفكرية للعديد من الكتاب والفلاسفة وملكة الوصف الذي يحلق بالقارئ في أزمنة وأمكنة مختلفة، إذ ما يميز هذا الكتاب هو تعدد المنابع حتى في ما يتعلق بقضية المرأة نفسها.
*وجه جديد
ربما من الفوائد الكبيرة لهذا الكتاب أنه قدم تشيماماندا في وجه وصورة جديدة للقراء غير التي ألفوها ككاتبة إبداعية تطرح مواضيعها الفكرية من خلال فن الرواية والقصة، فهي هنا تقول كلمتها مباشرة لكنها تصطحب معها أدوات وتقنيات السرد وكذلك الشعر، ما يجعل الكتاب يحافظ، إلى جانب المادة الفكرية، على الأبعاد الجمالية التي هي غاية لا تغفل عنها تشيماماندا المنحازة للأدب والإبداع، وذلك من أجل أن تستهدف مشاعر القراء قبل عقولهم في ما تطرحه من قضية عادلة مع ترك فراغات وثقوب يملؤها القارئ.
*صدى
الكتاب، ككل مؤلفات تشيماماندا، وجد صدى كبيراً في مختلف أنحاء العالم، وتمت ترجمته إلى العديد من اللغات نسبة لأهمية محتواه الفكري والإبداعي والاجتماعي، باعتباره من المؤلفات التي تسهم في إيجاد أفق وحلول لواحدة من المشاكل الاجتماعية الكبيرة، ولذلك لقي اهتماماً من قبل الناشطين والقراء والنقاد، واحتفت به الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح من الكتب التي حققت مبيعات عالية، ولعل من أهم الكتابات حول هذا المؤلف ما ذكره موقع الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري حيث جاء فيه: «إن تنشئة الجيل القادم من القياديّات ليس بعملٍ سهل، لكن تشيماماندا تُقارب طريقة إنجاز ذلك بأسلوبها الشّفيف الموجّه إلى صديقتها».
*اقتباسات
«يجب أن يكون مبدؤكِ النسوي: أنا مهمة».
«إن معرفة المطبخ لا تولد مع المرأة».
«لا تُخبريها أبدًا أن عليها فعل شيء ما لمجرد أنها فتاة».
«الناس يستخدمون التقاليد بشكل انتقائي لتبرير أي شيء».
«عندما تكون هناك مساواة حقيقية ينتفي الاستياء».
«الاختلاف هو واقع عالمنا وبتعليمها الاختلاف تُهيئينها للعيش في عالمٍ متنوع».
«هناك دروب مختلفة في العالم، وهي صالحة ما لم تضر بالآخرين».
«علّميها ألا تُعمّم تجاربها وأن معاييرها خاصة بها وحدها».