الساحر الصغير: قصة حقيقية في عالم من الخيال

«سباروهوك» ولد صغير نحيل ويتيم، متسرع وغاضب، ولد بقدرات سحرية هائلة، ويتبناه ساحر حكيم كبير، يعلمه السحر والحكمة، ويرسله إلى مدرسة السحرة في إحدى الجزر، حيث يلمع نجمه، ويضايقه صبي من أصل نبيل، فيجرب استدعاء روح من أرواح الموتى للتفاخر، لكنه بدلاً من هذا يستدعي شبحاً ثقيلاً من عالم آخر يطارده، ويكاد يقتله.
تدور المغامرة المثيرة لمطاردة هذه القوة السوداء الشريرة، ويتعلم «سباروهوك» من خلالها الصبر واحترام موهبته، ومواجهة مسؤولية خطئه، حتى يعرف من أين يأتيه الظل الأسود، ويصحح ذلك الصبي العنيد، الذي نتوقع نهايته الأليمة في كل فصل، مسار حياته.
نشهد عذابه وهو يجوب البحار والبلاد بحثاً عن الظل الشبحي الأسود، يكبر ليصبح ساحراً شاباً مسؤولاً، ثم الساحر الأكبر لكل عالم «إيرثسي» ذلك البلد الخيالي الذي تدور فيه أحداث الرواية التي تقدمها لنا «أورسولا ك. لوجوين» في كتابها «ساحر من إيرثسي» ترجمة منى النموري.
«إيرثسي» عالم «لوجوين» المتخيل عبارة عن أرخبيل يضم مئات الجزر المحاطة بمحيط عظيم، لا يعلم أحد مداه ولا نهايته، تقول الكاتبة إن الجزر الإندونيسية ربما هي أصل هذا العالم في خيالها، إيرثسي بلاد البر والبحر يتشابه جوها مع الولايات المتحدة الأمريكية وتتشابه عادات أهلها غير الصناعية مع القرن الخامس عشر.
«لوجوين» هي أشهر كاتبة خيال علمي وفانتازيا وأدب طفل في الولايات المتحدة الأمريكية، في 1968، وقبل عقود من ظهور روايات هاري بوتر الشهير، تبدأ «لوجوين» كتابها «ساحر من إيرثسي» استجابة لناشر طلب منها الكتابة للناشئة، وبعد تفكير قررت أن تكتب هذا الكتاب، عن النضج وبلوغ الرشد.
تبدأ الرواية بسؤال غير معلن عن كيفية بدء السحرة الكبار حياتهم، هل يولدون حكماء بعصي سحرية وذقون بيضاء؟ أم أنهم يبدأون حياتهم أطفالاً ومراهقين محاطين بالصعوبات والتجارب المؤلمة صعبة النسيان؟، هكذا يبدأ السؤال ومثل كل الحكايات يقودنا السؤال للمزيد من الأسئلة حول الناس والحياة والموهبة والفن والخير والشر، وتصبح الرواية حكاية حقيقية وإن كانت متخيلة، فهي ممتعة للكبار الذين يعيشون ويموتون دون نضج فهي رحلة واقعية رغم كونها فانتازيا عن عالم آخر.
لكن لماذا الفانتازيا؟ تقول لوجوين إن الفانتازيا هي النمط الأدبي الأفضل لرحلة النضج هذه، لأن الفانتازيا برموزها البدائية (الساحر، الظل، الشبح، السيف، المتاهة، الخاتم، الرحلة) هي الأفضل في نقل عمق الرحلة النفسية، داخل العقل الباطن التي يقطعها الإنسان لفهم نفسه ولتحقيق النضج.