أزمة الأسمدة في بدلجا وديرمواس تكشف عن عيوب في النظام الزراعي.. دعوات لفتح تحقيق سريع لضمان الأمن الغذائي.

يمثل السماد والكيماوي العمود الفقري لأي عملية زراعية ناجحة، فالأرض والمياه لا يكفيان وحدهما دون دعم الأسمدة التي تغذي التربة وتساعدها على الإنتاج، غير أن الأزمة التي يعيشها الفلاح المصري اليوم، خاصة في بعض مراكز محافظة المنيا مثل قرية دلجا وديرمواس، كشفت عن خلل كبير في منظومة توزيع السماد، وألقت بظلالها الثقيلة على صغار المزارعين الذين باتوا عاجزين عن توفير أبسط مستلزمات الزراعة.
اقرأ أيضا: أهالي قرية دلجا يستغيثون بالمحافظ بسبب نقص الخدمات
الأمر لم يعد مجرد أزمة أسعار أو نقص عرض وطلب، بل تحول إلى قضية أمن غذائي ترتبط مباشرة بمستقبل الأرض والفلاح، بل وبقدرة مصر على الاستمرار في تحقيق الاكتفاء الزراعي.
ووجه أحمد صابر الشيمي، أحد المهتمين بخدمات قرية دلجا بالمنيا، ومعه بعض من أهالي البلد حول السماد في الريف المصري وخاصة في قرية دلجا إلى وزير الزراعة الدكتور علاء الدين فاروق والسيد محافظ المنيا اللواء عماد كدواني والدكتور رجب قياتي رئيس مجلس مدينة ديرمواس والأستاذ محمد سيد رئيس مجلس قروي دلجا وإلى مديرية الزراعة في المنيا والإدارة الزراعية في ديرمواس وقال: «الفلاح البسيط يذهب إلى الجمعية الزراعية لشراء شِيكارة السماد بالسعر المدعوم البالغ 265 جنيهًا، فيفاجأ بأن “الكميات غير متوفرة” يخرج مكسور الخاطر ليجد نفس الشِيكارة معروضة في السوق السوداء بسعر 1300 جنيهًا، أي أكثر من خمسة أضعاف السعر الرسمي».
هذا الفارق الصادم يطرح أسئلة مشروعة:
كيف تُسرب هذه الكميات من الجمعيات إلى السوق السوداء؟
من المستفيد من هذه الفجوة السعرية؟
ولماذا لا تصل الحصص لمستحقيها الحقيقيين من صغار المزارعين؟
الحيازات الكبيرة والحيازات الوهمية
تشير الشكاوى المتكررة إلى أن أصحاب الحيازات الكبيرة يحصلون على كميات ضخمة من السماد المدعوم، تتجاوز أحيانًا حاجتهم الفعلية، ويتم بيع الفائض في السوق السوداء لتحقيق أرباح خيالية.
الأمر لم يتوقف هنا، بل ظهرت أيضًا حيازات وهمية يتم استخراجها بطرق ملتوية، بغرض الاستفادة من الدعم وصرف كميات إضافية دون وجه حق. هذه الممارسات تُعتبر سرقة علنية، تضيع حق الفلاح الصغير وتستنزف دعم الدولة.

معاناة صغار المزارعين
الفلاح الذي يملك خمسة قراريط أو فدانًا واحدًا، يجد نفسه مضطرًا للوقوف في طوابير طويلة أمام الجمعيات الزراعية، يتعرض للتأجيل المتكرر والتسويف بعبارات مثل: “عدي علينا بكرة”، “مفيش دلوقتي”، “استنى الدور”.
وفي النهاية، يخرج الفلاح صفر اليدين، الأرض تُحرم من السماد، والإنتاجية تتراجع، بينما تتضاعف تكاليف الزراعة. كثيرون أصبحوا يلجأون إلى شراء السماد من السوق السوداء، وهو ما يعني استنزاف دخلهم الهش أصلًا، أو ترك الأرض تبور لعدم القدرة على زراعتها.
دور الدولة والدعم الحكومي
الدعم الذي تقدمه الدولة في مجال الأسمدة ليس ترفًا، بل هو حق أصيل للفلاح الصغير، وأداة لضمان استمرار العملية الزراعية. لكن حين يتحول هذا الدعم إلى أداة للتربح من قبل بعض التجار أو أصحاب النفوذ، يفقد معناه ويصبح عبئًا على الدولة والفلاح في آن واحد.
إن دعم السماد أُقرَّ أساسًا من أجل الفلاح البسيط، لا من أجل أن يتحول إلى سلعة يتاجر بها البعض في السوق السوداء. وهنا تكمن المسؤولية في الرقابة الصارمة والتوزيع العادل.
مقترحات للحل
انطلاقًا من هذه الأزمة، يطالب الفلاحون والمهتمون بالشأن الزراعي بعدد من الإجراءات العاجلة، أبرزها:
1. فتح تحقيق فوري في الجمعيات الزراعية بمركز ديرمواس وقرية دلجا، للتأكد من سلامة التوزيع.
2. إجراء مراجعة شاملة للحيازات الزراعية، للكشف عن الوهمية منها وإلغائها فورًا.
3. نشر كشوف توزيع شفافة بالأسماء والكميات على مستوى القرى والمراكز، حتى يعرف الجميع من حصل على ماذا.
4. تخصيص حصص عادلة لصغار المزارعين باعتبارهم الأكثر احتياجًا للدعم.
5. تشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه في تسريب السماد المدعوم إلى السوق السوداء.
6. ربط تأجير الأراضي الزراعية بحصة الكيماوي، بحيث يحصل المستأجر على الدعم مع الأرض وليس المالك فقط، ضمانًا لاستمرار الزراعة.
مسؤولية مشتركة
القضية ليست مجرد أزمة محلية تخص المنيا أو دلجا وحدها، بل هي مرآة لمشكلة أوسع قد تمتد إلى محافظات أخرى. إذا لم يتم التعامل معها بحزم، فإن انعكاساتها ستكون خطيرة على مستوى الأمن الغذائي لمصر كلها.
المسؤولية هنا لا تقع على وزارة الزراعة وحدها، بل تمتد إلى مجلس الوزراء، والمحليات، والأجهزة الرقابية، والجمعيات التعاونية، لأن الأمر يمس كل مواطن مصري يتأثر بارتفاع أسعار الغذاء.
السماد ليس مجرد مادة كيماوية تُضاف إلى الأرض، بل هو شريان حياة للفلاح وللزراعة المصرية. وأزمة توزيعه الحالية تكشف عن ثغرات في الرقابة والشفافية تحتاج إلى تدخل عاجل.
إن ترك الفلاح الصغير يواجه مصيره وحده أمام جشع التجار وغياب الرقابة، يعني ببساطة تهديد مستقبل الزراعة المصرية، لذا، فإن التحرك السريع ليس خيارًا، بل ضرورة لحماية الأرض والإنسان، وضمان استمرار الإنتاج الزراعي الذي يمثل صمام أمان للأمن القومي.