عز الدين الهواري يكتب: العرب… من خوف هزّ إسرائيل إلى عصر الانكسار والمهانة

عز الدين الهواري يكتب: العرب… من خوف هزّ إسرائيل إلى عصر الانكسار والمهانة

في العقود الماضية، كانت إسرائيل تحسب ألف حساب قبل أن تقدم على أي خطوة ضد الفلسطينيين. لم يكن ذلك بدافع الرحمة أو القانون الدولي، بل خوفًا من رد الفعل العربي. كان الحاكم العربي – رغم عيوبه – يحمل في داخله بقايا من الوطنية، ويحافظ على الحد الأدنى من الكرامة القومية، وكانت الشعوب العربية تقف خلفه صفًا واحدًا.

لكن عام 1979 كان نقطة الانكسار الكبرى. اتفاقية كامب ديفيد لم تكن مجرد ورقة سياسية، بل كانت بوابة لحقبة جديدة من “تهجين” الأنظمة العربية، وانتقالها تدريجيًا من خانة الحذر والمواجهة إلى خانة الخضوع والتطبيع. قبل ذلك التاريخ، لم يكن في دائرة الخيانة إلا قلة معدودة يمكن عدّها على أصابع اليد الواحدة، أما بعده فقد انفرط العقد، وتحوّل الموقف العربي إلى انحناء متواصل أمام الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

في الماضي، كانت واشنطن قادرة على كبح جماح الكيان الصهيوني إذا تجاوز الخطوط الحمراء، ليس حبًا في العرب، بل حفاظًا على مصالحها في المنطقة. أما اليوم، فقد أصبح أمن الحاكم العربي مرادفًا لأمن إسرائيل، وأصبح الاعتراض على إجرامها يوازي – في نظر تلك الأنظمة – تهديد أمن النظام نفسه. الشعوب، بدورها، أُخضعت وأُنهكت حتى فقدت القدرة على الفعل، وسقطت في مستنقع الذل والصمت.

النتيجة اليوم هي مشهد غزة: إجرامٌ منفلت، وزراء متطرفون وقتلة في حكومة الاحتلال، لا يخشون عقوبات ولا يبالون بقرارات أمم متخاذلة. أكثر من مئتي ألف طفل وامرأة وشيخ سقطوا بين قتيل وجريح في حرب إبادة مفتوحة، بينما يتفرج العالم ويكتفي الغرب بترديد شعارات كاذبة عن “حل الدولتين” و”حق الفلسطينيين”، دون أن يخطو خطوة واحدة لمنع المجزرة.

إن الحقيقة التي يحاولون إخفاءها واضحة وضوح الشمس: العرب وحدهم هم الخطر الحقيقي على إسرائيل، والعرب وحدهم القادرون على تركيعها، لكن ذلك مشروط بإرادة حرة وقدرة حقيقية على كسر قيود العجز والذل. أما الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع تركها تُباد، فهو ليس سوى قناع يخفي الشراكة في الجريمة.

كيف لأقل من سبعة ملايين صهيوني أن يركّعوا أكثر من 450 مليون عربي؟ كيف استطاعوا أن يخضعوا قادة الغرب، ويجعلوا الكونغرس الأمريكي نفسه أداة في يدهم؟ إنها قوة المال، وجبروت المصالح، والخوف على المكاسب.

أما أوروبا، فقد خلع كثير من قادتها آخر أقنعة الحياد، ووقفوا صراحة في صف القاتل. رؤساء حكومات وبرلمانات صفقوا لجرائم الحرب، ووزراء خارجية برروا قصف المستشفيات والمدارس، ورؤساء جمهوريات زعموا أن “إسرائيل تدافع عن نفسها” وهي تمارس أبشع صور الإبادة. حتى بعض من ادّعى “الدفاع عن حقوق الإنسان” في أوروبا، انكشف على حقيقته حين تحوّل إلى شريك في الجريمة، بالسكوت، أو بالمشاركة في تسليح القاتل، أو بتجريم كل صوت يفضح المجزرة. لقد أثبتت هذه المواقف أن ما يسمى بـ”القيم الأوروبية” مجرد شعارات للاستهلاك، تسقط أمام أول اختبار يختبر علاقتها باللوبي الصهيوني ومصالح المال والنفوذ.

واليوم، غزة على موعد مع احتلال جديد، في ظل مجاعة قاتلة ودمار شامل جعلها مجرد أطلال. المخطط النهائي هو استكمال الإبادة، حتى يصل عدد ضحايا القتل والتجويع إلى أكثر من ربع سكان القطاع، وسط تنديدٍ عربي وغربي لا يقل في وصفه عن المشاركة الفعلية في الجريمة. لم يحدث في تاريخ البشرية أن صمت العالم على إبادة شعب بأكمله كما يحدث الآن مع أطفال ونساء وعجائز غزة. وسوف يسجل التاريخ هذا العار، ويلطّخ به جبين شعوب وحكام العرب، فقط لأنهم عرب ومسلمون.

لكن إذا تحدثنا عن الإيمان، فإننا نعرف أن قدرة الله والمقاومة قادرتان على ردع هذا الكيان الإجرامي، وأن جيلًا سيأتي، عاجلًا أو آجلًا، لينفض التراب، ويزيح الذل، ويكتب الفصل الأخير من هذا الاحتلال. حينها، لن تنفع إسرائيل لا قوتها العسكرية ولا حلفاؤها، لأن الشعوب إذا نهضت، سقطت كل المعادلات.