عبد الغني الحايس يكتب: العدل هو عدو الخوف

عبد الغني الحايس يكتب: العدل هو عدو الخوف

الخوف شعور طبيعي، يدركه الانسان عند الشعور بالخطر، وتختلف درجته طبقا لردود فعل الانسان، ويؤدي الي تغيرات سلوكية تظهر عليه، ويشعر بالاضطراب والرغبة في الهروب والانطواء والاختباء.

تختلف أسباب الخوف طبقا لشخصية كل شخص، من يخاف من الحيوانات، الظلام، المجهول. وقد يكون الخوف نفسيا، واجتماعيا، وغيرها من الأسباب الاخري التي تؤدي الي الخوف.

هناك من يدعون عدم الخوف، يتحدون الرغبة والفطرة الإنسانية، يتظاهرون بالقوة والعناد، يغلبهم الشيطان ويسيطر علي مخيلتهم، زنهم أقوياء، قلوبهم جامده لا يخشون شيء.

قد تصادف مثل هؤلاء المتهورين، ديكتاتورين، بلطجية، ذو نفوذ صارخ، يفرضون منطق العنف في كل تصرفاتهم، يغيبون العقل من أجل فرض سيطرتهم، وإثبات انهم أقوياء لا يخافون، ولا يحترمون القانون، والتوبة لا تعرف لهم طريقا الا فيما ندر.

كما يقوم بعض رجال الاعمال باستغلال قوة وضعهم المالي بفرض نفوذهم وسيطرتهم في محيطهم، ويتصرفون بكبرياء، وعلياء، وكأن التواضع ليس في قاموسهم، يفرضون الخوف علي من يتعاملون معهم.

ويخاف البعض من فقدان الرزق، ولو كان لديهم ذرة من ايمان لعلموا ان الرزق بيد الله، وان الامة لو اجتمعت علي ان تنفعه بشيء لن تستطيع الا بإذن الله.

وهناك من يتنازل عن مبادئه وأخلاقياته خوفا من زوال نعمه أنعم الله بها عليه، كفقدان منصب او وظيفه وغيرها من الأمور التي يرتكب في سبيلها حماقات، بدعوي البقاء طويلا في مكانه.

تاريخنا الكبير والمشرف سرد لنا كثيرا من قصص البطولة والفداء، من قدم حياته في سبيل ايمانه بوطنه، دفاعا عن ارضه وحمايه لسمائه، أشاحوا الخوف من قاموسهم، وأقدموا علي التضحية بحياتهم، لم يخافوا الموت، بل ذهبوا الية بإرادتهم دفاعا عن شرف وطنهم وطمعا في الشهادة وثوابها.

لا أدري لماذا أكتب عن الخوف، هل هو رغبتي في عدم الخوف؟ أو الهروب منه، أو ادعائي بعدم الخوف.

لكن من الواضح أننا جميعا ينتابنا الخوف، خوفا من شيء ما لكل فرد فينا ينتابه هذا الشعور الفطري.

الغني يخاف من الفقر، بل يخاف من خسارته الصفقات، من انهيار نفوذه، وفقد احترامه، فالمال أعطاه تلك الهيبة، فهو خائف ويطارده الخوف دائما.

والمريض يخاف من الموت، والخوف يؤجل شفائه، فالشفاء رغبه في البقاء، يقهر فيها المريض خوفه، ولكن البعض يموت مرتين أحيانا كثيرة.

أصحاب النفوذ والمناصب يطاردهم خوف انهيار تلك السلطة المؤقتة، ولا يعلمون أنه لا توجد سلطة دائمة، منهم من يتعامل مع المواطنين بغطرسه، فقد أبهرته السلطة بكل بريقها، هزمه كبريائه ولم يري سوي الكرسي، مع ان لعبة الكراسي متغيرة لا تدوم لأحد.

نحن من نصنع الفرعون في أي مكان بدون استثناء، خوف الناس المطلق، من غياب القانون والعدالة، غياب المساواة، انتشار الرشوة والمحسوبية، تقسيم الناس الي طبقات، فالقانون لا يعرف سوي الضعفاء، ومسلوبي النفوذ، هم ضعفاء، يعيشون داخل خوفهم، يسيطر عليهم دائما، فيعيشون دائما في خوف يخلق منهم ضعفاء.

عندما قامت ثورة يناير ٢٠١١ رفعنا شعار أنها كسرت حاجز الخوف والصمت، فقد تحرر الشعب من خوفه، فانتفض وصنع ثورة مجيدة أطاحت برأس النظام، لكن غياب الامن، وانتشار الفوضى بعد تلك الثورة، كان يجب ان يتبعه صرامة شديدة لفرض الأمان والسلام، وضبط الاستقرار.

الخوف لا يجب أن يخلق فوضي، انما يجب ان ننشده احتراما للقانون والدستور، احتراما للعادات والتقاليد، احتراما للهوية المصرية وثقافتنا، أن يحترم الجميع لبعضهم البعض، احتراما للإنسان وحقوقه، تقديرا لرغباته، لطموحاته، لأولوياته، فإقامه دولة العدل هي تبديد الخوف.

ويبقي الخوف الطبيعي من الله، من عذابه، من الخطيئة، من ارتكاب المعصية، من موت الضمير، من الوقوع في طريق المعاصي بكل صورها وأشكالها، فالمؤمن الحق مهما كان دينه، هو من يخشي الله، من يخشي عقابه، من يعمل علي رضاه، ويقيم الامر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويبتعد عن ارتكاب الذنوب كبيرها وصغيرها، وان حدث ذلك فسنكون وصلنا الي المدينة الفاضلة.

فالله خلق الجنة والنار، وخلق لنا عقولا نفكر ونقرر، فلنجعل خوفنا مرضاه الله، وقتها سنكون أسوياء، تعيش في عالم من المحبة والتسامح والتواضع والعطف.