إبراهيم عبد المجيد يكتب لـ”الحرية”: سوق الإدمان

إبراهيم عبد المجيد يكتب لـ”الحرية”: سوق الإدمان

قرأت أخبارا كثيرة منذ سنوات بعيدة عن بعض مصحات علاج الإدمان، وكيف إنها كثير منها غير مرخصة. كانت هذه الأخبار تتناثر في الصحف أو على السوشيال ميديا، بسبب حادثة وقعت بالمصحة، مثل موت أحد النازلين بها، أو هروبه وعودته لبيت أسرته يسرق مالا يشتري به ما أدمن عليه. أي لم تكن من متابعة حقيقية لحال مصحات الإدمان. كان

المتضرر من الحدث ينشر الخبر وتنتهي القصة. قرأت طبعا أن الحكومة قررت إغلاق المصحة التي حدث بها ما حدث، لكن نادرا ما تحقق اغلاق أي مصحة. المشكلة في المصحات غير المرخصة إنها خارج القانون في كل شيء طالما تتركها الحكومة. تابعت المقالات الرائعة للعزيز عمرو إمام المحامي والصحفي والناشط السياسي الذي عانى من الإدمان، وأنفق سنوات من عمره حتى تم له الشفاء. أهمية هذه الأحاديث إنها لم تكن عارضة، ولم تستند إلى أقوال، بل جاءت من خبرة حقيقية بحال المصحات ومتابعتها، مما يجعل لها أهمية كبيرة خاصة ما نادي به أن يكون علاج الإدمان حق من حقوق الإنسان. هذه النقطة بالذات تحتاج التفافا حولها من كل من

يستطيع المساهمة في تحقيقها، فمنظمات حقوق الإنسان معنية بعملها الرئيسي، وهو حرية الرأي والتعبير ومتابعة السجون

والمعتقلات، لكن إضافة هذه النقطة إلى عملها أمر هام جدا، وأنا أضم صوتي إليه فيها حقا الإدمان ليس عملا سياسيا وليس وراءه حكومة تدفع الناس إليه بشكل مباشر، لكن كلنا نعرف الآن إنه في الأحياء العشوائية تمتلئ الحارات بالمدمنين، وبائعي أقراص الإدمان التي فاقت الخيال في عددها أو تأثيرها المدمر، وهذا يطرح سؤالا مهما هو كيف تدخل مواد الإدمان البلاد، أو كيف يتم تهريبها إليها؟ هل عن طريق الموانئ والمطارات أم عن طريق سري لسفن تنقلها إلى مناطق في الشواطئ يعرفها تجار الحبوب، يستقبلونها بعيدا عن أعين الشرطة، ويقومون بتوزيعها في البلاد. كان ذلك يحدث قبل انتشار حبوب الإدمان مع الحشيش، فكانت تأتي سفن من المغرب العربي حاملة له، تفرغ حمولتها على شاطئ البحر المتوسط بالصحراء الغربية، يتلقفه التجار ومنهم يصل إلى المدن الكبرى في الثمانينيات تم التضييق على الحشيش وبدأت أقراص الإدمان في الظهور وانتشرت، وتزداد كل يوم الآن، ولم يكن ذلك بعيدا عن رجال في الحكم لهم مصلحة في ذلك. بدأنا نري إغلاق غرز الحشيش ونسمع أن تعليمات

صدرت لتجار الحشيش ان يغيروا عملهم وينتقلون إلى التجارة في حبوب الإدمان. طبعا يمكن أن يكون ذلك الحديث غير صحيح، لكن ما جرى هو انتهاء عصر الحشيش الذي هو لا يسبب الإدمان، وليست له عوارض مرضية مثل حبوب

الإدمان، وجرى التوسع في حبوب الإدمان مما يوحي بصحة الأمر.

لست في حاجة إلى الحديث عن الإدمان كخطر رهيب على أصحابه، ولست في مهمة البحث عن أسبابه، لكن أهم سبب هو ظهور حبوب الإدمان بشكل كبير، ويمكن ان تغري البعض بتجريبها ثم يسقطون فيها. أي ليس كل مدمن وراءه أزمة نفسية أو اجتماعية، وإن كان أكثرهم كذلك، لكن توفر حبوب الإدمان صار سوقا مفتوحا للجميع، وهذه من عمل الحكومة فكل الحدود تحت أعينها بالكاميرات أو بحرس الحدود فكيف تمر الحبوب. هذا هو السؤال الذي يجعل رأي عمرو إمام في أن مكافحة الإدمان حق من حقوق الإنسان صحيحا. بالطبع يمكن تشديد نظام المراقبة من الحكومة، ومعه لا بد من التشديد على المصحات سواء في عملها أو طلب التراخيص. كثير من هذه المصحات بالفعل تترك المريض يخرج قبل العلاج، فضلا عن قسوة المعاملة بالداخل، وهذا يعكس نظرة دونية إلى المدمنين بأنهم لا يستحقون الحياة.