من الاكتفاء إلى الاعتماد على الاستيراد: صفقة الغاز مع إسرائيل تكشف تناقضات وعود الحكومة منذ 2018

من الاكتفاء إلى الاعتماد على الاستيراد: صفقة الغاز مع إسرائيل تكشف تناقضات وعود الحكومة منذ 2018

في مشهد بدا صادمًا لكثيرين، أعلنت إسرائيل أمس عن توقيع صفقة لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار، تمتد حتى عام 2040، ووصف مسؤولون الاتفاق بأنه «الأكبر في تاريخ صادرات الغاز الإسرائيلي»، وهو ما أعاد إلى الأذهان وعود الحكومة المصرية المتكررة منذ عام 2018 بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، بل وتصدير الفائض منه.

الصفقة أثارت عاصفة من التساؤلات:

كيف انتقلت مصر من دولة مُصدّرة وفائضة بالغاز إلى أكبر مستورد للغاز الإسرائيلي؟

وأين ذهبت تصريحات الوزراء والرئيس عن الطفرة الغازية؟

ولماذا جاء توقيع الصفقة بعد تصريحات رئاسية تؤكد أن «غزة تُستخدم كورقة سياسية»؟

فترات 2018 لـ2020: سنوات «الوعود الغازية»

بدأت الرواية الرسمية المصرية بشأن الغاز منذ سبتمبر 2018، عندما أعلن وزير البترول طارق الملا أن مصر «حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي»، وتوقفت عن الاستيراد، وبدأت تصدر الفائض.

وفي تصريحات متفرقة:

طارق الملا (2018): «مصر لن تستورد الغاز بعد الآن، نحن في طريقنا لأن نكون مركزًا إقليميًا للطاقة»

مجلس الوزراء (2019): «حققنا فائضًا في الإنتاج، ونصدر الغاز لأوروبا وآسيا»

الرئيس عبد الفتاح السيسي (2020): «لدينا اكتفاء ذاتي من الغاز، ونصدر الفائض، ده إنجاز كبير جدًا».

2025: الصفقة التي كشفت التراجع

في 7 أغسطس 2025، أعلنت إسرائيل توقيع اتفاقية لتصدير الغاز إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار لتوريد نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040.

وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفتها بـ: «الصفقة الأكبر في تاريخ صادرات إسرائيل من الغاز»، ولكن ما بين خطابات الاكتفاء الذاتي وهذه الصفقة، تبدو الصورة الرسمية متناقضة، فهل كانت الوعود مجرد دعاية؟ أم أن هناك تحولًا حقيقيًا في المشهد الطاقوي المصري؟

التراجع الخفي: كيف فشلت مصر في الحفاظ على الاكتفاء الذاتي؟

أولا: كان الاعتماد شبه الكامل على حقل ظُهر

رغم إعلان اكتشافات متعددة، ظل الإنتاج المصري معتمدًا على حقل «ظهر» الذي بدأ إنتاجه يتراجع تدريجيًا منذ 2022.

ثانيًا: انخفاض الإنتاج مقابل ارتفاع الاستهلاك

كانت البيانات الرسمية تشير إلى انخفاض الإنتاج بنسبة من 6-10% سنويًا منذ 2022.ط، وفي المقابل، ارتفع الطلب المحلي، خاصة في قطاع الكهرباء والمصانع.

ثالثًا: ضعف الاستثمار والاستكشاف

تراجعت استثمارات شركات الطاقة العالمية في مصر، مع تأخر الدولة في طرح مناطق جديدة للاستكشاف أو تطوير البنية التحتية.

من «مركز إقليمي للطاقة» إلى «أكبر صفقة استيراد»

الوعود كانت عظيمة، والاحتفالات بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز كانت صاخبة، لكن الواقع الجديد يقول إن مصر باتت تعتمد مجددًا على الاستيراد، وبصفقة قياسية مع «إسرائيل».

تبقى الصفقة، في نظر البعض، ضرورة اقتصادية تمليها حسابات الطاقة، فيما يراها آخرون امتدادًا لتنازلات استراتيجية أوسع، لكن ما هو مؤكد أن ملف الغاز في مصر لم يعد مجرد قضية اقتصادية، بل بات جزءًا من مشهد سياسي وإقليمي أكثر تعقيدًا.