صرخة ضد التعافي | الأعباء المالية الكبيرة لعلاج الإدمان.. «أسعار مرتفعة» تُعرض الشباب المدمن لمأزق صعب

كتبت: سمر أبو الدهب
اعتمدت وزارة الصحة والسكان المصرية لائحة مالية جديدة لمستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، في خطوةٌ وإن كانت تهدف لتحسين جودة الخدمة، إلا أنها جاءت بأسعار اعتبرها الكثيرون “نارية” وتجاوزت قدرة محدودي الدخل.
ففي الوقت الذي يُعد فيه الشباب، وخاصةً من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الفئة الأكثر عرضة للإدمان، تُصبح تكاليف الإقامة اليومية في المستشفيات النفسية، والتي تبدأ من 150 جنيهًا وتصل إلى 550 جنيهًا، بمثابة حاجز لا يمكن اجتيازه، هذه الأرقام، التي قد تبدو بسيطة للبعض، تتحول إلى آلاف الجنيهات شهريًا، دون احتساب تكاليف العلاج الأخرى مثل الأدوية، والتحاليل الطبية، والمتابعة.
الإدمان يُقبر أحلامًا والأسعار تدفن الأمل
الواقع أن هذه الأسعار تهدد أحلام التعافي لدى الكثير من الشباب، فكيف يمكن لشخص لا يملك قوت يومه، أو يعتمد على أسرته التي تعاني من ضغوط اقتصادية، أن يتحمل نفقات شهرية قد تتجاوز راتب موظف متوسط الدخل؟ هذا العبء المالي قد يكون السبب الرئيسي في عزوف المدمن عن البحث عن علاج متخصص وآمن، مما يدفعه إلى الاستمرار في دوامة الإدمان أو اللجوء إلى طرق علاج غير معتمدة أو خطيرة، إن توفير خدمة جيدة لا يجب أن يتم على حساب إتاحتها للفئات الأكثر احتياجًا، التي تمثل في الوقت نفسه النسبة الأكبر من المدمنين.
قوة الإرادة وحدها لا تكفي.. هل يتدخل الضمير المالي؟
صحيح أن التعافي يتطلب إرادة قوية من المريض، ولكن يجب أن يواكبه دعمٌ مادي ونفسي من الدولة والمجتمع، وتفرض هذه اللائحة الجديدة تساؤلات حول غياب البعد الاجتماعي في عملية التسعير.
يجب أن تكون هناك آليات واضحة لدعم محدودي الدخل، كبرامج المساعدات المالية، أو تفعيل دور صندوق التأمين الصحي الشامل ليشمل تغطية كاملة أو جزئية لتكاليف العلاج من الإدمان، حيث قد يؤدي تجاهل القدرة المادية للمريض إلى عواقب وخيمة على المجتمع، حيث يزداد عدد المدمنين غير المعالجين، مما يفاقم المشكلات الاجتماعية والأمنية.
لذا، يجب أن يتزامن الحرص على جودة الخدمة مع مراعاة الحالة المادية للمرضى، لأن “الضمير المالي” يجب أن يكون حاضرًا لضمان حق الجميع في التعافي والحياة الكريمة.
حكايات عن الخوف والعجز أمام الإدمان
تساؤلات عدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم رصدها لمواطنين ضاقت بهم السُبل لعدم القدرة على تكاليف العلاج من الإدمان، تؤكد الحاجة إلى أن يتزامن الحرص على جودة الخدمة مع مراعاة الحالة المادية للمرضى، لأن “الضمير المالي” يجب أن يكون حاضرًا لضمان حق الجميع في التعافي والحياة الكريمة.
سارة عادل، مواطنة تتساءل عبر منشور لها على إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “عندي مشكلة كنت عايزة لها حل. احنا اكتشفنا أن أخويا الصغير بيتعاطى مخدر الشابو، ومحدش كان يعرف، دلوقتي عايزين نعالجه، بس لقينا تكاليف علاج مصحة الإدمان غالية جدًا، وخايفة عليه أوي، عايزة أبدأ أعالجه بس مش عارفة أبدأ منين، ممكن تعرفوني أتصرف صح إزاي؟”.
وكتبت أخرى تُدعى “مها سيد”، قائلة: “جوزي كان بياخد حبوب منشطة من ساعة ما ساب شغله، وبقى عصبي جدًا، أنا خايفة على ولادي منه، وهو مش راضي يتعالج وبيقول أن أسعار العلاج غالية، وإنه ممكن يبطل لوحده في أي وقت، بس حالته بتسوء كل يوم، ومش عارفة أقنعه إزاي يروح لدكتور، ومفيش فلوس تكفي المصحات خالص”.
فينا عبرت ” سهام صلاح” في تعليق لها: “ابني المراهق بيشرب حشيش مع صحابه، ومستواه في الدراسة بقى وحش جدًا، لما سألته قاللي مفيش حاجة، وبقى عصبي وبيتعامل بعنف معايا ومع أبوه، إزاي أقدر أساعده قبل ما يضيع مستقبله؟ أنا قلبي بيتقطع عليه، ومش عارفة اعمل إيه، هل اقدر تعالجه في البيت، لإننا لما سألنا لقينا الأسعار عالية علينا أوي”.
مطالب بإلغاء القرار فورًا لما له من عواقب وخيمة
من حانبها أعربت النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في بيان صحفي اليوم، عن استيائها الشديد من قرار وزارة الصحة والسكان رقم 220 لسنة 2025، الذي ينص على زيادة أسعار الخدمات الطبية في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان بنسبة تصل إلى 900%.
ووصفت النائبة هذا القرار بأنه “غير مسؤول” ويُشكل عبئًا إضافيًا على المرضى النفسيين ومرضى الإدمان وأسرهم، وهي فئات تحتاج إلى الدعم والرعاية لا إلى المزيد من الضغوط المالية، مضيفة أن هذه الزيادة ستجبر الكثير من المرضى على التوقف عن العلاج، مما قد يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية وزيادة معدلات الانتكاس والإدمان، بل وارتفاع معدلات الانتحار.
كما طالبت عبد الناصر، بإلغاء القرار فورًا، مشددة على أن استمرار العمل به يمثل “كارثة إنسانية واجتماعية” تُفاقم من معاناة هذه الفئات المهمشة في المجتمع.