المستشار خالد خلاف يكتب لـ «الحرية»: دراسة تحليلية وتشريعية حول قانون الإيجار الجديد رقم 164 لسنة 2025 لتعزيز العلاقة بين المؤجر والمستأجر ووسائل التنفيذ العادل.

شهدت الساحة التشريعية المصرية تحولًا جوهريًا مع صدور القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 4 أغسطس 2025.
جاء هذا القانون ليضع حدًا للامتداد التاريخي لعقود الإيجار القديمة التي طالما أثارت جدلًا بين أطراف العلاقة الإيجارية، لا سيما في ظل القيم الإيجارية المتدنية وغياب التوازن بين مصالح المالك والمستأجر.
ومن هنا، فإن هذا القانون يمثل محاولة تشريعية لإعادة صياغة العلاقة التعاقدية على أسس حديثة تضمن العدالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
أولًا: نطاق تطبيق القانون
(المادة 1)
حددت المادة الأولى من القانون نطاق سريانه، حيث يسري على:
الأماكن المؤجرة لغرض السكنى للأشخاص الطبيعيين.
الأماكن المؤجرة لغير غرض السكنى للأشخاص الطبيعيين. شريطة أن تكون هذه العقود خاضعة لأحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، وهما القانونان اللذان نظما العلاقة بين المؤجر والمستأجر لعقود طويلة.
ويُفهم من هذه المادة أن القانون الجديد لا يسري على:
العقود المبرمة مع الأشخاص الاعتباريين مثل الشركات والمؤسسات.
العقود المبرمة بعد تاريخ العمل بالقانون الجديد.
العقود الخاضعة لأحكام القانون المدني.
ثانيًا: مدد إنهاء العقود الإيجارية
(المادة 2)
أوضحت المادة الثانية القواعد الزمنية لإنهاء العلاقة الإيجارية وفقًا لنوع الاستخدام:
بالنسبة للأماكن السكنية: تنتهي عقود الإيجار بانقضاء مدة سبع سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
بالنسبة للأماكن غير السكنية: تنتهي العقود بانقضاء مدة خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
كما نصت المادة ذاتها على إمكانية إنهاء العلاقة الإيجارية باتفاق الطرفين قبل انقضاء هذه المدد، وهو ما يمنح مرونة تعاقدية للطرفين في حال توصلهما لتسوية مبكرة.
إن تحديد مدد ثابتة لانتهاء الامتداد القانوني للعقود القديمة يُعد تحولًا كبيرًا في فلسفة الإيجار في مصر، ويعكس توجه الدولة نحو احترام إرادة التعاقد، وإعادة التوازن للعلاقة التي طالما مال ميزانها لصالح المستأجر.
كما أن النص على مدد انتقالية (7 سنوات للسكنى و5 لغير السكنى) يعكس رغبة المشرّع في تحقيق التدرج وتفادي الآثار الاجتماعية المفاجئة.
ويُعد تاريخ بدء سريان القانون هو اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية، أي 5 أغسطس 2025، وبالتالي:
تنتهي عقود الإيجار السكني في 4 أغسطس 2032.
تنتهي عقود الإيجار غير السكني في 4 أغسطس 2030.
وبهذا يكون القانون قد منح فترة كافية للطرفين من أجل التكيف مع النظام الجديد، سواء من حيث التخطيط للإخلاء أو إعادة توظيف العقار.
الجزء الثاني.. لجان الحصر وتحديد القيمة الإيجارية (المواد 3 إلى 6)
أولًا: لجان الحصر وتقييم المناطق
(المادة 3)
نصت المادة الثالثة على تشكيل لجان متخصصة بقرار من المحافظ المختص في كل محافظة، وتتولى هذه اللجان حصر الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وتقسيمها إلى ثلاث فئات عمرانية بحسب المستوى العقاري والاجتماعي، وهي: مناطق متميزة، مناطق متوسطة، ومناطق اقتصادية.
وقد حدد القانون المعايير التي يجب أن تستند إليها هذه اللجان عند التقسيم، وتشمل: الموقع الجغرافي للعقار، طبيعة المنطقة من حيث مستوى البناء ونوعية المواد المستخدمة، متوسط مساحات الوحدات السكنية، توفر المرافق مثل المياه والكهرباء والغاز وخدمات الاتصالات، ومستوى الخدمات الاجتماعية وشبكات الطرق والمواصلات. كما تلتزم هذه اللجان بمراعاة القيم الإيجارية السنوية المعتمدة في ضريبة العقارات المبنية وفقًا لأحكام قانون 196 لسنة 2008.
من الناحية الإجرائية، تُمنح هذه اللجان مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ بدء العمل بالقانون لإنهاء أعمالها، ويجوز لرئيس مجلس الوزراء مد هذه المدة لمرة واحدة فقط. وتُعلن نتائج الحصر بقرار رسمي من المحافظ المختص، ويُنشر القرار في الوقائع المصرية ويُعلن في وحدات الإدارة المحلية التابعة للمحافظة.
ثانيًا: تحديد القيمة الإيجارية الجديدة (المادتان 4 و5) حددت المادة الرابعة القيمة الإيجارية القانونية الجديدة للأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وذلك ابتداءً من أول موعد لاستحقاق الإيجار الشهري الذي يلي تاريخ العمل بالقانون. وجاءت القيم الجديدة على أساس مضاعفات من القيمة القانونية السارية وقت صدور القانون.
ففي المناطق المتميزة، تُحدد القيمة الجديدة بما يعادل عشرين ضعف القيمة القانونية السابقة، مع حد أدنى لا يقل عن ألف جنيه شهريًا. أما في المناطق المتوسطة والاقتصادية، فتُحدد القيمة الجديدة بعشرة أضعاف القيمة القانونية السابقة، مع مراعاة حد أدنى يبلغ أربعمائة جنيه شهريًا في المناطق المتوسطة، ومائتين وخمسين جنيهًا في المناطق الاقتصادية.
ولضمان استقرار العلاقة الإيجارية خلال الفترة الانتقالية، نص القانون على أن يُلزم المستأجر، أو من امتد إليه العقد، بسداد قيمة شهرية مؤقتة قدرها مائتان وخمسون جنيهًا، وذلك لحين انتهاء لجان الحصر من أعمالها وإعلان التصنيف النهائي للمناطق. وفي حال وجود فروق مالية بين القيمة المؤقتة والقيمة الفعلية التي ستحدد لاحقًا، تُسدد هذه الفروق على أقساط شهرية متساوية خلال نفس المدة التي استُحقت فيها.
أما بالنسبة للأماكن المؤجرة لغير غرض السكنى، فقد نصت المادة الخامسة على أن تكون القيمة الإيجارية الجديدة خمسة أضعاف القيمة القانونية السارية، وذلك ابتداءً من أول موعد لاستحقاق الأجرة بعد دخول القانون حيز النفاذ.
ثالثًا: الزيادة السنوية الدورية
(المادة 6)
كفلت المادة السادسة من القانون مبدأ التصاعد الإيجاري التدريجي، حيث نصت على زيادة القيمة الإيجارية المحددة بموجب المادتين الرابعة والخامسة سنويًا بنسبة خمسة عشر في المائة. وتُطبق هذه الزيادة بشكل دوري كل عام، ما يسهم في إعادة التوازن المالي لعوائد الملاك ويمنع ثبات القيمة الإيجارية لفترات طويلة.
إن الأحكام الواردة في هذا الجزء تمثل نقلة نوعية في فلسفة التعامل مع الإيجار في مصر. فتشكيل لجان محلية لتقييم المناطق بشكل فني ومنهجي يُعد آلية تنظيمية تضمن أن يكون التسعير معتمدًا على الواقع، وليس وفق تقديرات جزافية.
كما أن اعتماد مضاعفات على القيمة الحالية دون تحديد مبلغ موحد، يحقق مرونة مع مراعاة الفروقات بين المناطق.
كذلك، فإن التدرج في التطبيق من خلال فرض قيمة مؤقتة (250 جنيهًا) ثم تسوية الفروق لاحقًا، يمنح المستأجرين فرصة للتكيف التدريجي دون صدمة مالية. أما الزيادة السنوية بنسبة 15% فهي تعكس إدراك المشرّع لتقلبات السوق والحاجة إلى حماية حقوق المالك على المدى الطويل دون اللجوء إلى فسخ مفاجئ للعقود أو زيادات تعسفية.
الجزء الثالث
الإخلاء الإلزامي وتخصيص البدائل السكنية
(المادتان 7 و8)
أولًا: حالات الإخلاء الإلزامي
(المادة 7)
نصت المادة السابعة من القانون على إلزام المستأجر، أو من امتد إليه عقد الإيجار، بإخلاء العين المؤجرة وردّها إلى المالك أو المؤجر في نهاية المدة المحددة في المادة الثانية، وهي خمس سنوات لغير السكنى وسبع سنوات للسكنى، إلا إذا تحقق أحد السببين التاليين قبل انقضاء المدة:
حالة ترك العين مغلقة: إذا ثبت أن المستأجر، أو من امتد إليه العقد، قد ترك المكان المؤجر مغلقًا لمدة تزيد على سنة كاملة دون مبرر قانوني أو واقعي، فإن ذلك يُعد سببًا مشروعًا للإخلاء.
حالة امتلاك وحدة بديلة: إذا ثبت أن المستأجر أو من امتد إليه العقد يمتلك وحدة أخرى صالحة للاستخدام بذات الغرض الذي أُجّرت من أجله العين الحالية، سواء كانت سكنية أو غير سكنية، فإن استمرار إشغاله للعقار لم يعد له ما يبرره.
وفي حال امتناع المستأجر عن الإخلاء رغم توافر إحدى الحالتين المذكورتين، يُمنح المالك أو المؤجر الحق في التقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة للحصول على أمر بطرد المستأجر، دون حاجة إلى رفع دعوى موضوعية، ودون الإخلال بحق المؤجر في المطالبة بالتعويض إن كان له مقتضى.
ومع ذلك، أجاز القانون للمستأجر أو من امتد إليه العقد الطعن على أمر الطرد من خلال رفع دعوى موضوعية أمام المحكمة المختصة، مع التأكيد على أن رفع الدعوى لا يوقف تنفيذ أمر قاضي الأمور الوقتية، وذلك حفاظًا على سرعة استرداد العين.
هذه المادة تمثل تحولًا في فلسفة الحماية المطلقة للمستأجر، إذ قيّدت امتداد العقد بشرط الاستخدام الفعلي وغياب البدائل. كما أن منح المالك وسيلة قانونية عاجلة (أمر الطرد من القاضي) يُعيد التوازن ويحول دون التعسف في البقاء في العين المؤجرة، مع منح المستأجر ضمانة قضائية لاحقة للطعن، ما يحقق التوازن بين السرعة والعدالة.
ثانيًا: أولوية تخصيص وحدات بديلة من الدولة
(المادة 8)
حرص المشرّع في هذه المادة على التخفيف من آثار إنهاء العلاقة الإيجارية، وذلك من خلال منح المستأجرين الخاضعين للقانونين السابقين (49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981)، أو من امتد إليهم العقد، حق التقدم بطلب لتخصيص وحدة سكنية أو غير سكنية من الوحدات المتاحة لدى الدولة.
ويشترط لتقديم الطلب أن يكون ذلك قبل انتهاء المدة المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون، وأن يُرفق بالطلب إقرار كتابي بالإخلاء وتسليم العين المؤجرة فور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة الجديدة.
وقد ألزم القانون مجلس الوزراء، بناءً على عرض وزير الإسكان، بإصدار قرار خلال ثلاثة أشهر من بدء العمل بالقانون يتضمن القواعد والإجراءات اللازمة لتلقي الطلبات وترتيب أولويات المتقدمين وتحديد الجهات المسؤولة عن تخصيص الوحدات.
وأكدت المادة على أولوية التخصيص للمستأجر الأصلي أو زوجه إذا كان هو من امتد إليه العقد، شريطة أن يكون ذلك قبل عام واحد على الأكثر من تاريخ انتهاء العلاقة الإيجارية وفقًا للقانون.
وفي حال إعلان الدولة عن طرح وحدات جديدة سكنية أو غير سكنية، يكون للمستأجر أو من امتد إليه العقد الأولوية في الحصول على واحدة منها، بشرط أن يُرفق طلبه بإقرار إخلاء، على أن يتم ترتيب الأولوية حسب طبيعة المنطقة والضوابط التي تحددها الجهة المعلنة.
تُعد هذه المادة من أهم الضمانات الاجتماعية التي يوفرها القانون، إذ تضع الدولة في موضع الطرف الثالث الضامن لاستقرار الأسر المتضررة من إنهاء العقود الممتدة. كما أن اشتراط الإقرار المسبق بالإخلاء يعكس فلسفة التبادل العادل: وحدة بديلة مقابل التخلي عن الامتداد.
ويعزز هذا التوجه مبدأ العدالة الاجتماعية، خاصة للفئات غير القادرة على توفير بديل سكني فوري. إلا أن نجاح هذا النظام مرهون بمدى التزام الدولة بتوفير وحدات كافية، وسرعة البت في الطلبات، وشفافية ترتيب الأولويات.
الجزء الرابع
إلغاء القوانين السابقة، سريان القانون، والتوصيات الختامية (المادتان 9 و10)
أولًا: إلغاء القوانين السابقة
(المادة 9)
نصت المادة التاسعة على إلغاء مجموعة من القوانين السابقة المنظمة لعلاقة الإيجار الممتد، وذلك دون إخلال بما ورد بالمادة الثانية الخاصة بمدد انتهاء العقود. وتشمل القوانين الملغاة:
القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
القانون رقم 136 لسنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن.
القانون رقم 6 لسنة 1997، وتحديدًا المادة 29 التي كانت تنظم الامتداد للأقارب من الدرجة الأولى بعد وفاة المستأجر الأصلي.
كما قررت المادة إلغاء كل حكم يخالف أحكام هذا القانون الجديد، على أن يبدأ إلغاء هذه التشريعات من اليوم التالي لانقضاء مدة السبع سنوات المنصوص عليها في المادة الثانية (أي في 5 أغسطس 2032).
ما يميز هذا الإلغاء هو أنه مؤجل التنفيذ، حيث ربط المشرّع سحب الأثر القانوني للقوانين السابقة بانتهاء المهلة الانتقالية، وذلك احترامًا لمراكز قانونية استقرت لعقود طويلة، وفي الوقت ذاته تمهيدًا لتطبيق منظومة إيجارية حديثة لا تقوم على الامتداد الإجباري.
هذا النهج المتدرج يُعد الأكثر اتزانًا من الناحية الدستورية، لأنه يمنع مفاجأة الأطراف ويمنحهم وقتًا كافيًا لإعادة ترتيب أوضاعهم.
ثانيًا: بدء سريان القانون
(المادة 10)
أوضحت المادة العاشرة أن القانون يُنشر في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ النشر، وهو ما حدث فعليًا بتاريخ 5 أغسطس 2025، باعتبار أن النشر تم في العدد المكرر (31) من الجريدة الرسمية في 4 أغسطس 2025.
وبذلك، فإن جميع الآجال، الحقوق، والالتزامات المنصوص عليها في هذا القانون تحسب اعتبارًا من ذلك التاريخ.
اعتماد تاريخ العمل بالقانون من اليوم التالي للنشر، وليس من تاريخ إصدار القانون أو نشره فقط، يعكس التزامًا دستوريًا بالوضوح وتحديد الأثر الزمني.
كما أن هذا التحديد الحاسم يُسهم في ضبط مواعيد انتهاء العقود بدقة، سواء للسكنى أو غير السكنى.
الجزء الخامس
ضمانات التطبيق العادل.. مقترحات تشريعية لتحقيق التوازن بين المؤجر والمستأجر
رغم ما يمثّله القانون رقم 164 لسنة 2025 من خطوة فارقة في تنظيم العلاقة الإيجارية، وإعادة الاعتبار للملكية الخاصة، إلا أن تحقيق العدالة التشريعية لا يُختزل في النصوص وحدها، بل يتطلب توافر بيئة تنفيذية منضبطة تُراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وتحديات الواقع الميداني.
فمن خلال استقراء آليات تطبيق القانون، يتبيّن أن مدى فاعليته لا يقف عند وضوح مواده، بل يمتد إلى الأدوات المكملة التي تضمن إنفاذه على نحو عادل ومستقر، دون المساس بحقوق أي من طرفي العلاقة. ولهذا، تبرز الحاجة إلى تبني مجموعة من التدابير التنظيمية المساندة، يُمكن تضمينها في اللائحة التنفيذية أو إقرارها عبر تعليمات وزارية، بما يحقق الأهداف التالية:
صون حق المؤجر في استيفاء الفروق الإيجارية القانونية دون مماطلة.
تجنّب الإخلاء القسري الناتج عن قرارات مفاجئة أو التزامات تراكمية مرهقة.
تمكين المستأجر محدود الدخل من ترتيب أوضاعه دون إخلال بالتزاماته القانونية.
هذه المقترحات لا تنطوي على تعديل جوهري للقانون، بل تُعد امتدادًا تنظيميًا ضروريًا لفلسفته، تستند إلى مبادئ دستورية راسخة، أبرزها: حماية الملكية، وضمان السكن الآمن، وتحقيق التوازن في العلاقة التعاقدية.
أولًا: إنشاء لجنة طعون لضمان الرقابة القضائية على قرارات الحصر والتقييم
نص القانون رقم 164 لسنة 2025 على تشكيل لجان فنية محلية تتولى تصنيف المناطق العقارية إلى ثلاث فئات: متميزة، متوسطة، أو اقتصادية، وهي تصنيفات ترتب آثارًا مالية مباشرة على المستأجرين عبر فروق إيجارية قد تُضاعف القيمة التي اعتادوا سدادها. ورغم أهمية هذه اللجان في إعادة ضبط المعادلة السوقية، فإن قراراتها تبقى صادرة عن جهة إدارية ذات طابع فني، مما يقتضي توفير وسيلة طعن موضوعية تكفل الرقابة القضائية، وتحقق مبدأ تكافؤ السلاح بين المؤجر والمستأجر.
لذلك يُقترح إنشاء لجنة طعون شبه قضائية في كل محافظة، تختص بالنظر في الاعتراضات المقدمة على قرارات لجان الحصر، سواء من المؤجرين أو المستأجرين، وتتشكل برئاسة قاضٍ منتدب من مجلس الدولة أو إحدى الهيئات القضائية، وعضوية كل من:
خبير تقييم عقاري معتمد.
ممثل عن وزارة الإسكان أو الوحدة المحلية.
عضو قانوني من النقابة أو الجهة المختصة.
الضوابط الإجرائية المقترحة لهذه اللجنة:
تقديم الطعن خلال (60) يومًا من تاريخ إعلان قرار التصنيف.
البت في الطعن خلال مدة لا تتجاوز (30) يومًا، بموجب قرار مسبب.
لا يُوقف الطعن تنفيذ القرار، إلا إذا قررت اللجنة خلاف ذلك استنادًا إلى جدية الأسباب.
يجوز الطعن على قرارات اللجنة أمام المحكمة المختصة خلال المدة القانونية.
وجود هذه اللجنة لا يمس اختصاص اللجان الفنية، بل يُشكّل ضمانة لازمة لتصحيح أية أخطاء أو تقديرات غير واقعية، ويعزز الرقابة المتبادلة بين السلطة الإدارية والسلطة القضائية، في إطار سيادة القانون وحماية الحقوق المتوازنة.
ثانيًا: آلية تقسيط الفروق الإيجارية لتخفيف الأعباء دون الإخلال بحقوق المؤجر
يُعد التزام المستأجر بسداد الفروق الإيجارية الناتجة عن تطبيق التصنيف الجديد أحد أبرز التحديات العملية، لا سيما في الحالات التي يتأخر فيها صدور قرار اللجنة المختصة، فيستمر المستأجر في دفع القيمة المؤقتة (250 جنيهًا)، بينما تتراكم عليه فروق بأثر رجعي فور إعلان القيمة القانونية.
هذه الفروق، رغم كونها حقًا مشروعًا للمؤجر بموجب القانون، قد تُشكّل عبئًا مفاجئًا يعجز المستأجر محدود الدخل عن مواجهته دفعة واحدة، مما يعرّضه لخطر الإخلاء.
ولتفادي هذا السيناريو، دون الإخلال بحقوق المالك، يُقترح تبني آلية تقسيط منظمة لهذه الفروق، وفق الضوابط التالية:
مدة التقسيط لا تقل عن ضعف فترة الاستحقاق، فإذا تراكمت الفروق خلال 6 أشهر، تُقسّط على 12 شهرًا على الأقل.
لا يجوز أن يتجاوز القسط الشهري 50% من القيمة الإيجارية القانونية، حفاظًا على الحد الأدنى من الدخل المتاح للمستأجر.
سداد أول قسط بموجب الجدول المعتمد يُعد مانعًا قانونيًا من رفع دعوى إخلاء بسبب التأخير في دفع الفروق.
يتم توثيق الجدولة بموجب نموذج رسمي صادر عن الجهة الإدارية المختصة، ويوقعه الطرفان لضمان الشفافية والالتزام.
في حالة تخلف المستأجر عن سداد قسطين متتاليين دون عذر مقبول، يحتفظ المؤجر بحقه في المطالبة القضائية بكامل المبلغ المتبقي.
تُجسد هذه الآلية فلسفة العدالة الاجتماعية التي لا تُسقط الحقوق ولا تعفي من الالتزام، لكنها تُراعي القدرة الفعلية على السداد. وهي أقرب إلى مفهوم “التمويل الاجتماعي” منه إلى الإعفاء، حيث يُمنح المستأجر فرصة قانونية لتسوية التزاماته بشكل مرحلي، دون تعثر أو نزاع قضائي.
ثالثًا: تمويل بنكي ميسر بلا فوائد لدعم سداد الفروق الإيجارية
رغم أهمية تقسيط الفروق الإيجارية كحل تنظيمي لتخفيف العبء على المستأجر، إلا أن بعض الحالات — خاصةً من أصحاب الدخول المحدودة — قد لا يكونون قادرين على السداد حتى بالأقساط، ما يعرّضهم حتمًا لخطر الإخلاء القانوني.
ولتجنب هذا المصير، دون المساس بحق المؤجر في استيفاء مستحقاته، يُقترح استحداث آلية تمويل اجتماعي من خلال قرض حسن (بدون فوائد) يُمنح للمستأجر خصيصًا لسداد الفروق الإيجارية المتراكمة نتيجة تطبيق القانون الجديد.
ملامح التمويل المقترح:
يُمنح القرض من خلال بروتوكول تعاون بين وزارة الإسكان وبنك حكومي (مثل البنك الأهلي المصري أو بنك مصر).
يُشترط لاستحقاق القرض تقديم ما يُثبت أن دخل المستأجر لا يتجاوز حدًا معينًا (مثلاً 8,000 جنيه شهريًا).
تُسدد قيمة القرض على فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، بأقساط لا تتجاوز 25% من الدخل الشهري المثبت.
يُعفى القرض من أي فوائد أو رسوم إدارية، ويُعد دعمًا غير مباشر لضمان استمرار العلاقة الإيجارية.
يمكن ربط السداد بوسائل مضمونة مثل التحويل البنكي المباشر أو الخصم من المعاشات/الرواتب أو الدعم النقدي الحكومي.
تتولى الوحدات المحلية أو مكاتب الإسكان بالمحافظات فحص الطلبات والتحقق من الأهلية بالتنسيق مع الجهات المالية.
هذا التمويل لا يُعتبر منحة، ولا يخل بالتزامات المستأجر، بل يوفر له أداة إنقاذ قانونية تسمح له بالوفاء بالتزاماته دون تعثر أو تهديد سكني، وفي الوقت ذاته تضمن للمؤجر حقوقه كاملة بطريقة آمنة ومنظمة.
رابعًا: دعم تمليك وحدة بديلة للمستأجر عبر تمويل عقاري بلا فوائد
تنص المادة (8) من القانون رقم 164 لسنة 2025 على حق المستأجر، أو من امتد إليه عقد الإيجار، في التقدم بطلب لتخصيص وحدة بديلة من الدولة، بنظام الإيجار أو التمليك، مقابل تقديم إقرار بالإخلاء.
ورغم وضوح هذه المادة من حيث المبدأ، إلا أنها لم تُحدّد آلية تمويل شراء الوحدة، خاصة بالنسبة للمستأجر محدود الدخل الذي قد يفتقر إلى القدرة على سداد ثمن الوحدة أو حتى مقدم بسيط لها.
ولضمان فعالية هذا النص على أرض الواقع، يُقترح أن تلتزم الدولة بتوفير نظام تمويل عقاري بلا فوائد يُخصص حصريًا للمستأجرين الذين يُخلون وحداتهم القديمة طواعية، ويثبتون محدودية دخلهم وفقًا لمعايير معلنة.
ملامح التمويل العقاري المقترح
يُنفذ البرنامج من خلال شراكة بين وزارة الإسكان وصندوق الإسكان الاجتماعي، وبالتعاون مع البنوك العامة.
يُموَّل المستأجر بدون فوائد أو رسوم، باعتبار أن هذا التمويل يمثل دعمًا سكنيًا مباشرًا من الدولة.
تمتد مدة السداد إلى 30 عامًا، مع تحديد القسط الشهري بما لا يتجاوز 25% من دخل المستفيد المثبت.
تُوثق جميع الشروط بنماذج رسمية واضحة، وتُراجع العقود من قبل جهات مختصة لضمان الشفافية.
تضمن الدولة قيمة الوحدة، وتحتفظ بحق استردادها في حال الإخلال بشروط السداد الجوهرية.
يُعد هذا النموذج امتدادًا عادلًا لفلسفة القانون، حيث يضمن للمؤجر استرداد وحدته في موعدها، ويمنح المستأجر فرصة للانتقال إلى ملكية آمنة دون الوقوع في العجز المالي أو التشرد السكني.
وهو حل متوازن يُترجم النص القانوني إلى واقع تنفيذي يراعي التفاوت الاقتصادي، ويعزز العدالة الاجتماعية بدون مساس بجوهر الالتزامات القانونية.
الإطار التنظيمي لتفعيل المقترحات
تجدر الإشارة إلى أن تنفيذ الآليات المقترحة في هذا الفصل لا يستقيم إلا من خلال غطاء تنظيمي رسمي، يُترجم المبادئ إلى إجراءات مُلزمة، ويُوفّر الأرضية القانونية العادلة للتنفيذ.
وفي هذا السياق، يُوصى بأن يتم إدراج هذه الضوابط ضمن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 164 لسنة 2025، التي يُفترض أن تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، استنادًا إلى صلاحياته الدستورية والتنظيمية، ولو لم يُنص صراحة على ذلك ضمن مواد القانون.
وقد استقر القضاء الإداري والدستور المصري على جواز إصدار اللائحة التنفيذية لأي قانون لضبط سبل تطبيقه، ما دامت لا تُضيف التزامات لم ترد بالنص، ولا تُعدل من جوهر التشريع.
وفي حال التأخر في إصدار اللائحة، أو غياب نص مباشر يُخول إصدارها، يمكن تفعيل هذه الآليات من خلال:
تعليمات وزارية تصدر عن وزارة الإسكان والمرافق، تنظم الإجراءات المؤقتة بشكل لا يخالف القانون.
قرارات تنفيذية محلية تصدر عن المحافظين، تتعلق بتشكيل اللجان أو تنظيم قبول الطعون.
بروتوكولات تعاون رسمية بين وزارة الإسكان والبنوك الحكومية وصندوق الإسكان الاجتماعي، بشأن التمويل الاجتماعي أو الإسكاني للمستأجرين.
ويُفضل — ضمانًا للشفافية وحسن التطبيق — أن يُضاف نص صريح إلى ختام اللائحة أو القانون، يتضمن ما يلي:
“يُصدر رئيس مجلس الوزراء، بناءً على عرض وزير الإسكان، اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نشره، وتتضمن تنظيم إجراءات التصنيف والطعون وسداد الفروق الإيجارية وآليات التمكين السكني للمستأجرين.”
هذا النص يُشكل السياج التنظيمي اللازم لتفعيل القانون على نحو عادل، ويُرسخ ضمانات التطبيق الواقعي بعيدًا عن التضارب أو الاجتهادات الفردية، ويحول دون تحوّل أحكام القانون إلى عبء اجتماعي أو أداة نزاع، بدلًا من أن تكون وسيلة إصلاح واستقرار.
الخاتمة
يُمثل القانون رقم 164 لسنة 2025 خطوة فارقة في إعادة هيكلة العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بعد عقود من الجمود التشريعي الذي خلّف تشوهات قانونية وسوقية، وأنتج امتدادًا تعاقديًا لم يعد يواكب متغيرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي. وقد جاء هذا القانون بنهج تدرّجي متوازن، لا يقطع العلاقة الإيجارية بشكل مفاجئ، ولا يُبقيها على حالٍ بات يضر بأحد الطرفين.
لكن تبقى العدالة التشريعية غير مكتملة ما لم تُستكمل بتنفيذٍ منضبط وأدوات تطبيق واقعية، تُراعي التفاوت المعيشي، وتُجنّب الطرف الأضعف الوقوع في فخ التعثر أو الإخلاء القسري، خاصة في ظل تراكم التزامات مالية ناتجة عن الفروق الإيجارية أو تقادم قرارات التصنيف.
لقد كشف الجزء الخامس من المقال عن فجوات تنفيذية محتملة، وقدم ثلاثة حلول تشريعية وتنظيمية تُعد ضرورية لتفعيل فلسفة القانون دون انحراف عن مضمونه:
لجنة طعون قضائية على قرارات الحصر والتصنيف لضمان الرقابة الإدارية والقضائية على قرارات لجان التقييم، ومنع صدور قرارات مجحفة ترفع القيمة الإيجارية دون سند واقعي.
جدولة الفروق الإيجارية بأداة تنظيمية ملزمة تمنع الطرد أو الإخلاء بسبب مفاجآت مالية، من خلال تقسيط الفروق المتراكمة وفق نسب مدروسة لا تُرهق المستأجر، مع ضمان استمرار التزامه بالسداد.
إطلاق آلية تمويل ميسر بدون فوائد من خلال البنوك الحكومية خصيصًا للفئات محدودة الدخل، لتمكينهم من الوفاء بالتزاماتهم الجديدة، سواء المتعلقة بالفروق الإيجارية أو بتمليك الوحدات البديلة التي تطرحها الدولة.
بقلم