مظهر شاهين يتناول: أفكار الرئيس ومشكلات البلاد – تحليل شامل حول مسؤوليات القيادة (4/4)

مظهر شاهين يتناول: أفكار الرئيس ومشكلات البلاد – تحليل شامل حول مسؤوليات القيادة (4/4)

في هذا الجزء الختامي من هذه القراءة التأملية لعقل السيد الرئيس، ننتقل من الملفات الداخلية إلى الرؤية الخارجية، حيث تُدار السياسة بحسابات دقيقة، وموازين شديدة التعقيد، يتداخل فيها ما هو دبلوماسي بما هو استراتيجي، ويتصارع فيها النفوذ، والمصالح، والتاريخ، والجغرافيا، ومستقبل الأمم.

والرئيس عبد الفتاح السيسي – بحكم موقعه ودوره – يتعامل مع العالم بعقل الدولة لا الأهواء، وبميزان الحكمة لا الانفعال، واضعًا نصب عينيه مصلحة مصر العليا، وسيادتها، واستقرارها، دون أن يُفرّط في مبادئها أو مكانتها، أو يساوم على ثوابتها، أو يرضخ لضغوط تُناقض هُوية الأمة وأمنها القومي.

رابعًا: السياسة الخارجية… عقل يقود وسط العالم المتشابك

1. مصر بين القوى الكبرى… التوازن الذكي
يدرك السيد الرئيس أن العالم لم يعد أحادي القطب، وأن التبعية لأي معسكر هي اختزال خطير لهامش الدولة في اتخاذ القرار. فالدول التي تربط مصيرها بإرادة خارجية، تفقد استقلال قرارها، وتتحول إلى أدوات في صراعات لا تملك توجيهها ولا الخروج منها.

لذلك، انتهجت مصر سياسة خارجية متوازنة، تقوم على تنويع الشراكات، والانفتاح على كل القوى الكبرى، مع الحفاظ على القرار الوطني المستقل، والقدرة على المبادرة لا التبعية.

فمصر تتعاون مع الولايات المتحدة في ملفات الأمن والتنمية، وتُنسق مع روسيا في قضايا الطاقة والدفاع، وتبني مصالح استراتيجية مع الصين في الاستثمار والبنية التحتية، وتحافظ على روابطها التاريخية والسياسية مع أوروبا، وتؤسس لتحالفات جنوب–جنوب مع إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

وهذه ليست مجرد علاقات مصالح، بل رؤية استراتيجية تُعيد صياغة موقع مصر في معادلة النفوذ العالمي، وتُبقيها خارج الاصطفافات الصفرية، فلا تتورط في المحاور، ولا تُستخدم كأداة في صراعات القوى الكبرى.

2. عمق إفريقيا… عودة إلى الجذور
في عقل الرئيس، أن إفريقيا ليست مجرد بعد جغرافي، بل امتداد حضاري وتاريخي واستراتيجي، وأرض الفرص، والمستقبل، والموارد، والروابط الروحية. فهي ليست خيارًا هامشيًا، بل إحدى ركائز الأمن القومي والهوية المصرية.

ومن هنا، جاءت العودة المصرية لإفريقيا بكل الزخم:
• زيارات رئاسية متكررة إلى عواصم القارة،
• مبادرات مشتركة في مجالات الأمن، والطاقة، والتعليم، والصحة،
• إنشاء “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية”،
• تنظيم فعاليات ثقافية ورياضية وروحية لتعزيز التقارب الشعبي،
• ودعم دول حوض النيل في مشروعات البنية التحتية، والمياه، والزراعة.

الرئيس يعلم أن أمن مصر المائي يبدأ من منابع النيل، وأن استقرار القارة يخدم الأمن القومي المصري، وأن الريادة لا تُنتزع بالاستعلاء، بل تُبنى بالثقة والتعاون والمصالح المشتركة. ولذلك، جاءت مشاركة مصر الفاعلة في الاتحاد الإفريقي، ورئاستها له، ودعمها المتواصل لقضايا القارة في المحافل الدولية، امتدادًا لدورها الطبيعي والتاريخي.

3. مكافحة الإرهاب دوليًا… لا ازدواجية في المعايير
فخامة الرئيس طالما نادى – في المحافل الدولية – بضرورة وضع تعريف موحد للإرهاب، ورفض الكيل بمكيالين، إذ لا يمكن للعالم أن يدين جماعة إرهابية في مكان، ويستضيف قياداتها في مكان آخر بدعوى الحريات وحقوق الإنسان.

فمصر التي دفعت الثمن غاليًا في مواجهة الإرهاب على أراضيها، وشيّعت شهداءها في معركة الدفاع عن الوطن، تريد من العالم أن يكون على القدر نفسه من الصدق والشجاعة، لا أن يُغذي بعض الجماعات، ثم يشتكي من نتائجها حين تخرج عن السيطرة.

ويؤمن الرئيس السيسي أن المعركة ضد الإرهاب لا تقتصر على العمل الأمني، بل تشمل تجديد الفكر الديني، وتطوير التعليم، ومواجهة الفقر، والتنوير الثقافي، وبناء خطاب إعلامي رشيد، وتعزيز التعاون الدولي على قاعدة الاحترام المتبادل والشفافية.

إنه يُدرك أن الإرهاب لا دين له، ولا جنسية، ولا وطن، وأن مواجهته لا تكون بشجبٍ لفظي، بل بإرادة صلبة، وتشريعات عادلة، وآليات شاملة تُجفف منابعه وتجتثّ جذوره الفكرية قبل أن تتحوّل إلى رصاص.

4. القضية الفلسطينية… موقف مبدئي وسيادي
قضية فلسطين حاضرة دائمًا في عقل الرئيس ووجدانه، ليس فقط كقضية سياسية، بل كمعيار أخلاقي واختبار حقيقي للعروبة والسيادة، ومحكّ دائم يُحدّد من يملك الثبات على الحق، ومن ينحني أمام المصالح أو الضغوط.

فمصر – بقيادة الرئيس – رفضت كافة مشروعات التوطين، ووقفت بصلابة ضد صفقة القرن، وأعلنت بوضوح: لا وطن بديل، ولا تفريط في القدس، ولا تهجير من غزة إلى سيناء، ولا مساومة على الحق العربي تحت أي ظرف.

لقد أعلن سيادته أن فلسطين للفلسطينيين، وأن سيناء ليست للبيع ولا المساومة، وأن أمن غزة لا يكون على حساب أمن مصر، ولا على حساب سيادتها أو ترابها الوطني. فلم يرضخ لأي ضغوط، ولم يقبل بصفقات تَجور على الحقوق، أو تفرّط في الكرامة، أو تسكت على الاحتلال.

ومن هذا المنطلق، تتحرك مصر في كل المحافل الإقليمية والدولية كصوتٍ عاقلٍ وشجاع، يسعى للسلام العادل، ويُناصر الحقوق المشروعة، ويضع خطًا أحمر واضحًا أمام أي مشروع لتصفية الحقوق الفلسطينية، أو النيل من ثوابت القضية، أو المساس بالسيادة الوطنية المصرية تحت أي ستار.

5. مصر والجامعة العربية… قيادة بلا وصاية
يرى السيد الرئيس أن مصر ليست وصيّة على أحد، لكنها الشقيقة الكبرى التي تدفع الثمن حين ينهار الآخرون، وتدافع عن الجميع حين يغيب الصوت العربي.

ولذلك، جاءت دعوته لإصلاح منظومة العمل العربي المشترك، وتطوير آليات الجامعة العربية، وتفعيل دورها، بما يجعلها أداة حقيقية لحماية الأمن القومي العربي، لا مجرد منصة لإصدار البيانات أو تسجيل المواقف الرمزية.

الرئيس يسعى إلى تفعيل الدور العربي الجماعي، ووقف التدخلات الأجنبية في المنطقة، وبناء موقف عربي موحد، يضع نهاية للحروب بالوكالة، ويعيد للشعوب العربية حقها في الأمن والكرامة والتنمية.

ويُدرك الرئيس أن مصر لا تنهض وحدها، وأن قوة العرب جميعًا هي قوة لمصر، وأن تراجع الصوت العربي يُضعف القرار السياسي الجماعي، ويمنح الآخرين فرصة لفرض شروطهم.

تمهيد قبل النداءَين

وإذا كنا قد حاولنا ـ في هذه المقالات الأربع ـ أن نقترب من عقل فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأن نقرأ بعضًا مما يشغله من هموم الوطن وتحدياته، فإننا نُقرّ بصدق أن ما كتبناه لا يعدو أن يكون اجتهادات وطنية متواضعة، لا يمكن لها أن تُحيط بعقل قائد قدّر الله له أن يتولّى مسؤولية أمة في واحدة من أعقد لحظات تاريخها المعاصر.

ذلك أن القضايا التي تدور في خلد رئيس الدولة، خاصة في ظروف إقليمية وعالمية بالغة الحساسية، لا يمكن لمواطن عادي أن يلمّ بها، أو يُدرك كل أبعادها، أو يطّلع على تفاصيلها. فمهما حاولنا الاقتراب، يبقى ما لا نعرفه أضعاف ما نعرفه، وما لا يُقال أحيانًا أخطر مما يُقال، لأن دواعي الأمن الوطني ومقتضيات إدارة الدولة تفرض على القيادة أحيانًا أن تعمل في صمت، وتحمي في صمت، وتواجه في صمت.

فما قلناه في هذه السطور كان أقرب إلى لفتة وفاء، ومحاولة إدراك، ولم يكن يومًا ادعاءً بالإحاطة، ولا تزاحمًا على معرفة أسرار دولة تُدار بعقول المؤسسات، لا بهواجس الأفراد.

✦ ومن جهتي، فإنني أُضيف بكل صدق:
إن العقول التي تحمّلت مسؤولية الأوطان، وسط الأنواء والعواصف، تستحق أن نُحسن الظن بها، حتى حين لا نُدرك كل قراراتها، وأن نمنحها مساحة الحركة والثقة، لأن الحساب المُسبق على النوايا يُربك الإدارة، ويُقيّد الدولة عن المضيّ في مسارها.

✦ ويكفي الرئيس السيسي فخرًا أنه لم يسعَ يومًا إلى مجدٍ شخصي، بل إلى دولة تحفظ هيبة مصر، وتبني لمستقبلها، وتُدافع عن قرارها وسيادتها واستقلالها، في عالمٍ لا يحترم إلا الأقوياء.

نداء إلى الشعب المصري

أيها الشعب المصري العظيم، يا من كنتم دائمًا درع الوطن وسنده في كل محنة ومفترق طريق،

اعلموا أن رئيسكم لا يُفكر لحساب شخصي، ولا يتحرك بدافع فردي، بل يعمل على مدار الساعة من أجل هذا الوطن، ومن أجل مستقبلكم ومستقبل أبنائكم. إن كثيرًا من الشائعات التي تُطلَق، والحملات التي تُبَث، ما هي إلا ثمنٌ لمواقف وطنية ثابتة، ومواقف شريفة رفضت التبعية، وتحدّت الإملاءات، وتمسّكت بالثوابت، ودافعت عن الحق الفلسطيني، ورفضت تهجير أهله أو تصفية قضيته تحت أي مسمّى.

سيادة الرئيس لم يساوم يومًا على ثوابت مصر أو كرامتها، ولم يُخضع قرارها الوطني لمقايضة أو ابتزاز، بل وقف صلبًا في وجه العواصف، وأدار ملفات الداخل والخارج بشجاعة القائد الذي يحمل روحه على كفه.

لذلك، فإن دعم القيادة في هذه المرحلة ليس ترفًا، وليس خِيارًا يُؤخذ بتردّد، بل هو واجب وطني، وفرضُ وُجود. فكونوا درعًا لرئيسكم، وسندًا لدولتكم، وحصنًا لوحدتكم، واحذروا الأبواق التي لا تريد لكم إلا التشرذم والضعف والانقسام.

واعلموا أن بناء الدول لا يتم في فراغ، ولا يكتمل في يومٍ أو عام، بل هو مسار شاقٌّ طويل، يتطلب وعيًا وصبرًا وإصرارًا. وكل أمة تنهض، تمرّ بما نمرّ به الآن، وتخرج أقوى، حين تلتفّ حول قيادتها، وتُفرّق بين النقد البنّاء والتهديم الممنهج، وبين من يُريد الإصلاح، ومن يُريد إسقاط الدولة.

إن مصر اليوم في لحظة فاصلة من تاريخها، لا تحتمل التخاذل، ولا الانقسام، ولا العبث بالشائعات، بل تحتاج منّا جميعًا أن نكون على قلب رجل واحد، وأن نصبر، ونعمل، ونُدافع، ونُبني، فالوطن ملك لنا جميعًا، وليس حكرًا على أحد، ومسؤوليته أمانة في أعناقنا جميعًا.

نداء إلى السيد الرئيس

سيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد المسيرة، وحامل الأمانة، وحارس البوابة الوطنية في وجه الأعاصير،

نعلم حجم الحمل الذي تحمله، وندرك عمق الألم الذي يصاحب القرار الصعب، ونوقن أن ما تواجهه كل يوم من تحديات، لا يوازيه إلا إيمانك العميق بوطنك، وثقتك في قدرة هذا الشعب على الصمود والتجاوز والانتصار.

لقد لمسنا صدق نواياكم، ورأينا بعيوننا ما تحقق من إنجازات رغم الأزمات، وشهدنا كيف تحرّكتم في كل اتجاه: في معركة البقاء، ومعركة البناء، ومعركة الوعي، ومعركة السيادة، فكنتم عند العهد، وكنتم رأس الحربة في كل جبهة.

سيدي الرئيس، نحن خلفك، سندًا ودعاءً، نصبر معك، ونعمل معك، ونحمي ما تبنيه من مؤسسات وإنجازات، ونقف صفًا واحدًا في وجه كل من يُريد بهذا الوطن شرًّا، أو يعبث بوحدته، أو يُسيء لرموزه، أو يستغلّ أوجاعه للنيل من صلابته.

نعلم أن الطريق ليس سهلًا، وأن المعركة ممتدة، لكننا نوقن أنكم تقودونها بعقلٍ راجح، وقلبٍ مخلص، وعينٍ ساهرة لا تنام، وأنكم وضعتم مصر في موضع القرار، لا التبعية، وفي موقع السيادة، لا الارتهان.

فامضِ على بركة الله، ونحن معك، نخوض هذه الرحلة، لا نيأس، ولا نتراجع، ولا نُسلّم إرادتنا لأعداء الداخل أو الخارج.
فالوطن يستحق، والتاريخ لا يرحم، والمستقبل لا يُصنع إلا بعقول يقظة، وقلوب مخلصة، وقيادة تعرف إلى أين تتجه.

حفظ الله مصر، أرضًا وشعبًا وجيشًا وقيادة، وأيّدكم بنصره، ووفّقكم لما فيه الخير لهذا الوطن العظيم.