ربات المنازل في زمن التضخم: من إدارة المنزل إلى بيع المواد البلاستيكية والورقية للتكيف مع الحياة اليومية

في أزقة الحواري الشعبية، وبين جدران منازل بسيطة تتناثر فيها تفاصيل الكفاح، تقف “أم خالد”، سيدة في منتصف الأربعينات، تحمل كيسًا كبيرًا مليئًا بالأوراق القديمة والزجاجات البلاستيكية، لم تكن تتخيل يومًا أنها ستتحول من ربة منزل تهتم بشؤون بيتها، إلى باحثة عن كل ما يمكن بيعه بالكيلو، فقط لتسد فجوة في مصروفات البيت.
تقول أم خالد لـ«الحرية» بنبرة يملؤها الحياء: “مافيش حاجة بقت رخيصة، كل يوم الأسعار بتزيد، والراجل مش قادر لوحده.. أنا بجمع كل الورق اللي ملوش لازمة، والعلب، والزجاجات، وأبيعهم على قد ما أقدر، حتى لو طلع لي 30 ولا 40 جنيه في الأسبوع.. أهو يساعد في تمن العيش والخضار”.
من “ست البيت” إلى شريكة كفاح
ليست “أم خالد” وحدها، هناك آلاف من ربات البيوت في أنحاء مصر لجأن إلى حلول غير تقليدية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، فبعضهن بدأن في بيع الملابس القديمة، وأخريات تعلمن إعادة تدوير البلاستيك لصنع أدوات منزلية أو حتى زينة بسيطة وبيعها في الأسواق.
“أم دعاء”، 52 عامًا، تقول: “جوزي شغال باليومية، والعيال كبرت ومصاريفهم كتير، بقيت أفرز الزبالة وأطلع منها اللي يتباع، واتعلمت إن كل حاجة ليها تمن، حتى الكرتونة الفاضية”.
كرامة مستورة في ظل الحاجة
رغم أن ما يقمن به يبدو بسيطًا في نظر البعض، إلا أنه يحمل في طياته قصة عزة نفس وكفاح، فهؤلاء السيدات لم يخترن طريق الاستجداء، بل قررن أن يكنّ شريكات حقيقيات في رحلة الصمود.
ورغم ما يحملنه من أعباء، لا تزال تلك السيدات يحتفظن بابتسامة مكسوة بالأمل، وهو ما أكدته”أم محمد”، التي تعول ثلاثة أبناء، بقولها: “يمكن الظروف صعبة، بس إحنا أقوياء. طول ما فينا نفس، هنفضل نحاول ونساعد بعض. النهارده بنبيع بلاستيك، بكرة يمكن نبيع حاجة أحسن”.
لميس الحديدي: “أين أرقام الفقر في مصر؟.. 5 سنوات بلا بيانات رسمية”
وفي السياق نفسه، أثارت الإعلامية لميس الحديدي تساؤلات حادة عبر صفحتها الشخصية على موقع “فيس بوك”، بشأن غياب البيانات الرسمية حول معدلات الفقر ومستوى المعيشة في مصر خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أن آخر بحث للدخل والإنفاق صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يعود إلى عام 2020.
وكتبت الحديدي: “هو فين بحث الدخل والإنفاق اللي كان بيصدر عن جهاز التعبئة والإحصاء سنويًا وبيحدد معدلات الفقر وخط الفقر، ومتوسط دخل الأسر المصرية وتطور مستوى معيشتها؟ آخر نتائج أعلنت كانت عام 2020 وحددت معدل الفقر بـ29.7%، وقت ما كان عدد السكان 100 مليون”.
وأضافت أن البنك الدولي أعلن في عام 2022 أن معدل الفقر ارتفع إلى 32.5%، مستنكرة مرور نحو 5 سنوات دون صدور أي أرقام رسمية أو مؤشرات حديثة، رغم ما شهدته مصر من أزمات متتالية مثل جائحة كورونا، ارتفاع معدلات التضخم، وتعويم الجنيه أكثر من مرة.
وتساءلت: “أين ذهب الإحصاء؟ هل ارتفعت الأرقام أم انخفضت؟ طيب الحكومة بتشتغل إزاي من غير مؤشرات؟ وخارطة الفقر واستهداف الفئات الأولى بالرعاية بتتم على أي أساس؟”.
وتابعت: “إزاي الحكومة بتقول إن الأزمة الاقتصادية خلصت، وهي مش عارفة أصلاً عدد الفقراء في مصر؟ باختصار: كم عدد الفقراء الآن؟”.
وتعتمد الحكومة المصرية على بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لتحديد مستوى معيشة المواطنين وخارطة الفقر في الجمهورية، وكان يُجرى كل عامين أو ثلاث، إلا أن غيابه خلال الفترة الأخيرة يثير علامات استفهام بشأن شفافية البيانات ودقة السياسات الاجتماعية.