خبير في الشؤون الإفريقية لـ”الحرية”: ربط المساعدات التنموية الأوروبية بإفريقيا بموضوع الهجرة غير الشرعية يصبح وسيلة للضغط السياسي.

خبير في الشؤون الإفريقية لـ”الحرية”: ربط المساعدات التنموية الأوروبية بإفريقيا بموضوع الهجرة غير الشرعية يصبح وسيلة للضغط السياسي.

كتبت:أسماء محمود

أكد رامي زهدي خبير الشؤون الإفريقية السياسية والإقتصادية ونائب رئيس مركز العرب للابحاث والدراسات الإستراتيچية ورئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز في تصريح خاص لموقع الحرية أن  التصريحات الأخيرة حول تغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة غير الشرعية تسلط الضوء على العلاقة المعقدة والمشحونة بين أوروبا وأفريقيا.

رامي زهدي خبير في الشؤن الأفريقية

إعادة هندسة العلاقة الإفريقية الأوروبية

وأوضح “زهدي”  أن التوجهات الأوروبية الجديدة تشير إلى ربط تدفق المساعدات التنموية للدول الإفريقية بمستوى تعاونها في ملف إعادة المهاجرين، وهو ما يُعد تطورًا خطيرًا في بنية العلاقة بين الطرفين، ويحمل أبعادًا تتجاوز السياسات الأمنية والهجرة ليصل إلى محاولة إعادة هندسة العلاقة الإفريقية الأوروبية على أسس من الضغط والإملاء، لا الشراكة والتكامل.

وأشار “زهدي” أن أوروبا لاتتعلم من أخطائها ونتائجها في التعامل مع دول القارة الأفريقية التي أصبحت ساعية للتحرر والسيادة والإستقلال الان اكثر من ذي قبل”.

أداة ضغط سياسي

وأكد “زهدي” أن  اشتراط المساعدات بالتعاون الأمني،يعني ان أوروبا تسعي إلى تحويل الدول الإفريقية إلى خطوط دفاع أولى على حدودها الخارجية، دون اعتبار لحقيقة أن الهجرة غير الشرعية (الهجرة غير النظامية) هي أعراض ونتائج وانعكاس لمرض التنمية غير المتوازنة، لا المشكلة في ذاتها وعليه، فإن ربط الدعم التنموي بالتعاون الأمني يُفرغ مفهوم التنمية من محتواه، ويحوّله إلى أداة ضغط سياسي.

العلاقة الأوروبية الأفريقية

وأضاف ”  زهدي” أن تراجع فلسفة “الشراكة المتوازنة”: منذ قمة واجادوجو 2015 وما تلاها من قمم الاتحادين الإفريقي والأوروبي، كان الهدف المعلن هو تطوير “شراكة متساوية” إلا أن المقاربة الجديدة تكشف تراجعًا عن هذا الالتزام، لتُرسخ علاقة فوقية تجعل من المساعدات “عصا وجزرة”، لاحقًا تنمويًا مستحقًا في إطار عدالة تاريخية.، وللأسف اوروبا تسير في الأتجاه الخاطئ، ظهرها للقارة الإفريقية واتجاها للمجهول.

الآثار الاستراتيجية على إفريقيا

وأوضح “زهدي”   الآثار الاستراتيجية على إفريقيا، لهذا الطرح متعددة، منها إضعاف السيادة الوطنية، حيث أن تحويل الحكومات الإفريقية إلى أدوات لضبط الحدود الأوروبية يخلق تشوهًا في الأولويات السيادية، ويزاحم الملفات التنموية الحقيقية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. كما يهدد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

تآكل في الثقة بين الشعوب الإفريقية

وأشار  إلى  وجود تآكل في  الثقة بين الشعوب الإفريقية والدول الأوروبية، حيث يُنظر إلى هذه السياسة الجديدة باعتبارها استعلائية وعديمة الحساسية تجاه السياقات الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا. فالهجرة ليست خيارًا ترفيهيًا، بل مسارًا قسريًا فرضه الفقر، والنزاعات، والتغير المناخي.

اتساع الفجوة التنموية

وأكد على  اتساع الفجوة التنموية بدل سدها، فحين تُقيَّم الدول الإفريقية وفقًا لمعايير أمنية بدلًا من مؤشرات تنمية بشرية، تصبح المعونات أداة ضبط لا أداة بناء. وهذا يفضي إلى مزيد من التبعية بدلًا من تعزيز الاعتماد الذاتي والتنمية المستدامة.

تمكين الاقتصاديات الإفريقية

وأكد “زهدي ”  إن إفريقيا لا ترفض التعاون في ملفات الهجرة، لكنها ترفض أن تكون مجرد أداة لإحتواء تداعيات لم تكن هي السبب المباشر فيها. بل ترى أن أي تعاون فعال يجب أن يرتكز على تمكين الاقتصاديات الإفريقية عبر استثمارات إنتاجية، لا فقط دعم مشروط.

توسيع قنوات الهجرة الشرعية

كما أشار “زهدي ” أن إفريقيا تسعى  توسيع قنوات الهجرة الشرعية والمنظمة، لتكون بديلاً حقيقيًا للهجرة غير النظامية وأيضا، مراجعة شاملة للسياسات التجارية الأوروبية التي تكرّس التبعية وتضعف تنافسية المنتجات الإفريقية.

تعزيز التكتل الإفريقي

وأكد أنه يجب علي دول القارة في مواجهة ذلك العمل علي تعزيز التكتل الإفريقي في مواجهة السياسات المشروطة، عبر تفعيل آليات الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، وفتح حوار استراتيجي جديد مع أوروبا، قائم على الندية وتحديد الأولويات المشتركة بعيدًا عن الإملاءات وزيادة الاستثمارات الإفريقية في التعليم المهني والبنية التحتية الرقمية لخلق فرص بديلة للشباب داخل أوطانهم وإعادة صياغة الخطاب الإفريقي تجاه الهجرة، ليُظهر دور إفريقيا كمصدر حلول، لا كمصدر مشكلات.

إعادة تشكيل العلاقة بين أوروبا وإفريقيا

وأكد “زهدي” إن ما نشهده اليوم هو محاولة إعادة تشكيل العلاقة بين أوروبا وإفريقيا وفق مقاربات أمنية ضيقة لا تليق بتاريخ مشترك، ولا تستشرف مستقبلًا قائمًا على الاحترام والتكامل. فالمساعدات حين تُستخدم أداة ضغط، تفقد معناها التنموي، وتتحول إلى وسيلة استعمار ناعم جديد.

وأختتم ” زهدي ” أن الخيار  يبقى  أمام إفريقيا أن ترفض تلك المقايضات، وأن تعيد تعريف أولوياتها وفقًا لأجندتها السيادية والتنموية، لا وفقًا لمصالح الآخرين.