مجدي حمدان يكتب: عندما يصبح المتشرد نموذجاً.. من يتحمل مسؤولية تدهور القيم؟

مجدي حمدان يكتب: عندما يصبح المتشرد نموذجاً.. من يتحمل مسؤولية تدهور القيم؟

في زمن اختلطت فيه القيم، وتبددت المعايير، لا ينبغي أن نُصوِّب سهام اللوم فقط نحو مشاهير “التيك توك” وأفعالهم، مهما بدت صادمة أو خادشة للحياء أو خارجة عن منظومة التقاليد والعادات. فالحقيقة المُرَّة أن هؤلاء لم يجدوا أمامهم سبيلًا للنجاح أو الثراء إلا عبر هذه النوافذ المفتوحة على اتساعها، في غياب مشروع ثقافي أو اقتصادي أو تعليمي يمنحهم الفرصة لصعود مختلف.

الخطورة لا تكمن في فيديو عشوائي، أو رقصة تافهة، أو مشادة تثير الضحك، بل في السياق الذي سمح بتحوُّل هذه النماذج إلى قدوات مجتمعية.

السياق الذي صنعه نظام تبنّى “البلطجي” وحوّله إلى رجل أعمال مرموق، واحتضن “الهارب المتهكم” ليصبح شخصية بارزة سياسيًا ومجتمعيًا، وروّج لـ”الصعلوك” ليغدو نجمًا غنائيًا تتسابق عليه الشاشات، ودفع بـ”الجاهل” ليحتل الصدارة في تشكيل وعي العامة.

اقرأ أيضًا: هدايا “تيك توك”.. كيف تحوَّل “الأسد” إلى أموال حقيقية؟

ما نشهده اليوم من ظواهر إعلامية واجتماعية لا يمكن عزله عن مناخ اختلطت فيه السلطة بالاستثمار، واختُزل فيه النجاح في الولاء بدلًا من الكفاءة، وغابت فيه القدوة الحقيقية، فحلّ محلها صُنّاع التفاهة ومدّعو النجومية.

الدولة، بسلطاتها وإعلامها ومؤسساتها، تتحمّل الجزء الأكبر من هذا الخلل المجتمعي. ليس فقط بتجاهلها، بل بتبنيها طواعية لتلك النماذج في لحظات فارقة، وتحويلها إلى واجهة تُستخدم لتغييب العقول، وشغل الرأي العام عن الإخفاقات المزمنة في إدارة الملفات الحيوية للدولة المصرية.

حين تصبح الفوضى منهجًا، ويُكافأ العبث، وتُقصى الكفاءات، فإن النتيجة الطبيعية ستكون صعود نماذج تعكس هذا الانحدار. لذلك، فإن إدانة “التيك توكرز” وحدها ليست سوى هروب من الحقيقة؛ فهؤلاء ليسوا السبب، بل هم مجرد نتيجة.