مظهر شاهين يدوّن لموقع الحرية: ما الذي يفكر فيه الرئيس؟ | تحليل معمق حول قضايا الوطن وأعباء القيادة – (3/4)

في هذا الجزء الثالث من رحلتنا التحليلية داخل عقل الرئيس، نغوص أكثر في الملفات الحيوية التي يضعها نصب عينيه في معركته لبناء الدولة الحديثة، القادرة، الراسخة، العادلة.
وتتنوّع هذه الملفات ما بين التحول نحو الطاقة المستدامة، والتطوير الرقمي الشامل، والنهوض بالبنية الأساسية، وتمكين المرأة، وتطوير منظومة النقل. وهي قضايا لا تُدرَك قيمتها بمجرد النظر إلى مظاهرها، بل بفهم الفلسفة التي تقف خلفها، والغاية التي تسعى إلى تحقيقها: حياة كريمة لكل مواطن، ودولة تليق بتاريخها ومكانتها.
ثالثًا: ملفات وطنية تعكس رؤى استراتيجية
1. الطاقة والتحول نحو المستقبل الأخضر
يُدرك الرئيس أن أمن الطاقة هو أحد أعمدة الأمن القومي، وأن الاعتماد على مصادر تقليدية لم يعد كافيًا ولا مستدامًا، لا بيئيًا ولا اقتصاديًا، في ظل المتغيرات المناخية والتحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر.
من هنا، تبنّت الدولة رؤية شاملة للتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، من خلال الاستثمار في مشروعات الطاقة الشمسية، وعلى رأسها مشروع “بنبان” في أسوان، الذي يُعد من أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، ومشروعات طاقة الرياح في جبل الزيت وخليج السويس، ومحطات الهيدروجين الأخضر الواعدة، إلى جانب تحديث وتوسعة شبكة الكهرباء الوطنية، وتحسين كفاءتها، وتحقيق فائض يسمح بالتصدير.
الرئيس ينظر للطاقة بوصفها مجالًا استراتيجيًا لا يحقق الاكتفاء المحلي فقط، بل يجعل من مصر مركزًا إقليميًا لتصدير الطاقة وربط القارات، وهو ما تجسّد في مشروعات الربط الكهربائي مع السعودية، والأردن، والسودان، وقبرص، واليونان، بما يعزز مكانة مصر في سوق الطاقة العالمي، ويُؤسس لدور مصري محوري في تأمين الإمدادات الإقليمية.
إنها ليست مشروعات توليد فقط، بل رؤية تمتد إلى عقود قادمة، تُعيد رسم دور مصر في خريطة الطاقة الدولية، وتضعها في قلب التحوّل العالمي نحو التنمية المستدامة.
2. التحول الرقمي والخدمات الحكومية الإلكترونية
يرى الرئيس أن كرامة المواطن لا تكتمل إلا إذا حصل على خدمته دون إذلال أو إهانة، وأن المعاملات الورقية التقليدية باتت عائقًا أمام العدالة والشفافية، ومصدرًا للبيروقراطية والفساد.
لذلك، كان التحول الرقمي أحد أعمدة الإصلاح الإداري في عهده، ليس فقط لتسريع الإجراءات، بل لمحاربة الفساد، وضبط الإنفاق، وتحقيق العدالة في توزيع الخدمات. وقد أُطلقت منصة “مصر الرقمية”، لتصبح بوابة موحدة تُقدم عشرات الخدمات الحكومية إلكترونيًا، مثل التوثيق، والتراخيص، والضرائب، والتأمينات، وغيرها، بما يُخفّف العبء عن المواطن ويُسرّع دورة العمل.
انتشرت منافذ الخدمات الذكية في المحافظات، وتم ربط قواعد البيانات القومية ببعضها، لتكوين صورة شاملة ومنضبطة عن المواطن، تعزز الكفاءة وتُيسر المتابعة والمحاسبة.
كما أُدخل الذكاء الاصطناعي في بعض القطاعات، وبدأ تدريب الموظفين على أدوات الإدارة الذكية، بما يجعل الدولة أكثر مرونة وتفاعلية، ويُرسّخ مبدأ أن المواطن هو مركز الخدمة، لا مجرد متلقٍ عشوائي لها.
الرئيس يُدرك أن من لا يُواكب العصر الرقمي، يُقصى منه، وأن الدول تُقاس اليوم ليس بحجم أراضيها، بل بكفاءة نظمها المعلوماتية، وسرعة تعاملها مع التكنولوجيا، وقدرتها على التحول الرقمي كأداة سيادية، ووسيلة حضارية.
3. المشروعات القومية الكبرى.. بناء دولة من جديد
ليست العاصمة الإدارية الجديدة، أو مدن الجيل الرابع، أو شبكات الطرق العملاقة مجرد إنجازات عمرانية، بل هي فلسفة متكاملة لإعادة بناء الدولة المصرية من الجذور، بعد عقود من التآكل العشوائي والضغط السكاني وتآكل البنية التحتية.
فالمشروعات القومية التي أُطلقت في عهد الرئيس تمتد في كل اتجاه:
• شمالًا نحو دلتا جديدة تُزرع وتُعمَّر وتُؤمّن الغذاء،
• وجنوبًا نحو صعيد طال تهميشه، فأُنشئت فيه مناطق صناعية ومراكز لوجستية،
• وشرقًا نحو سيناء التي تُعاد إليها الحياة والتنمية،
• وغربًا نحو ظهير صحراوي يتحول إلى مدن سكنية وإدارية وعلمية.
وتتجسّد هذه الرؤية في:
• أكثر من 7 آلاف كيلومتر من الطرق الجديدة،
• موانئ حديثة، ومطارات مطورة،
• مناطق لوجستية وموانئ جافة،
• ومحاور ربط عمراني وتنموي، تُسهم في توزيع السكان وتوسيع رقعة الاستثمار، وتُحقق العدالة المكانية الغائبة منذ عقود.
إن فلسفة الرئيس في هذه المشروعات تنطلق من الإيمان بأن التنمية لا يمكن حصرها في العاصمة، بل يجب أن تُوزع جغرافيًا بعدالة. وأن بناء الدولة الحديثة لا يكتمل إلا إذا انتقلنا من التركيز على المركز، إلى خلق مراكز تنموية جديدة، توفّر سكنًا لائقًا، وفرص عمل، وخدمات متكاملة، ومناخًا جاذبًا للاستثمار.
4. تمكين المرأة… شريك أصيل لا تابع
في عقل الرئيس، المرأة ليست كمالًا عدديًا في المجتمع، بل كيان فاعل، يُنتج، ويصبر، ويربي، ويقود. وهي ليست قضية اجتماعية ثانوية، بل شريك وطني أصيل في معركة النهوض والبناء.
ولذلك، حظيت المرأة المصرية في عهده بتمكين غير مسبوق، لا كشعار، بل كواقع ملموس:
• وزارات سيادية أُسندت إليها، كوزارة التخطيط والصحة والهجرة والبيئة،
• رئاسة المحاكم والمجالس العليا، كسابقة تاريخية،
• تمثيل في البرلمان تجاوز النسبة الدستورية، وامتد إلى المجالس المحلية والرقابية،
• قوانين جادة لحمايتها من العنف الأسري والتحرش والتمييز،
• دعم اقتصادي وقانوني لأمهات الشهداء، والمعيلات، وسيدات الريف والمناطق الحدودية.
فالرئيس يُؤمن أن المرأة المصرية ليست بحاجة إلى من يمنّ عليها بالحقوق، بل إلى من يُزيل العقبات من طريقها لتُثبت ذاتها كما فعلت دومًا، في البيت، والعمل، والجيش، والشارع، والميدان.
وقد أكد مرارًا أن تقدم أي دولة مرهون بمدى تمكين نسائها، وأن العدالة بين الجنسين ليست ترفًا فكريًّا، بل ضرورة تنموية وإنسانية، وركيزة أساسية في بناء الدولة العصرية.
5. تطوير منظومة النقل والمواصلات… رئة التنمية
كان ملف النقل لعقود طويلة أحد أكثر الملفات إهمالًا، وكان المواطن يُعاني منه يوميًا في الزحام، والحوادث، وانخفاض مستوى الأمان والخدمة، حتى باتت شبكات الطرق والسكك الحديدية عبئًا على التنمية لا دعامة لها.
لكن عهد الرئيس شهد ثورة حقيقية في قطاع النقل والمواصلات، تمثّلت في:
• إنشاء شبكة طرق قومية حديثة تربط الشمال بالجنوب، والشرق بالغرب، بطول تجاوز 7000 كيلومتر.
• قطارات كهربائية فائقة السرعة تربط العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة الكبرى والعلمين، ومونوريل يسهم في فك الاختناقات المرورية.
• تطوير مترو الأنفاق بخطوط جديدة وقطارات مكيفة ومحطات حديثة.
• إدخال النقل الذكي والتشاركي، والمركبات الكهربائية والبنية التحتية الخاصة بها.
• تحديث الموانئ البحرية، وإنشاء موانئ جافة ومراكز لوجستية متقدمة.
• تطوير المطارات وتوسعتها لتستوعب النمو السياحي والاقتصادي.
إن الرئيس يرى في تطوير النقل ليس فقط راحةً للمواطن، بل أحد أهم أدوات جذب الاستثمار، وربط المشروعات القومية ببعضها، والتكامل بين المدن، وتحقيق العدالة في الوصول إلى الفرص، وتسريع وتيرة التنمية.
فالنقل في عقله ليس وسيلة انتقال فقط، بل رئة تنموية تُغذّي الجسد الوطني بالحركة، وتُقوّي قلب الاقتصاد، وتُعيد رسم خريطة الحياة في مصر الحديثة.
6. تعميق التصنيع المحلي وتعويض المستورد… من أجل سيادة اقتصادية حقيقية
في عقل الرئيس، لا تكتمل قوة الدولة إلا بسيادتها الاقتصادية، ولا يتحقق هذا إلا إذا قلّلنا الاعتماد على الخارج، ورفعنا نسبة الاكتفاء الذاتي، ودعمنا المنتج المحلي، خاصة في السلع الحيوية والأساسية التي تمس الأمن الغذائي والدوائي والاحتياجات الاستراتيجية.
من هنا، أولى اهتمامًا بالغًا بملف الإحلال محل الواردات، وتعويض المستورد بما يُنتج محليًا، سواء عبر تشجيع الصناعة الوطنية، أو توطين التكنولوجيا، أو تحفيز القطاع الخاص، أو إقامة مجمعات صناعية متكاملة في مختلف المحافظات.
ومن أبرز ما ركّز عليه الرئيس:
• تنمية الثروة الحيوانية لتعويض استيراد اللحوم والألبان، عبر مشروعات قومية كبرى لتربية الماشية وتحسين السلالات، وإنشاء مزارع متخصصة ومراكز بيطرية متقدمة، وسلاسل تبريد متكاملة للحفاظ على الجودة وخفض الفاقد.
• دعم تصنيع مدخلات الإنتاج الزراعي محليًا، مثل الأعلاف والأسمدة، لتقليل التبعية وتقليل التكلفة.
• تعزيز الصناعات الدوائية، وإنشاء مدينة الدواء المصرية لتأمين احتياجات المواطنين من الأدوية والمستحضرات الحيوية.
• تشجيع المنتجات المحلية في المشروعات الحكومية والتوريدات الرسمية، وإطلاق مبادرات مثل “اشتري المصري” لتعزيز الطلب على الإنتاج الوطني.
ويؤمن الرئيس أن دعم المنتج المحلي ليس فقط خيارًا اقتصاديًّا، بل قرار سيادي، ومسار نحو استقلال القرار الوطني، وبوابة لتوفير فرص العمل، وتقوية الجنيه المصري، وتحقيق التوازن في الميزان التجاري، وبناء اقتصاد أكثر مرونة وصلابة أمام الأزمات العالمية.
نواصل في الجزء الرابع (4/4): السياسة الخارجية، الأمن الإقليمي، القيادة في محيط متشابك، ونداء خاص إلى الشعب والرئيس.