مظهر شاهين يكتب لصالح موقع الحرية: ما الذي يشغل فكر الرئيس؟ | تحليل شامل لاهتمامات الوطن وواجبات القائد – (2/4)

مظهر شاهين يكتب لصالح موقع الحرية: ما الذي يشغل فكر الرئيس؟ | تحليل شامل لاهتمامات الوطن وواجبات القائد – (2/4)

في هذا الجزء الثاني، نواصل رحلتنا التأملية داخل عقل الرئيس، لنكشف عن أبعاد جديدة لاهتماماته، ونفهم كيف يُدير الملفات الكبرى المرتبطة بمستقبل الوطن، وبناء قدراته الذاتية، وتحصين وعيه، وترسيخ قواعد الدولة الحديثة، القادرة على الصمود والمنافسة.

وإذا كانت التحديات الداخلية في الجزء الأول قد كشفت عن شمول نظرة الرئيس وعمق انشغاله، فإن ما نرصده هنا يُكمّل تلك الصورة عبر محاور جديدة، لا تقل أهمية، بل تُجسّد فكر القائد في التعامل مع جذور المشكلات لا مظاهرها، وفي بناء المؤسسات والعقول لا المنشآت فقط.

ثانيًا: قضايا محورية تسكن عقل الرئيس

1. تجديد الفكر الديني

الإصلاح الديني يشغل عقل السيد الرئيس بشكل عميق، ليس بوصفه ملفًا ثقافيًا أو مسألة دعوية فحسب، بل باعتباره أحد مكونات الأمن القومي، وأحد ميادين المعركة ضد التطرف والإرهاب.

الرئيس يُدرك أن الفكر المنغلق والمتحجر هو الوقود الذي أشعل موجات العنف والتكفير، وأن الخطاب الديني إن لم يُجدَّد ليُخاطب عقول الناس بلغة العصر، فسيبقى أسيرًا لجماعات الجمود، وسيُفرّغ الدين من جوهره الإنساني والتنويري.

ولذلك، لم تكن دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني مجرد شعار، بل نداء حقيقي إلى المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، للانخراط في نهضة فكرية واعية، تُعيد للإسلام وسطيّته، وتُحرر النصوص من إسقاطات التطرف، وتُقوّم فهمها عبر مقاصد الشريعة لا ظاهر الحروف.

ويعلم الرئيس أن معركة التجديد ليست سهلة، لأنها تصطدم بعقليات جامدة وموروثات متكلسة، لكنها معركة لا بد منها؛ هدفها إنتاج خطاب يُحبّب الناس في دينهم، لا يُنفّرهم منه، ويجمعهم حول معاني الرحمة والعدل والعقل، لا حول شعارات الصدام والانعزال والفتنة.

2. الزراعة والاكتفاء الغذائي

من أبرز الملفات التي تتصدر أولويات الرئيس ملف الأمن الغذائي، انطلاقًا من قناعة راسخة لديه أن من لا يملك طعامه، لا يملك قراره، وأن من يستورد غذاءه يظل خاضعًا لهوى السوق العالمي وتقلبات السياسة الدولية، مهما بلغت قوته.

لذلك، شهدت مصر في عهده طفرة غير مسبوقة في التوسع الأفقي في الزراعة، عبر مشروعات قومية كبرى مثل مشروع “مستقبل مصر” الزراعي على طريق الضبعة، ومشروع “الدلتا الجديدة”، وإحياء أراضي “توشكى” و”سيناء”، بما يعيد توزيع التنمية ويخلق ملايين فرص العمل في المناطق الحدودية والصحراوية، ويُعيد رسم الخريطة الإنتاجية خارج الوادي الضيق.

الرئيس يتابع شخصيًا ملف المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح والذرة والزيوت، سعيًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتأمين المخزون الاستراتيجي للدولة، وتقليل الاعتماد على الخارج، لا سيّما في ظل تقلبات الإمداد العالمي التي كشفتها الأزمات الكبرى مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

كما أن التوسع في الزراعة لا يسير بمعزل عن تحديث نظم الري، وإدخال التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتطوير سلاسل الإمداد، والصوامع، ووسائل النقل المبرد، بما يُحوّل الزراعة من نشاط تقليدي إلى قطاع إنتاجي متكامل قائم على المعرفة والتخطيط والربط المباشر بالأسواق.

إنه مشروع سيادة مكتمل الأركان، لا يقتصر على محصول، بل يمتد إلى الأمن، والعمل، والتوطين، والتنمية المتكافئة.

3. توطين الصناعة الوطنية

يدرك الرئيس أن بناء اقتصاد قوي ومستقل لا يتحقق إلا بالصناعة. فدولة لا تصنّع ما تحتاجه، تبقى رهينة لما يُنتج في الخارج، ويصعب عليها تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، أو مواجهة الأزمات العالمية بثبات أو تخفيف أعباء فاتورة الاستيراد المتفاقمة.

من هنا، تأتي توجيهات  الرئيس المستمرة بضرورة توطين الصناعة في مصر، بدءًا من الصناعات الثقيلة والاستراتيجية مثل الحديد والإسمنت والأسمدة، ومرورًا بالدواء، والمستلزمات الطبية، والسيارات الكهربائية، والصناعات المرتبطة بالطاقة النظيفة، وحتى الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تُعد قاطرة التنمية في كل دول العالم.

لقد أصبح لدينا مناطق صناعية متخصصة في أكثر من محافظة، وحوافز استثمارية غير مسبوقة في قانون الاستثمار الجديد، ومبادرات لتوطين التكنولوجيا ونقل المعرفة، وتحالفات صناعية مع شركاء دوليين، وخاصة في مشروعات التصنيع العسكري والمدني، وذلك في ظل رؤية شاملة تهدف إلى تمصير المنتج، وتقليل فاتورة الاستيراد، وزيادة فرص التصدير.

ويؤمن السيد الرئيس أن الصناعة ليست مجرد مصانع، بل مشروع حضاري يُحافظ على القيمة المضافة داخل الوطن، ويصنع الفارق في الاقتصاد والتوظيف والابتكار، ويرفع مستوى الإنتاج القومي، ويمنح الشباب فرصة المشاركة في بناء الدولة من بوابة التصنيع الذاتي.

4. حماية المعلومات والعقل المصري

في زمن الحروب الرقمية، أصبح الهجوم على العقول أخطر من الهجوم على الحدود.

ولم تعد الشائعات مجرد كلمات عابرة، بل أسلحة نفسية تُوجَّه لضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وإضعاف الروح المعنوية، وبث الإحباط، وإعادة إنتاج الفوضى.

ولذلك، يُولي السيد الرئيس ملف الأمن السيبراني اهتمامًا خاصًا، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي، ويحرص على تطوير بنيته التحتية، وتدريب كوادره، وبناء قواعد بيانات سيادية تُؤمّن مؤسسات الدولة والمواطنين معًا.

الرسائل الموجَّهة إلى الشعب لم تعد تمر عبر الخطب فقط، بل عبر وسائل التواصل، والبرامج الرقمية، والمحتوى المُصنَّع بعناية لبث الإحباط والشك، وإعادة طرح الشائعات بطرق جذابة تستهدف الفئات الشابة. وهنا تأتي أهمية بناء منظومة وعي وطني، ترتكز على الشفافية، والمعلومة الصحيحة، والمواجهة المباشرة، وتحصين الرأي العام ضد الأكاذيب.

كما أن البنية التكنولوجية للدولة يجري تحديثها على قدم وساق، بما في ذلك قواعد البيانات الوطنية، وأنظمة الحماية، والبُنى الرقمية التي تُعزز السيادة المعلوماتية، وتُحبط محاولات الاختراق والتخريب، وتمنح القرار الوطني استقلالًا رقميًّا وسياديًّا في عالم لا يرحم المتأخرين.

5. تحديث الجيش المصري

الجيش هو العمود الفقري للدولة، وسياجها الحامي، وصانع الردع الذي يصون السلام ويمنع العدوان. والرئيس يرى أن الحفاظ على جيش قوي ومُحدث ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية في منطقة لا تعرف الاستقرار، ولا تفتقر إلى الطامعين أو المتربصين.

لذلك، شهدت القوات المسلحة في عهده واحدة من أكبر عمليات التحديث في تاريخها، على مستوى التسليح، والتدريب، والعقيدة القتالية، والتعاون الدولي، والانفتاح على المدارس العسكرية المتقدمة، مع الحفاظ الكامل على العقيدة الوطنية للجيش المصري.

تم إنشاء قواعد استراتيجية كبرى، مثل قاعدة “محمد نجيب” العسكرية، وقاعدة “برنيس” على البحر الأحمر، وقاعدة شرق بورسعيد في سيناء، وهي ليست مجرد منشآت عسكرية، بل رسائل سياسية وجغرافية تؤكد أن مصر حاضرة بقوتها في كل اتجاه، وقادرة على حماية مصالحها في محيطها الحيوي.

كما تم تطوير الصناعات العسكرية المحلية، وتعزيز قوات البحرية والجوية والدفاع الجوي، وتحديث أنظمة القيادة والسيطرة، بما يرفع من قدرة الردع، ويُؤهل الجيش للقيام بمهام مركبة داخليًا وخارجيًا، سواء في مكافحة الإرهاب أو حماية السواحل أو دعم الأمن القومي العربي.

الرسالة واضحة: نحن دعاة سلام، لكننا نملك القوة الكافية لحماية السلام.

يتبع في الجزء الثالث (3/4): الطاقة، الرقمنة، مشروعات الدولة، تمكين المرأة، النقل… وملفات محورية أخرى في عقل القائد.