إيهاب أبو سريع يكتب: المعارضة ليست موقفًا أخلاقيًا فقط، بل هي مسؤولية وطنية في أوقات حرجة.

أمين الهيئة العليا للحزب
مع انطلاق التحضيرات لانتخابات 2025 البرلمانية، تتكرّر من جديد نغمة التشكيك والتخوين لكل من قرر أن يخوض المعركة من موقع “المعارضة المشاركة”. وتعود إلى الواجهة اتهامات “النصب السياسي”، و”الوظيفية”، بل وتتسع لتطال كل من تمسّك بحقه في التواجد داخل المشهد، حتى ولو بشروط غير مثالية.
الهجوم هذه المرة ليس على السلطة – كما يُفترض – بل على المعارضة التي قررت ألا ترفع الراية البيضاء، وألا تنسحب تاركةً الساحة بالكامل، بل أن تخوض معركة البرلمان من داخل قائمة موحّدة، تضم أحزابًا مدنية من خلفيات وتوجهات مختلفة، بعضها معارض، وبعضها محسوب على الدولة.
ولأن هذا القرار لا يروق لمن اعتاد أن يقدّم نفسه وحده كنموذج “المعارض النقي”، يظهر هذا الخطاب من جديد ليهاجم لا السلطة، بل من تبقى في صفوف المعارضة، محاولًا احتكار تعريف الشرف السياسي، ومعاقبة كل من اختار أن يتقدّم خطوة داخل حلبة العمل العام، لا أن يكتفي بالتنظير عنها من خارجها.
نحن في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي – حين قررنا خوض الانتخابات ضمن القائمة الوطنية الموحدة – فعلنا ذلك عن وعي، وبعد نقاش طويل، وفي إطار تقدير عميق للحظة السياسية المركّبة التي تمر بها البلاد. نحن ندرك تمامًا صعوبة المناخ، ونشعر – مثل غيرنا – بحجم التحديات، لكننا اخترنا ألا نترك الهامش فارغًا، وألا نُخلّي البرلمان لمن لا يؤمن بالديمقراطية، ولا يسعى إلى الإصلاح.
قد يكون أسهل بكثير أن تقرر المقاطعة، وأن ترفع شعار “كلهم زي بعض”، وأن تنتظر لحظة مثالية قد لا تأتي. لكن السياسة لا تُدار بالرغبات، بل بالقدرة على التأثير – ولو بشكل محدود. وفي سياق كهذا، فإن المشاركة ليست تواطؤًا، بل نضال من نوع مختلف، يتطلب نَفَسًا طويلًا، وصبرًا أكبر.
ولمن يهاجمنا من موقع “المعارضة المنعزلة”، نذكّره بأن السياسة ليست حائطًا نكتب عليه شعارات، ولا منصة لصبّ الغضب، بل عملٌ تراكمي طويل، يحتاج إلى صبر، وتنظيم، وتواجد دائم وسط الناس. ومن كان جادًا في مشروعه، فعليه أن يبني تنظيمًا، لا أن يكتفي بالشجب من بعيد.
نرفض أن نُحاكم على قرار المشاركة وكأننا ارتكبنا جريمة، ونرفض أكثر أن يُمارَس ضدنا الابتزاز الأخلاقي أو السياسي من أي جهة، تحت ستار الطهورية أو الاحتجاج. فالتجارب السياسية تختلف، والظروف التي تواجه كل طرف ليست واحدة، لكن لا يصح أن تتحوّل المواقف الفردية – أياً كانت خلفيتها – إلى أداة لإدانة كل من اختار طريقًا آخر. السياسة لا تُدار بالمزايدة، بل بالاحترام المتبادل، والنقاش المسؤول، والاعتراف بحق كل تيار في اختيار أدواته دون تخوين أو تشكيك.
نحن معارضون، وسنبقى كذلك. لكن معارضتنا ليست استعراضية، ولا طهرانية، بل مسؤولية حقيقية تجاه الناس. لا نتخلى عنهم، ولا نتركهم وحدهم في معارك التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، ولا نكتفي بالكتابة عنهم، بل نترشّح ونعمل ونناضل من أجلهم.
لسنا مثاليين، ولسنا معصومين من الخطأ، لكننا نؤمن أن المسار الديمقراطي لا يُبنى من خارج الملعب، بل وسط الضغوط والتعقيدات. وما نفعله اليوم هو محاولة لحماية ما تبقى من التعدّدية في مصر، والإبقاء على الصوت المختلف حيًا، حتى لا يستيقظ أحدٌ بعد سنوات على برلمان بلا أي معارضة، أو فضاء سياسي بلا أي تنوع.
ونقولها بوضوح: الطريق ليس سهلًا، ولا نظيفًا، لكنه طريق يجب أن يُسلك. أما من يرفض السير فيه، فله ذلك، لكن دون أن يوزّع صكوك الطهارة، أو يُخوّن من يختار غيره.