مظهر شاهين يطرح تساؤلات حول ما يدور في فكر السيد الرئيس.

مظهر شاهين يطرح تساؤلات حول ما يدور في فكر السيد الرئيس.

قراءة موسّعة في هموم الوطن ومسؤوليات القائد – (1/4)

في هذه السطور، نقدّم محاولة للتأمّل واستقراء ما قد يدور في عقل فخامة الرئيس، استنادًا إلى ما لمسناه من مواقفه، وكلماته، وقراراته، وتحركاته الميدانية، وما تعكسه سياساته من وعيٍ عميق بتعقيدات المرحلة وتحدياتها.

ندرك تمامًا أن العقل الرئاسي ليس عقلًا عاديًا، وأن من هو خارج دائرة الحكم لا يمكنه الإحاطة بكامل أبعاده، بل لعل من المستحيل أن يدرك عقلٌ بعيدٌ عن دوائر السلطة ما يدور في عقل رجلٍ تحمّل أمانة وطنٍ بأكمله، ووقف بمفرده في مواجهة تحديات جسام، يدير بها شؤون أمةٍ كاملة، بكل ما تحمله من تنوّع وأحلام وأزمات.

ومع ذلك، فإنها محاولة محبّة نابعة من الإحساس الوطني العميق، والثقة الصادقة في القيادة، لنقترب وجدانيًا من عقل قائدٍ استثنائي، نقرأ ملامحه كما تُترجمها قراراته ومبادراته، ونتأملها بعين المواطن الذي يعرف قيمة القائد حين تشتدّ الأزمات، وتشتعل التحديات، وتكون الأوطان بحاجة إلى من يثبت حين يتراجع الآخرون.

في المقابل، حين ننظر إلى العقل البشري العادي، نجد أنه غالبًا ما يدور في فلك المتطلبات الشخصية، وينشغل بالهموم اليومية: قوت يومه، مستقبل أولاده، استقراره، ودوائر محدودة من الانشغال لا تتجاوز الأسرة أو المحيط الاجتماعي الضيق.

أما عقل فخامة الرئيس، فشيء آخر تمامًا؛ عقلٌ يتّسع لوطنٍ بأكمله، يتفاعل مع نبض شعبٍ كامل، يُفكر في تاريخه، ويتحمّل حاضره، ويخطّط لمستقبله. عقلٌ لا يعرف الراحة، ولا يسمح بالاستسلام، لأنه في اشتباك دائم مع ملفات شديدة التعقيد، تستوجب يقظةً مستمرة، وقراراتٍ محسوبة لا تحتمل الخطأ، لأن الخطأ في موقع القيادة الوطنية لا يدفع ثمنه شخص أو فئة، بل أمة بأكملها.

ما سنكتبه في السطور التالية ليس نقلًا عن مصادر رسمية، ولا تكليفًا من أحد، بل هو قراءة وطنية حرة، تستند إلى تتبّع دقيق لما يصدر عن فخامة الرئيس من مواقف وكلمات وخطط، وهي محاولة مخلصة لتخيل ملامح عقلٍ استثنائي يتحمّل عبء أمةٍ تطمح إلى النهوض، وتصارع من أجل البقاء، وتسير في طريقٍ اختارته بإرادةٍ حرة، يقودها رجلٌ لم يتردد لحظة في أن يتحمّل الكلفة كاملة.

أولًا: تحديات الداخل… ما لا يغيب عن ذهن السيد الرئيس

1. التحدي الاقتصادي وأعباء الإصلاح
يعلم سيادة الرئيس أن الاقتصاد هو العصب الحيّ الذي تُقاس عليه قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها، وأنه البوابة الأولى للاستقرار، والسيادة، والاستقلال الوطني. وهو يُدرك أيضًا أن الوضع الاقتصادي الراهن لا يمكن فصله عن تراكمات عقودٍ سابقة، فالعجز لم يُولد بالأمس، بل هو نتاج دعمٍ غير مدروس، ونفقاتٍ استهلاكيةٍ طاغية، وتراجعٍ في الإنتاج والتصنيع، وتآكلٍ للبنية التحتية، وهيمنةٍ لثقافة الاستيراد.

ومن هنا بدأ مسار إصلاحي شجاع، لا يخلُ من الألم، لكن لا بديل عنه: تحرير سعر الصرف، ترشيد الدعم، إصلاح البيئة التشريعية للاستثمار، التوسّع في البنية التحتية، وبناء عاصمة جديدة ومدن ذكية تُنعش السوق، وتخلق فرص عمل، وتُعيد توزيع التنمية جغرافيًا.

كما كان من أبرز ملامح هذا الإصلاح، التوسّع في المشروعات القومية الكبرى مثل مشروع “حياة كريمة”، ومبادرة “مصر الرقمية”، واستصلاح الأراضي الزراعية، وتوطين الصناعة، وتطوير الموانئ، وتعميق المنتج المحلي بهدف تخفيض الفاتورة الاستيرادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي التدريجي.

ومع الانفتاح على الأسواق الدولية، حرص الرئيس على تنويع الشراكات الاقتصادية، وتثبيت الثقة الدولية في الاقتصاد المصري من خلال التعاون مع مؤسسات تمويل كبرى، وتأكيد التزام الدولة بالسداد، مما حافظ على التصنيف الائتماني نسبيًّا رغم التحديات العالمية الكبرى التي ضربت أغلب الاقتصادات.

ولأن الرئيس يُدرك أن الإصلاح لا يتحقق من أعلى فقط، فقد شجّع على فتح حوار اقتصادي وطني يُشارك فيه الخبراء، وممثلو المجتمع، والأحزاب، لعرض الرؤى وطرح البدائل، ومناقشة أولويات الإنفاق والإنتاج، في إطار من الشفافية والواقعية. وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن ترحيبه بالنقد البنّاء، ووجّه الحكومة بمراجعة بعض القرارات وفقًا لملاحظات الشارع والمتخصصين، بما يُؤكد أن الإصلاح في فكر القيادة ليس قرارًا منفردًا، بل عملية تشاركية تُراعي صوت المواطن وتحمل أبعاده الإنسانية والاجتماعية.

لكن السيد الرئيس لا يغفل أن الإصلاح لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بما يشعر به المواطن في حياته اليومية. لذلك تُواكب هذه الإجراءات تعزيزاتٌ اجتماعية، مثل “تكافل وكرامة”، وزيادة الحد الأدنى للأجور، ورفع المعاشات، وتوسيع التأمين الصحي، لأن التنمية إن لم يشعر بها المواطن البسيط، فلن تكتمل.

2. العدالة الاجتماعية وحماية الطبقة الوسطى
الطبقة الوسطى هي التي تُنتج وتُعلّم وتُدير وتُفكر. إنها العمود الفقري للمجتمع، والضمانة لاستقراره، وحين تضعف، يتأثر كل شيء. وقد تضررت هذه الطبقة بفعل تقلبات الاقتصاد العالمي، وارتفاع الأسعار، وتغيّر نمط الإنفاق، وزيادة أعباء التعليم والصحة والسكن.

في عقل فخامة الرئيس، إعادة التوازن للطبقة الوسطى وحمايتها هدفٌ استراتيجي، لأنها هي من تصون الحراك الوطني، وتبني المستقبل، وتُعلّم القيم. لذلك جاءت سياسات رفع الأجور، ومبادرات الإسكان المتوسط، وبرامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين جودة الخدمات.

كما تم إطلاق عدد من المبادرات التي تستهدف المواطن في حياته اليومية، مثل مبادرة “حياة كريمة” التي تُعدّ المشروع التنموي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، حيث تستهدف تحسين مستوى المعيشة في القرى والمراكز، وتطوير البنية الأساسية، والخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص العمل، مما يُعيد التوازن التنموي والاجتماعي بين الريف والحضر.

السيد الرئيس يرى أن الشعور بالعدالة هو أساس الانتماء، وأن المواطن إن لم يشعر بأنه شريك في الوطن، فسيشعر بالغُربة في بلده.

3. الزيادة السكانية… الأزمة المستمرة
واحدة من أكبر التحديات التي لا تغيب عن ذهن فخامة الرئيس هي الزيادة السكانية المضطردة، التي تلتهم كل ما تبنيه الدولة. فكلما أنشأت الدولة مدرسة، امتلأت فورًا، وكلما افتتحت مستشفى، تكدّس المرضى على أبوابه.

سيادة الرئيس يعلم أن هذه ليست مجرد أرقام، بل قضية وعي وثقافة وسلوك. ولذلك، تعمل الدولة على محاور متعددة:
• التوعية الدينية،
• التعليم المجتمعي،
• تقديم وسائل تنظيم الأسرة،
• ربط الدعم بمدى الالتزام،
• تغيير الثقافة السائدة التي تربط الإنجاب بالفخر لا بالقدرة.

4. التعليم والصحة… بناء الإنسان أولًا
السيد الرئيس يعتبر الإنسان هو الثروة الحقيقية، ولذلك فإن التعليم والصحة في مقدمة أولوياته. التعليم يشهد أكبر عملية تطوير منذ عقود: تغيير المناهج، إدخال التكنولوجيا، تدريب المعلمين، توسيع التعليم الفني، ربط التعليم بسوق العمل، والانتقال إلى نظم تقييم موضوعية تحفّز التفكير لا الحفظ.

ولأن نجاح التعليم لا يتحقق إلا بتحسين أوضاع من يحملون رسالته، فقد أولى السيد الرئيس اهتمامًا خاصًا بالمعلم، باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية، فتمت زيادة مرتبات المعلمين في أكثر من مناسبة، مع صرف حوافز إضافية، وإقرار كادر خاص للمعلمين، إلى جانب برامج مستمرة لتدريبهم وتأهيلهم، سواء على المهارات التكنولوجية الحديثة أو أساليب التدريس الحديثة، بما يواكب متطلبات العصر ويُحفّز الابتكار لدى الطلاب.

كما أُطلقت مبادرات لتحسين أوضاع المعلمين في المناطق النائية، وتسهيل حصولهم على حقوقهم المالية والإدارية، فضلًا عن الاهتمام بتوفير بيئة عمل لائقة تحفظ كرامة المعلم، وتُعيد له مكانته في المجتمع، وتُشعره بأن جهده مقدّر من أعلى مستويات الدولة.

أما الصحة، فشهدت نقلات كبيرة: القضاء على فيروس “سي”، إنهاء قوائم الانتظار، إطلاق التأمين الصحي الشامل، بناء مستشفيات جديدة، وتوفير علاج مجاني لآلاف الحالات.

ومن المبادرات اللافتة في هذا السياق، مبادرة الكشف المبكر عن سرطان الثدي، التي تُعدّ خطوة محورية في مجال الصحة الوقائية، حيث استهدفت ملايين السيدات في مختلف أنحاء الجمهورية، ووفرت لهن الفحص المجاني، والتشخيص الدقيق، والمتابعة الطبية، إلى جانب التوعية بأهمية الفحص الدوري، مما أسهم في إنقاذ آلاف الأرواح، وتقليل معدلات الإصابة في مراحلها المتأخرة، وتحسين نسب الشفاء.

سيادة الرئيس يرى أن كرامة الإنسان تبدأ من سرير نظيف في مستشفى، ومن حصة دراسية محفّزة لا تُرهق الطالب.

5. الأمن القومي الشامل
لم يعد الأمن القومي مقتصرًا على الجيش والسلاح فقط، بل يشمل الغذاء، والمياه، والوعي، والاقتصاد، والسيبرانية. فالسيد الرئيس يتابع بجدية تفاصيل الأمن في سيناء، وحماية الحدود، وتأمين الجبهة الداخلية من التطرف والشائعات.

كما يُشرف على جهود الحفاظ على الأمن المائي، وتأمين المخزون الاستراتيجي للسلع، وبناء منظومة معلوماتية تُحصّن الدولة من الاختراق، وتُواجه الحروب النفسية والمعلوماتية التي تستهدف الداخل.

وقد شُيّدت منظومة أمنية معلوماتية متكاملة لمكافحة الإرهاب، ورصد الشائعات، وتحليل أنماط التهديد السيبراني، إضافة إلى تطوير البنية الدفاعية للجيش المصري، ليكون قادرًا على الردع والحماية في أي لحظة، عبر تسليح متطور، وتحديث دائم للخطط والمهارات، مع تأكيد الرئيس الدائم أن “الجيش المصري جيش رشيد، يحمي ولا يهدد، يصون ولا يطغى”.

وفي ملف المياه، يتعامل الرئيس مع قضية الأمن المائي باعتبارها مسألة وجود، فتم تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وبناء محطات تحلية ومعالجة هي الأكبر في إفريقيا، والتوسع في نظم الري الحديث، وتوعية المزارعين بترشيد الاستهلاك، إضافة إلى استمرار المساعي السياسية والدبلوماسية للحفاظ على الحقوق التاريخية في مياه النيل.

كما لم تغب عن العقل الرئاسي أهمية بناء الوعي، ومواجهة الحرب النفسية التي تستهدف الدولة عبر مواقع التواصل والإعلام المعادي، فتم تعزيز دور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية، من أجل تحصين المواطن بالمعرفة والقدرة على التمييز، لأن الوعي في منظور السيد الرئيس هو خط الدفاع الأول عن الوطن.

يتبع في الجزء الثاني (2/4): القضايا المحورية، وفكر الرئيس في التجديد، والاكتفاء، والصناعة، والجيش، والعقل المصري.