ذكرى رحيل يوسف إدريس: من القصص القصيرة إلى السينما وأدب خالد لا ينتهي

ذكرى وفاة يوسف إدريس تمر اليوم، الجمعة 1 أغسطس، على الوسط الثقافي والفني في مصر والعالم العربي، في وقت لا تزال فيه أعماله حاضرة بعمقها الإنساني وأسلوبها الواقعي الجريء.
الكاتب الكبير يوسف إدريس، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 1991، لم يكن مجرد قاص أو روائي، بل كان طبيبًا فهم نبض المجتمع المصري، فكتب عنه، وباسمه، ومن قلبه.
تنقّلت كلماته من صفحات المجلات إلى خشبات المسرح وشاشات السينما، ليخلّف تراثًا أدبيًا نادرًا في قوته وصدقه.
ذكرى وفاة يوسف إدريس تُعيد الضوء على إرثه الإبداعي
في ذكرى وفاة يوسف إدريس هذا العام، يتجدد الحديث عن قامة أدبية تجاوزت القوالب التقليدية، واستطاعت أن تؤسس مدرسة سردية مختلفة في الأدب العربي الحديث.
وُلد يوسف إدريس في 19 مايو 1927 بمحافظة الشرقية، وتخرج من كلية الطب عام 1951، لكنه اختار أن يداوي المجتمع بالحبر بدلًا من المشرط.
كانت بداياته الأدبية متزامنة مع التغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مصر، فانعكس ذلك في أعماله التي تناولت هموم الإنسان البسيط ومآسي الفقر والجهل والقهر الاجتماعي.
لم يكن يوسف إدريس يكتب لمجرد الكتابة، بل كان يعتبر الأدب أداة مقاومة وفهم للحياة. برع في القصة القصيرة، لكنه لم يكتفِ بها، فكتب الرواية والمسرحية والمقال السياسي، وكان حاضرًا دائمًا في مشهد التنوير الثقافي المصري.
من الورق إلى السينما.. حين تحدّثت الكاميرا بلغة إدريس
تحولت أعمال يوسف إدريس إلى أعمال سينمائية جسدت رؤيته بواقعية وصدق، وكان أبرزها فيلم “الحرام” الذي أخرجه هنري بركات عام 1965، عن رواية تحمل الاسم نفسه.
قدم الفيلم قصة “عزيزة”، العاملة الفقيرة التي تتعرض للاغتصاب، وتُجبَر على كتمان الحقيقة خشية العار. جسّدت فاتن حمامة الدور ببراعة، واستطاع الفيلم أن يفتح نقاشًا مجتمعيًا جريئًا حول الطبقية، والعار، وصمت الضحية.
فيلم “لا وقت للحب” هو مثال آخر على قدرة أدب يوسف إدريس على معالجة القضايا الكبرى بلغة إنسانية، حيث دارت أحداثه في زمن الاحتلال البريطاني لمصر، وجسدت فيه فاتن حمامة ورشدي أباظة قصة حب تتصارع مع الانتماء السياسي، الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان “قصة حب”، وأخرجه صلاح أبو سيف، أحد أهم من تعاونوا مع إدريس فنيًا.
أفلام ناقشت المسكوت عنه
أعمال إدريس لم تكن سهلة أو خفيفة، بل كانت صادمة أحيانًا، وواقعية دائمًا. في فيلم “العيب”، المأخوذ أيضًا عن إحدى قصصه، ناقش المفهوم الاجتماعي للشرف والعار، من خلال قصة فتاة تقع ضحية نظرة المجتمع المحافظ، وتحاول النجاة من أحكامه القاسية.
أما “عنبر الموت”، فقد اقتحم جدران السجون ليروي ما يحدث خلف القضبان من قهر وذل وصراعات خفية. لم يكن الهدف من الفيلم إحداث ضجة فقط، بل نقل صورة صادقة لمؤسسة مغلقة تعكس كثيرًا من أمراض المجتمع.
وفي فيلم “العسكري شبراوي”، سلّط إدريس الضوء على شخصية الجندي الذي يُهمَّش وتُهدر كرامته، رغم أنه يُفترض أن يكون رمزًا للعزة والانضباط. تناول العمل الطبقية والعدالة المفقودة، بأسلوب سردي يلامس الواقع.

يوسف إدريس والمجتمع.. علاقة نقدية ووجدانية
اللافت في مسيرة يوسف إدريس أنه لم يكن فقط يكتب عن المجتمع، بل كان يكتب للمجتمع. لم يكن يضع القارئ في موضع المتفرج، بل كان يجعله طرفًا في الأزمة، وشريكًا في الوجع، قصصه القصيرة كانت كافية لإثارة الجدل، وطرح الأسئلة، دون الحاجة إلى خطب أو تنظير.
وقد وصفه بعض النقاد بأنه “تشيخوف العرب”، لقدرته على التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى سردٍ عميق. لم يكن متكلفًا في لغته، بل اختار البساطة التي تخاطب الناس بلغتهم، دون أن يفقد الأدب قيمته أو وزنه.
مسرح إدريس.. مساحة للحوار والتمرد
لم تكن السينما فقط هي الوسيط الذي استخدمه إدريس للوصول إلى الجمهور، بل ترك بصمة مهمة أيضًا في المسرح المصري، كتب مسرحيات مثل “الفرافير” و”البهلوان” و”اللحظة الحرجة”، والتي ناقشت علاقات القوة والسلطة، والتمزق الإنساني في لحظات المصير.
كان إدريس يؤمن بأن المسرح “أقرب مكان لصوت الشعب”، لذا استخدمه كأداة صريحة لنقد الواقع، وتحرير الوعي، وفتح باب النقاش.

إرث لا يغيب.. يوسف إدريس حيٌّ في أعماله
في ذكرى وفاة يوسف إدريس، لا يمكن اعتبار رحيله نهاية، فكتبه لا تزال تُقرأ، وأعماله تُدرّس، وأفكاره تُناقش، كثير من أعماله لا تزال تُطبع وتُعرض، وتبقى مصدر إلهام لكتّاب جدد يسعون لفهم الواقع من زوايا مختلفة.
وفي زمن تتغير فيه لغة الأدب ومفاهيم الفن، يظل إدريس نموذجًا للكاتب الذي لا يساوم على صدقه، ولا يبحث عن التجميل أو الرضا الجماهيري على حساب الحقيقة.
نرشح لك: في ذكرى وفاته.. يوسف إدريس ملك القصة القصيرة المتوج
تعليق منظم حفل محمد رمضان يكشف كواليس الانفجار.. من المسؤول؟
إلغاء عزاء لطفي لبيب يفاجئ الوسط الفني بعد وداع مؤثر وجنازة حاشدة