وائل شفيق يكتب لـ«الحرية»: «لا تجعلونا غرباء» جمال الهوية والانتماء

وائل شفيق يكتب لـ«الحرية»: «لا تجعلونا غرباء» جمال الهوية والانتماء

في لوحة شعرية متألقة، تتدفق كلمات أغنية “ما تغربناش” كشلال من العشق والاعتزاز، لتكشف عن عشق الشاعر الكبير جمال بخيت لمصر وعن اعتزازه بالانتماء لها، وعن ثقته في الشعب المصري وتقديره الكبير له. يرسم الشاعر صورةً رائعةً للتمسك بالهوية والانتماء للوطن، رغم كل التحديات والمعوقات التي تفرضها أنظمة الحكم المستبدة.

يستهل الشاعر جمال بخيت أغنية “ما تغربناش” بعبارة ملتهبة، تحمل في طياتها غضبًا مكبوتًا ووجعًا عميقًا، حين يقول “ما تغربناش وتقولي قدر”، وكأنه يرد على تصرفات مزقت قلبه وأثارت في نفسه بركانًا من الغضب والانفعال. يندفع الشاعر في تعبيره عن مشاعره الغاضبة بكل قوة وصدق، مما يزيد من تأثير الأغنية على المستمع ويجعلها تتجاوز حدود الزمان والمكان. يركز الشاعر على تصوير لحظة الغضب والانفعال بكل دقة وعمق، دون أن يغوص في تفاصيل الأسباب، لأنها واضحة ومفهومة للجميع، مما يضفي على النص قوة وعمقًا لا مثيل لهما. بهذه الطريقة، يبرز الشاعر قدرته الفائقة على التقاط المشاعر الإنسانية بصدق وعمق، ويخلق مشهدًا دراميًا مؤثرًا يلامس قلب المستمع ويوقظ في نفسه مشاعر متعددة.

إن براعة الاستهلال في أغنية “ما تغربناش” تتجلى بصورة أكبر في تلاقي عبقرية الشاعر مع إبداع الملحن العبقري فاروق الشرنوبي، حيث استطاعا معًا أن يخلقا لوحة فنية متكاملة تعبر عن مشاعر الغضب والانفعال التي يتضمنها النص الأدبي. فالأداء النغمي للكلمات جاء معبرًا عن حالة الشاعر المتأججة بالغضب، وكأنه يثور على السلطة بكل ما أوتي من قوة وصدق، مما يجعل المستمع يشعر بعمق المشاعر التي تحملها الأغنية.

في البداية، يرفض الشاعر استخدام القدر كمبرر للتقاعس أو الظلم، فيقول: “ما تغربناش وتقولي قدر”. ويؤكد على أهمية العمل والجهد في تحقيق الأهداف. هذه الرؤية تتوافق مع آراء الفلاسفة، الذين يقولون: “إن القدرية هي عذر للكسولين الذين لا يرغبون في العمل أو اتخاذ القرارات”. فالشاعر يرفض تحجج السلطة بالقدر لتبرير أفعالها، مما يعكس رفضًا للتسلط والظلم.

ثم يرسم الشاعر لوحةً رائعة لمصر وشعبها العظيم، حيث يقول “هتجيبي منين زينا عشاق في قلوبنا حصاد في عينينا مطر”. هذه العبارة الشعرية تعبر عن عشق المصريين لوطنهم واستعدادهم للتضحية من أجله. العبارة “في عينينا مطر” تحمل في طياتها معاني عميقة، قد تشير إلى الدموع التي يذرفها المصريون نتيجة التحديات والصعوبات التي يواجهونها، وإلى الدماء التي قدمها الشهداء من أجل الوطن.

ثم يبرز الشاعر ملمحًا من ملامح عظمة الشعب المصري، من خلال قوله “احنا الشاريين فدادين النور لو خاين باع”. هذه العبارة الشعرية الرائعة تعبر عن عمق الروح المصرية وتصميمها على التمسك بالقيم والمبادئ، رغم كل التحديات والخيانات التي قد تواجهها. إنها صرخةٌ مدويةٌ في وجه الظلم والخيانة، تعلن عن عزيمة الشعب المصري على النضال من أجل حريته وكرامته.

ثم يرسم الشاعر جمال بخيت صورةً متألقةً للمصريين، حيث يصفهم بأنهم “الخالدين” بتاريخهم وتراثهم وثقافتهم، في قولته الرائعة “ما تغربيناش في بلاد بتموت واحنا الخالدين”. هذه العبارة الشعرية تعبر عن فكرة أن مصر وأهلها يمتلكون تاريخًا عريقًا وثقافةً راسخةً، تجعلهم قادرين على الصمود والبقاء رغم كل التحديات.

موهبة جمال بخيت نفسه تعد من أكبر الدلائل على عظمة هذا الوطن، فهي موهبة راسخة لا يوجد لها مثيل في بلاد الريح – على حد وصفه – الخاوية من أي شواهد على الحضارة. إن وجود شعراء ومبدعين مثل جمال بخيت في مصر يدل على غنى الثقافة المصرية وثرائها، ويشير إلى أن مصر تمتلك تاريخًا عريقًا من الإبداع والابتكار.

ثم يصور الشاعر جمال بخيت المصريين كشعب يمتلك إرادة قوية ورفضًا للهزيمة، حيث يقول “احنا اللي رفضنا تكوني ضريح في زمن كداب”. هذه العبارة تعبر عن فكرة أن المصريين يتمتعون بالشجاعة والإرادة، ويستطيعون أن يصمدوا ويبقوا رغم كل التحديات. وهذا يتوافق مع ما قاله فريدريك نيتشه: “الإنسان الذي لا يرفض الهزيمة هو إنسان فقد إرادته، وعليه أن يجد شجاعته لرفض الهزيمة مهما كانت التحديات”. فالشعب المصري، بفضل إرادته القوية، يستطيع أن يصمد ويبقى رغم كل الظروف الصعبة.

في الختام، تتراءى أغنية “ماتغربيناش” كجوهرة فنية أبدية، تُجسّد عمق الهوية المصرية وروح الانتماء الوطني بكل جلاء وصدق. بفضل أداء علي الحجار الرائع، الذي مزج بين الكلمات الملهمة ولحن فاروق الشرنوبي الخالد، استطاعت الأغنية أن تصل إلى أعماق القلوب، وتُضفي على المستمعين تجربة فنية متكاملة ومؤثرة.

علي الحجار، هذا الفنان المبدع، لم يسعَ وراء الشهرة العابرة أو الثراء السريع، بل كان همه الأول والأخير هو إحياء القيم الفنية الخالدة التي تلامس شغاف القلوب وتداعب الوجدان، فكان له ذلك بفضل موهبته الفذة وإبداعه المتألق. إن هذا الفن الراقي هو الذي يبقى عبر الزمن، ويشكل جزءًا من ذاكرة الأمة، ويعبر عن آمالها وتطلعاتها بكل صدق وإخلاص.

وبهذا، نرفع القبعات احترامًا وتقديرًا للمطرب علي الحجار على هذا العطاء الفني الثر، متمنين له المزيد من التألق والإبداع في مسيرته الفنية المكللة بالنجاح، داعين الله أن يبقى هذا الفن الخالد شاهدًا على عظمة الإبداع المصري.