«أنين غير مسموع في وجه الرياح: العمالة غير المنتظمة – وجود بلا أمان»

كتبت: سمر أبو الدهب
تُعد قضية العمالة غير المنتظمة في مصر من القضايا الإنسانية والاقتصادية الملحة التي تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا، حيث يعيش ملايين العمال في ظروف صعبة للغاية، يفتقرون فيها إلى أبسط حقوقهم الأساسية من تأمين صحي واجتماعي واستقرار وظيفي، مما يضعهم وعائلاتهم في مهب الريح.
حياة بلا أمان
تخيل معي عامل يومية، ينهض كل صباح لا يعلم هل سيجد عملًا يكفي لسد رمق أسرته أم لا، هذا هو واقع ملايين العمال غير المنتظمين في مصر، حياتهم اليومية مليئة بالقلق وعدم اليقين، فمع غياب عقود العمل الرسمية، لا يتمتعون بأي حماية قانونية أو اجتماعية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
كما أن العامل غير المنتظم محروم من مظلة التأمين الصحي، مما يعني أن أي مرض مفاجئ له أو لأحد أفراد أسرته قد يُغرقهم في الديون أو يدفعهم للتخلي عن العلاج، كما يفتقرون إلى التأمينات الاجتماعية التي تضمن لهم معاشًا بعد بلوغ سن التقاعد أو في حالات العجز، مما يُفقدهم الأمان في شيخوختهم.
غير أن دخلهم اليومي يعتمد على توفر العمل، الذي قد يكون متقطعًا وغير مضمون، هذا يعني أنهم قد يمرون بأيام بل أسابيع بدون دخل، في حين أن لديهم أسرًا وأطفالًا مسئولين عن إعالتهم، مما يؤثر سلبًا على توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمسكن والتعليم.
ولا يجب أن ننسى أن العديد من هؤلاء العمال يعملون في مهن شاقة وخطيرة دون أي تدريب على السلامة المهنية أو توفير لمعدات الحماية، ومع ذلك، لا يوجد من يحميهم أو يعوضهم في حال تعرضهم لإصابات العمل، حياتهم على المحك ولا ضامن لها.
إن ما سأذكره الآن ليس مجرد إحصائيات أو بيانات مجردة، بل هي قصص حقيقية لأشخاص أعرفهم شخصيًا، يمثلون جزءًا من ملايين العمال غير المنتظمين في مصر، هذه القصص تُظهر بوضوح مدى صعوبة حياتهم، فهم بلا تأمين، بلا استقرار، ولديهم عائلات وأطفال ملزمون بإعالتهم، مما يضعهم في مهب الريح ويستدعي تدخلًا حكوميًا عاجلًا.
أمثلة من واقع العيش اليومي بلا أمان
“عم محمود”، رجل في أواخر الخمسينات من عمره، أعرفه جيدًا، يعمل عامل يومية في قطاع البناء، كانت عادته أن يتجه كل صباح إلى شارع رئيسي قريب من منزلي، منتظرًا أن يمر أي صاحب عمل يحتاج ليومية.
منذ حوالي سنتين، سقط “عم محمود” من سقالة بسيطة في أثناء عمله وأصيب بكسر في ساقه، أتذكر جيدًا كيف اضطر لبيع جزء من أثاث منزله المتواضع ليدفع تكاليف العلاج والأشعة، لأنه ببساطة لا يملك أي مظلة تأمينية، ظل حبيس المنزل لأكثر من شهرين بدون أي دخل، وكانت زوجته تعمل بجد في تنظيف المنازل لتوفير القليل من الطعام بالكاد، لديه ثلاثة أبناء، أصغرهم ما زال في المدرسة الإعدادية، وهو يعيش قلقًا دائمًا على مستقبلهم التعليمي.
أما “أم سلمى”، في الأربعينات من عمرها، أرملة وتعول ثلاثة أطفال صغار بعد وفاة زوجها الذي كان يعمل “فكهاني”.
تقف “أم سلمى” يوميًا في أحد الأسواق الشعبية بمنطقة فيصل تبيع الخضراوات على فرشة صغيرة، تشتري بضاعتها كل صباح من سوق الجملة، وتكافح لبيعها بالكامل قبل نهاية اليوم لكي تتمكن من شراء طعام لأولادها.
لا تعرف “أم سلمى” مفهوم الإجازة المرضية أو السنوية، إذا مرضت يومًا، لا تستطيع النزول إلى السوق، وبالتالي لا يوجد أي دخل لذلك اليوم، مما يعني أن أسرتها ستبيت بلا طعام، أكبر أبنائها، الذي يدرس في الصف الأول الثانوي، يفكر جديًا في ترك الدراسة والبحث عن أي عمل لمساعدة والدته، وهو ما تحاربه “أم سلمى” بكل ما أوتيت من قوة لتجنبه.
تعيش “أم سلمى” تحت ضغط نفسي هائل، فليس لديها أي دخل ثابت أو مصدر أمان لأبنائها سوى مجهودها اليومي الشاق.
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لـ “شريف”، شاب في بداية الثلاثينات، يعمل سائقًا على سيارة أجرة يمتلكها شخص آخر، ويدفع له “وردية” يومية ثابتة.
يعمل “شريف” لساعات غالبًا ما تتجاوز 12 ساعة يوميًا، لكي يتمكن من تغطية قيمة الوردية ومصاريف الوقود والصيانة للسيارة، وما يتبقى يكون دخله الهزيل.
“شريف” متزوج وينتظر مولوده الأول وقلقه الأكبر هو المستقبل المجهول الذي ينتظره وزوجته وطفلهما، ليس لديه تأمين صحي، وعندما مرضت زوجته في بداية حملها، اضطر للاستدانة لتغطية مصاريف الكشف والعلاج، لا يستطيع شريف ادخار أي مبلغ مهما كان بسيطًا، وهاجس “لو حدث لي حادثة أو مرضت، من سيدفع إيجار الشقة، ومن سيعول ابني الذي سيأتي؟” لا يفارقه.
هذه القصص الواقعية، التي أعيش تفاصيلها مع أصحابها، ليست مجرد حالات فردية، بل هي صدى لمعاناة ملايين العمال غير المنتظمين في مصر، إنهم ليسوا مجرد أرقام في التقارير الحكومية، بل هم بشر لديهم كرامة، وحقوق، وآمال، وأسر تحتاج إلى الأمان والاستقرار، يجب على الحكومة أن تدرك أن دعم هذه الفئة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو أساس لبناء مجتمع أكثر عدلاً واستقرارًا اقتصاديًا.
الدولة اتخذت إجراءات لتحسين المستوى المعيشي للعمالة غير المنتظمة
في ذات السياق، أوضح الدكتور محمد عياد، الخبير الاقتصادي، خلال مداخلة تليفونية في وقت سابق، مع قناة “إكسترا نيوز”، أن العمالة غير المنتظمة تمثل شريحة واسعة من المجتمع المصري، وتعتمد بشكل أساسي على الأعمال اليومية التي قد تتأثر بتغيرات السوق والأوضاع الاقتصادية العامة.
وأضاف عياد، أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات لضمان وصول عدة مساعدات إلى الفئات المستحقة، وتم تحديد الفئات المؤهلة بناءً على معايير واضحة لضمان تحقيق أقصى استفادة ممكنة، موضحًا أن هذه الخطوة تسهم في تحسين المستوى المعيشي للعمالة غير المنتظمة، في ظل معدلات التضخم المرتفعة التي أثرت على القدرة الشرائية للكثير من المواطنين.