رائد سلامة يتحدث بشكل مميز مع «الحرية» عن الانتخابات، الأوضاع الإقليمية، تجربته الحزبية الجديدة، والأزمة الاقتصادية.

رائد سلامة يتحدث بشكل مميز مع «الحرية» عن الانتخابات، الأوضاع الإقليمية، تجربته الحزبية الجديدة، والأزمة الاقتصادية.

انتخابات الشيوخ استحقاق دستوري وليس زائدة تشريعية.. وفرصة للتواصل مع الشارع

أُفضل القائمة النسبية.. لكن المشاركة تحت أي نظام أصبحت ضرورة سياسية

وجود 100 حزب لا يمنع تقديم مشروع سياسي جديد وفاعل.. و«التقدم» يجمع بين الأجيال ويمنح الشباب فرصة للقيادة

علينا التفاوض بمرونة في أزمة سد النهضة لحماية أمننا القومي دون دفع أثمان سياسية

توافقنا مبدئيا داخل حزب التقدم على المشاركة في الانتخابات البرلمانية

الشعب الفلسطيني صمد.. والضغط الداخلي على الاحتلال يزداد

الخارجية المصرية تلعب دورًا محوريًا في أخطر ملفات المنطقة.. وموقفنا ثابت من القضية الفلسطينية

حديث ترامب عن سد النهضة بمثابة محاولة استخدام لأدوات تخدمه في صراعه مع الصين

الحوار الوطني قدم روشتة واقعية لإصلاح الاقتصاد يجب استغلالها خلال الفترة القادمة

نحتاج حكومة جديدة بعد الانتخابات تُقيَم فنيًا وسياسيًا

نتنياهو لا يمكن أن يستمر اقتصاديا في هذه الحرب إلى ما لا نهاية.. وحرب التجويع آخر أوراقه

أجرى الحوار- عصام الشريف

أعده للنشر- سيف رجب

في وقتٍ تتقاطع فيه التحديات السياسية والاقتصادية على الساحة المصرية والإقليمية، وتتصاعد فيه الأسئلة حول مستقبل الاستقرار في المنطقة، خاصة مع تعقيدات المشهد على كافة المستويات، ومع اقتراب استحقاقات انتخابية هامة، يأتي الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة، في حوار من طراز فريد مع «الحرية»، ليطرح رؤية تستند إلى التحليل العلمي والفهم العميق لبنية الدولة والمجتمع.

سلامة يتحدث خلال الحوار بصراحة ووضوح عن فرص إصلاح الحياة السياسية، وتجربته الحزبية الجديدة، وموقفه من قانون الإيجار القديم، وتقييمه للأوضاع الاقتصادية، ودور الدولة المصرية إقليميًا، والصراع في سوريا، والسيناريوهات المحتملة لحرب الإبادة على غزة، كما وجه رسائل هامة إلى الرئيس والقوى السياسية.

وإلى نص الحوار:

في البداية.. كيف ترى المشهد الانتخابي لمجلس الشيوخ في ظل وجود حالة من حالات الغضب الشعبي؟

في حقيقة الأمر لا يمكن القول بشكل موثق إن هناك حالة من حالات الغضب الشعبي الكبيرة بسبب غياب إحصاءات أو استطلاعات رأي جماهيرية دقيقة تقيس الرأي العام في الشارع بوسائل حديثة، إذ لم تقم أيٌّ من مراكز استطلاع الرأي بهذه المهمة على نحو دقيق.

على مستوى الشارع السياسي، فقد كانت هناك ثلاث ردود أفعال وهي: الأول رفض انتخابات الشيوخ من حيث المبدأ حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن مجلس الشيوخ هو مجرد زائدة تشريعية، وكان رد الفعل الثاني هو رفض خوض انتخابات الشيوخ بسبب كونها تجرى وفق القائمة المطلقة بدلًا من القائمة النسبية، بينما كان رد الفعل الثالث هو خوض الانتخابات وفقًا للنظام القانوني القائم (ثلث بالقائمة المطلقة وثلث للفردي وثلث للتعيينات).

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

وهنا يجدر بنا التوقف قليلًا عند مفهوم المقاطعة، فالمشاركة أو المقاطعة ليست خيارًا ثابتًا أو هدفًا في ذاته، وإنما هي أداة يمكن مناقشتها لبناء رؤية متماسكة بشأن المساهمة في الحياة السياسية عمومًا والتي تأتي الانتخابات بمثابة تطبيق عملي لهذه الرؤية.

وأنا شخصيًا مع خوض الانتخابات لعدة أسباب أولها أن الباب السابع من دستور البلاد وفق آخر تعديلاته في 2019 نص في مواده من 248 إلى 254 على إنشاء مجلس الشيوخ كغرفة ثانية باختصاصات وصلاحيات محددة وبالتالي فهو استحقاقا دستوريا واجب الأداء.

رمن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أنني شخصيًا كنت أتمنى أن تكون القائمة النسبية هي الأساس لأسباب تمت مناقشتها بإسهاب سابقًا وأوردناها في توصيات الحوار الوطني، إلا أنه وقد صارت القائمة المطلقة أمرًا واقعًا، فقد اكتسبت مسألة خوض الانتخابات بُعدًا يرتبط بتقييم الواقع السياسي والاجتماعي المُعاش ومدى توافر الظروف الموضوعية لتحقيق الأهداف التي تسعى الأحزاب السياسية لتحقيقها.

وأرى في هذا المجال أن تواجد القوى السياسية والاجتماعية المتنوعة هو أمر هام جدًا في أي انتخابات، من أجل طرح من الأحزاب رؤاها وبرامجها واستراتيجياتها المغايرة، بالإضافة إلى تنمية قدرات أعضاءها من خلال التواصل مع الناخبين بشكل مباشر وخاصة وأن النموذج المصري في هذا الصدد مازال يحمل طابعًا تمثيليًا (representative) يذهب فيه المواطنون للانتخاب كل خمس سنوات وليس طابعًا تشاركيًا (participatory) يمارس فيه المواطنون على اختلاف تجمعاتهم دورًا دائمًا لا يقتصر على فقط على حق الاقتراع، وبالتالي فعملية الانتخاب هي فرصة لا تتكرر إلا كل خمس سنوات للتواصل مع الناخبين.

ومن زاوية أخرى، وبالإضافة إلى كون مجلس الشيوخ استحقاقا دستوريا واجب الإداء من حيث الشكل، فوفقًا لصلاحياته المحددة في المادة 249 من الدستور، يلعب هذا المجلس دور مهم جدًا في مجالات متعددة أهمها إبداء الرأي في الخطة العامة للتنمية الإقتصادية والاجتماعية وهو أمر يستلزم الحرص على دوره وتطويره وزيادة فعاليته من حيث المحتوى -لا الانتقاص من دوره الدستوري- من خلال دعمه بترشيحات لعضويات تحمل خبرات متراكمة فنيًا وإداريًا حتى تتحقق الاستفادة التي كان المشرع يهدف إليها.

في ظل وجود ما يقرب من 104 حزب في مصر.. ما الذي دفعكم إلى تأسيس تجربة سياسية جديدة؟

وجود أكثر من 100 حزب أمر لا يجعل إنشاء تجارب أخرى أمر خاطئ، بل على عكس ذلك، فنحن نطرح فكرة جديدة من خلال مشروعنا السياسي وهو حزب «التقدم»، نرى أن الحياة السياسية تحتاج إليها.

فنحن تجربتنا السياسية لا تقتصر على جيل واحد، وهذه إحدى مزايا التجربة، حيث إن الحزب يجمع بين كبار السن مثل حالتي، وجيل الوسط، والشباب الذين نوفر لهم فرصة للقيادة ودور قد لا يتواجد في الكثير من المؤسسات السياسية.

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

كما يجب التوضيح أن الفكرة النظرية التي يقوم عليها الحزب، قد تكون فكرة جديدة، وهي تتلخص في التوفيق ما بين القومية المصرية والقومية العربية، فالدولة المصرية خُلقت لتقود في محيطها الإقليمي والقاري بموجبات إمكاناتها الذاتية الكامنة التي نسعى لأطلاقها، ولذلك يجب أن يتوفر لديها الأسس التي تدعم هذه القيادة.

ونحن نتحدث عن خلق فكرة في ذلك السياق بشكل علمي دون الدخول في غموض او إبهام الشعارات الضخمة، التي ليس لها أي أساس علمي بارض الواقع.

فعندما نتحدث عن القومية المصرية، فهناك أربع علامات أساسية لتحديد القومية وهي الأرض واللغة والتكوين الثقافي والنفسي، والسوق، وهنا يأتي السوق بمعنى الروابط الاقتصادية والتفاعل الحقيقي بين الأربع عوامل الأساسية للاقتصاد السياسي (الانتاج والتوزيع والتبادل والتراكم)، حيث يكمن الفارق بين الاقتصاد السياسي والاقتصاد البحت الذي يرى العملية الاقتصادية باعتبارها توزيعا او تخصيصا للموارد الشحيحة على الاحتياجات المتزايدة.

هل سيشارك الحزب في الانتخابات البرلمانية؟

هذه هي مهمة أي حزب سياسي ولقد قررنا المشاركة من حيث المبدأ، أما فيما يتعلق بشكل المشاركة بالقائمة، فإننا كحزب مؤسسي يتخذ قراراته بالاغلبية، سنناقش أي دعوة في حال استلامنا لها بغرض تحديد موقفنا منها.

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

قانون الإيجار القديم.. مع أم ضد القانون الجديد وهل ترى أن الأفضل هو عدم تصديق الرئيس عليه؟ 

المسألة ليست «مع» أم «ضد» على نحوٍ حادّ، فهناك اعتبارات كثيرة أهمها التوفيق بين أصحاب المصالح المتعارضة بشكل لا يخل بالتوازن المجتمعي.

فالقوانين (كل القوانين) تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة وحفظ النظام والاستقرار وحماية الممتلكات وصون المصالح، بالإضافة إلى ذلك فلكل قانون فلسفته الخاصة التي تتناول البناء النظري العام لتحقيق هدفه في إطار دستوري.

ومن هنا يجب النظر إلى قانون الإيجار بشكل عام مع دراسة تجارب المجتمعات التي مرت بنفس ظروف المجتمع المصري مع التأكيد على خصوصيته فيما يتعلق بالتركيبة الاجتماعية الحالية والظروف الاقتصادية العامة التي من الممكن أن تؤثر على استقرار المجتمع في وقتٍ ذو حساسيةٍ خاصة.

إذن فدور القانون (أي قانون) أن يوازن بين مصالح الفئات التي تتأثر به بشكل لا يؤدي إلى ظلم أي من تلك الفئات على حساب فئات أخرى، وبالتالي، وأخذًا بالاعتبار حكم المحكمة الدستورية العليا في هذا السياق الذي أبطل مبدأ تثبيت القيمة الإيجارية، والذي كان يعتبر غير دستوري لأنه يتعارض مع مبدأ حرية التعاقد وحق الملكية الخاصة التي يضمنها الدستور بهدف إعادة التوازن إلى العلاقة الرضائية بين المالك والمستأجر، فإنه يمكننا قياس أثر تطبيق القانون الذي أصدره مجلس النواب مؤخرًا.

ووفقًا لمناقشاتٍ أجريتها مع بعض الأصدقاء من أساتذة القانون، فإن عدم تصديق السيد رئيس الجمهورية على القانون لا يُعني إيقاف العمل به، فإن لم يقم رئيس الجمهورية -كما يطالب البعض- بعدم التصديق على القانون فإنه يعد نافذًا بقوة الدستور خصوصًا وقد انفضت الدورة التشريعية لمجلس النواب.

وهناك حلول أخرى يمكن معها تلافي اعتراضات الكثيرين ولكن من المهم إيضاح أن مطالبة البعض لرئيس الجمهورية بعدم التصديق على القانون لا تُعَد إيقافًا للعمل به.

هل ترى أن أمريكا تستطيع إنهاء أزمة السد واقناع إثيوبيا دون أن تدفع مصر ثمنًا سياسيًا أو اقتصاديًا مقابل ذلك؟

دعني أقول في البداية من خلال تقييمي المتواضع لشخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يتحرك بشكل براغماتي بحت ولا تحكمه معايير أو قيم أخلاقية مدعومًا بجماهيرية داخلية من جماعته الموغلة في التطرف التي تسمى (MAGA) والتي تتنامى في ظل وهن شديد للحزب الديمقراطي المنافس.

فهو يتحرك كمقاول عنيد يسعى إلى عقد الصفقات فيرفع في البداية من سقف المطالبات لأعلى درجة أمام الطرف المقابل، فإن تحققت فهذا هو المراد وإن لم تتحقق، فإنه يبدأ في التفاهم هابطًا بسقف المطالبه للحد الذي لا يضر بمصالحه بينما يظن الطرف المقابل -خطأً- أنه انتصر في المفاوضة.

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

وقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية أولوياتها استراتيجيا باعتبار أن الصين هي المنافس (The competitor) لها في العالم، وبالتالي فإنها تستخدم بأسلوب ترامب العدواني، كل الوسائل في سبيل خدمة تلك الاستراتيجية.

وفي ضوء هذا الأمر، فأظن أن حديث ترامب عن موضوع سد النهضة هو بمثابة محاولة استخدام لأدوات تخدمه في صراعه مع الصين التي صار لها نفوذ لا يستهان به في أفريقيا.

والمسألة ليست مسألة أن تدفع مصر ثمنًا سياسيا أو اقتصاديا بقدر ما هي مسألة تتعلق بقدرة المفاوض المصري على التعامل مع التناقضات في النظام الدولي والتحلي بأكبر قدر من المرونة لتحقيق الصالح المصري في هذا الملف، فنحن لدينا قضية عادلة نملك من الخبرات ما يؤهلنا للدفاع عنها بأقصى كفاءة ممكنة دون التعرض لأي مخاطر تمس الأمن القومي.    

متى ستنتهي حرب الإبادة على غزة من وجهة نظرك؟ 

الضغوط الدولية على سفاح تل أبيب تتنامى بشكل سريع جدًا، وأظن أن ورقة حرب التجويع التي يخوضها هي آخر الأوراق المتاحة لديه الآن بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي لم تفلح الآلة العسكرية الإسرائيلية في تحطيم معنوياته أو كسر إرادته.

سفاح تل أبيب لا يمكن أن يستمر اقتصاديا في هذه الحرب إلى ما لا نهاية، فهو مأزوم داخليًا لأبعد درجة إذ دخل حربًا دون أن يكون لديه تصورات لسيناريو الخروج منها، وليس لديه سوى اختيارات محدودة تتراوح بين الهروب للإمام بفتح جبهات جديدة أو نهايته غير مأسوف عليه إما بالسجن أو بالانتحار.

وأهالي الرهائن ما زالوا يضغطون على نتنياهو وأحزاب المعارضة ترغب في إقصاءه، والاقتصاد الإسرائيلي في حالة مزرية، فهو شبه متوقف بسبب استدعاء الجنود من المزارع والصناعات الصغيرة والمتوسطة وبالذات في قطاعات التكنولوجيا، وبالتالي فالخسائر المالية ضخمة للغاية.

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

صحيح أنه يتلقى مساعدات من أمريكا-ترامب التي صارت حليفه الوحيد، لكن لا يمكن أن يستمر المواطن الأمريكي في تحمل تكاليف حرب الإبادة تلك إلى مدى أطول، فسفاح تل أبيب يناور ويراهن على الوقت ويسعى لإشعال الأوضاع في جبهات متعددة للضغط على أطراف إقليمية لفرض حالة من التفوق العسكري يضمن بموجبها ألا تقوم قائمة لأي قوى يمكنها أن تقف في سبيل فرض سيطرته، ولأجل تخويف البعض الآخر للسعي لا فقط لأجل تطبيع العلاقات normalization ولكن أيضًا وهذا هو الأخطر لأجل إدماج إسرائيل mainstreaming.

كيف تقيّم الدور الذي تلعبه الدولة المصرية إقليميًا ودوليًا خلال الفترة الأخيرة؟

الخارجية المصرية في السنتين الأخيرتين تلعب دورًا بالغ الأهمية في كثير من الملفات الحساسة في منطقة تغلي بالاضطرابات، حيث يكون لأي تحرك غير محسوب تكلفة باهظة، وذلك بدءًا من موقف مصر في حرب اليمن ثم في الصراع السوري أيام بشار الأسد، ثم في حرب الإبادة في غزة والحيلولة دون التهجير، وفي الأزمة الليبية والأزمة السودانية، ثم الموقف المبدئي الواضح من الأزمة السورية في هذه الأيام، بالإضافة إلى موضوع الهجرات والاستضافة الكريمة اللائقة لأهل هذه المجتمعات في مصر.

كيف ترى الأوضاع في سوريا حاليًا خاصة في ظل وجود الجولاني واستمرار حالة الانقسام؟

ما يحدث حاليًا بسوريا يثير لديَّ الكثير من المخاوف ما لا أتمنى حدوثه وإن كانت المؤشرات لا تشي بذلك، فالدولة بالمفهوم العلمي تتكون من ثلاث عناصر: إقليم جغرافي أي حدود جغرافية واضحة، وشعب يقيم على هذه الحدود، وأجهزة تدير شؤون هذا الشعب سواء كانت أجهزة تنفيذية وتشريعية وقضائية أو أحزاب وقوى سياسية واجتماعية، من هنا يمكنك أن نقوم بعمل تقييم لواقع ومستقبل الدولة السورية التاريخية.

منذ أيام بشار الأسد، اضطربت عناصر الدولة الثلاث لأسباب موضوعية وذاتية وسط مطامع قوى إقليمية ودولية كثيرة كانت تضع عينها على موقع سوريا وعلى ثروات أقاليمها المختلفة.

وكانت إسرائيل ترغب في تأمين حدودها الشمالية وكانت تركيا طامعة في حماية حدودها الجنوبية وكانت إيران تساند بشار الاسد كورقة ضغط تدعم من خلاله موقفها التفاوضي في الملف النووي، فكان ذلك نذير تقسيم ما لبث إلا وقد صار واقعًا بعد هروب بشار وسقوط الدولة السورية الهشة في أيدى ميليشات الجولاني الطائفية التي اصطلح على تسميتها «بحكومة الأمر الواقع».

وهي لم تنتهز الظرف التاريخي الاستثنائي ودعم بعض القوى الإقليمية لها فلم تسع إلى لم شمل السوريين جميعًا بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية من خلال طرح خطاب «وطني» جامع، بل سعت في الحقيقة إلى تكريس التفرقة والطائفية التي آلت عمليًا لتقسيم البلاد، حيث قدمت «حكومة الأمر الواقع» نفسها كجزء من المعادلة الطائفية البغيضة بدلًا من أن تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء حيث القانون يسري على الجميع.

وهذا ما شهدناه جميعًا في الساحل السوري وفي السويداء وقد اعترف به الجولاني نفسه من أعمال قتل وتخريب على الهوية الطائفية ليبدو التقسيم كما لو كان هو الآخر فرضًا «لأمر واقع»، فلا توجد بسورية الآن حكومة مركزية تحكم سيطرتها بصفتها محتكرًا وحيدًا للقوة الشرعية في وقت تعربد فيه إسرائيل في سماء الجنوب السوري حتى وصلت لضرب القصر الرئاسي في قلب دمشق التي لا تستطيع حكومتها نشر قواتها في السويداء السورية دون موافقة إسرائيل.

وتركيا تعبث كيف شاءت في المناطق السورية الشمالية الغنية بالنفط والغاز وهما مصدرين هامين من مصادر الثروة السورية المحدودة، ليبقى الوسط السوري الفقير تحت سيطرة الجولاني وشركاه محلًا للاقتتال الأهلي المحتمل، لذا فالوضع في سورية يسير إلى الأسوأ، ولا يسعنا سوى الأمل بمعجزة في زمان لا مجال للمعجزات فيه.  

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

الحرب الإيرانية الإسرائيلية.. هل يمكن أن تعود مرة أخرى؟

لا أظن أن الحرب الإيرانية الإسرائيلية ستعود مرة أخرى على نفس النحو الذي شهدناه من تبادل الصواريخ والضرب في العمق، ولكن ربما يؤخذ الصراع في صورة أخرى من خلال محاولات لإضعاف إيران من الداخل وإن كنت لا أتوقع أن تصل تلك المحاولات إلى إسقاط النظام الإيراني لكنها ستضعفه بهدف ألا تتحول إيران إلى قوة أقليمية تقض مضاجع إسرائيل في منافسة واضحة.

وفي نفس الوقت تضعف مركزها في مفاوضات النووي مع الغرب الذي تلعب إسرائيل في معركتها مع إيران دور الوكيل الذي يحمي مصالح الغرب.

فإسرائيل ستستمر في إضعاف إيران من الداخل بعمليات منفردة مثل اغتيال العلماء الإيرانيين، وستستمر في استقطاب بعض الإيرانيين للعمل معها وتأليب الدول الكبرى في المنطقة ضدها مع ضرب حلفاءها في مناطق الصراع الملتهبة لضمان عدم تكرار تجربة حزب الله الذي مازال يمثل مصدر قلق لإسرائيل، على الرغم من أن منظومته العسكرية قد صارت بالغة الضعف والهشاشة ولم تعد تخيف أحدًا.

تدهور الأوضاع الاقتصادية المصرية.. متى يمكن أن تنتهي هذه الأزمة؟ 

قدمنا أثناء الحوار الوطني العديد من التوصيات في المحور الاقتصادي في لجان الدين العام والموازنة، والتضخم، والصناعة، والزراعة، وأولويات الاستثمار العام ودور الدولة، والاستثمار المحلي والأجنبي، والعدالة الإجتماعية.

وقد كانت جلسات الحوار الوطني وبخاصة الجلسات المصغرة، في غاية الأهمية حيث اتسمت بالتركيز الشديد وتمت بها صياغة كل الأفكار التي جرى عليها التوافق بين الأطراف التي تنتمي لمدارس فكرية متنوعة وهذا أمر يحسب للمشاركين وللدكتور أحمد جلال مقرر المحور الاقتصادي والدكتور عبد الفتاح الجبالي المقرر المساعد.

فما تم تقديمه من توصيات يمكن أن يقوم كبرنامج عمل لإصلاح الأوضاع الاقتصادية التي زادت المتغيرات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة من حدتها وإن كان هذا لا ينفي وجود معضلات هيكلية تم عرضها والتوصية بعلاجاتها بشكل قاطع.

ومن ضمن هذه التوصيات التي تبناها الجميع سواء كانوا في جانب المعارضة أو في جانب الموالاة، وهي ما زالت صالحة للتطبيق، ما يلي:

– تفعيل مبدأ شمولية أو وحدة الموازنة

– زيادة الإيرادات العامة، وترشيد الانفاق العام

– مواجهة إشكالية الدين العام

– ترشيد الانفاق الاستثماري العام

– إعادة تشكيل دور الدولة في الاقتصاد

– توفير بدائل تمويل تنموية

– عناصر جذب الإستثمار الأجنبي وتشجيع الإستثمار المحلي بكافة أنواعه وقطاعاته

– مواجهة التضخم المستورد، والتضخم المحلي وعلاقته بالبنك المركزي والاقتصاد الحقيقي وسياسات المنافسة

– الحماية الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين كل طبقات المجتمع، والسياسات التوزيعية

ما تقييمك لسياسات دونالد ترامب في ولايته الجديدة سواء على مستوى الشرق الأوسط أو على الصعيد الدولي؟

ترامب بدأ من اللحظة الأولى لتوليه الإدارة الأمريكية كملك متوج يفعل ما يشاء ولا يقيم وزنًا لا للمؤسسات الدستورية ولا للقيم الأمريكية المستقرة، سواء قبلناها أم لم نفعل.

وهو يخوض ذلك داخليًا مدعومًا بجماعة تحيط به من المتطرفين، ويخوض معارك في هذا الخصوص مثل تلك التي يخوضها مع جيروم بأول رئيس الاحتياطي الفيدرالي لخفض سعر الفائدة حيث أطلق عليه اسم «السيد متأخر جدًا» (Mr. Too late)، وقد طالبه مرارًا بالاستقالة وأطلق عليه بعض نواب حزبه لرفع دعاوى فساد ضده لإجباره على الاستقالة، لكن باول مازال يقاوم حيث تنتهي فترة توليه رئاسة الاحتياطي الفيدرالي خلال 2026 وسيقوم ترامب حينها باستبداله بأحد الموالين له الذي من المؤكد أنه سيقوم بخفض سعر الفائدة لتصل إلى 1% حسبما يرى ترامب.

واتوقع لو تم خفض سعر الفائدة أن تدخل أمريكا في أزمة ضخمة جدًا ستتجاوز في حدتها أزمة 2008، حيث سيشجع ذلك صغار المستهلكين على الحصول على قروض للإسكان غير مضمونة وستنهار الأسواق مع تصاعد العملات المشفرة التي صار ترامب يشجعها.

ونحن إن أضفنا ذلك التوجه إلى كارثة الجمارك الأخيرة فسيكون من المتوقع أن تشهد الأسواق الأمريكية حالة من تسونامي التضخم لن تلبث إلا وستصيب العالم بأسره كأثر الفراشة، وعلى المستوى السياسي، فإن الرجل يحلم في مزحة تاريخية ثقيلة الظل بأن يتوج مسيرته بالحصول على جائزة نوبل بعدما ساهم في جريمة الإبادة الجماعية في غزة وبعدما قام بتغيير إستراتيجيته إزاء الأزمة الأوكرانية.

من حوار موقع «الحرية» مع الدكتور والباحث الاقتصادي رائد سلامة

برأيك.. لماذا تستمر الدولة في التمسك بهذه الحكومة رغم الأزمات والكوارث التي تمر بها البلاد مؤخرًا؟

لإدارة المخاطر ولا أقول إدارة الأزمات فقط، أصول نظمتها المعايير الدولية لمنظمة قياس الجودة ISO والتي نصت في معيارها رقم 31000 على إتباع منهج إدارة المخاطر المؤسسية ERM وهي تتناول أساليب علمية في التعرف على المخاطر وتقييمها وإدارتها بحيث تكون المؤسسات سواء كانت خاصة أم حكومية أم قطاع عام، قادرة على العمل وسط محيط مليئ بالمخاطر الإستراتيجية والمالية والتشغيلية بصورة لا تتوقف معها الأعمال والخدمات.

وثبت خلال الفترة الماضية أن هناك ثغرات كثيرة راحت ضحيتها أرواح كثيرة نسأل الله لهم الرحمة، ولابد من العمل بجدية على علاج تلك الثغرات فمهمة أي حكومة هي توفير الخدمات المطلوبة بأقل تكلفة ممكنة وهو أمر لن يتحقق إلا من خلال إعادة النظر في دولاب العمل الحكومي وأساليب الإدارة بشكل علمي لا بالنوايا الطيبة وفقط.

شخصيًا لا أنظر للوراء إلا للمراجعة والتقييم الفني للتاريخ، لكن عيني على المستقبل، فبعد إجراء الانتخابات لمجلسي الشيوخ ثم النواب، ستكون هناك حاجة لتشكيل حكومة جديدة تطرح على مجلس النواب لنيل الثقة، وهنا لابد للمجلس الجديد أن ينظر بعين الاعتبار لعوامل كثيرة في تقييم الحكومة الجديدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو فني، وأتمنى على أعضاء المجلس أن يضعوا المعيار 31000 لإدارة المخاطر نصب أعينهم بما قد يقتضي استحداث تشريعات أو إجراء تعديلات على التشريعات القائمة تتواكب مع أحدث تطبيقات إدارة المخاطر.

ما هي رسالتك إلى الرئيس السيسي؟

رسالتي الأولى: أتمنى أن مسألة ملف سجناء الرأي يتم حلها وإنهائها إلى الأبد، حتى نُعيد البسمة والفرحة إلى أسر من لم تتلطخ أيديهم بالدماء.

والثانية: أتمنى العمل على تطوير الحياة السياسية بشكل أفضل، خاصة بعد الخطوات الإيجابية التي أدت إلى ترسيخ دعائمها وإستقرار أحوالها.

والثالثة: أتمنى المضي في إصلاح اقتصادي حقيقي، يشعر به المواطن في حياته اليومية، لا سيما أثناء شرائه لاحتياجاته الأساسية.

ما هي رسالتك للقوى السياسية؟

عليكم أن تغتنموا فرصة انتخابات مجلس النواب، وتشاركوا بكل قوة ودون تردد، مع ضرورة الدفع بكوادر جديدة تثري مستقبل الحياة السياسية في الشارع المصري.

ما هي رسالتك لرئيس الوزراء؟

الناس بحاجة إلى أن يلمسوا تغييرًا حقيقيًا في السياسات الاقتصادية، ينعكس على الأسعار واحتياجاتهم اليومية، مع أهمية التركيز على إدارة المخاطر.