عز الدين الهواري يطرح: التحدي الذي نواجهه.. خطة الانتعاش الاقتصادي نحو نهضة مصر العظيمة

في زمن الأزمات والانكماشات، حينما تتآكل العملات وتضيق مساحات الأمل، ينهض من قلب المأساة مشروع وطني يعيد لمصر مكانتها ومكانها. مشروع عنوانه التحدي… وفعله الإرادة… ونتيجته الاستطاعة.
الرهان الحقيقي ليس على الموارد بل على العقول، وليس على القروض بل على الانفتاح والحريات. مصر، برأسها الراسخ في قارة أفريقيا، وقلبها النابض في الشرق، وجذورها في أعماق التاريخ، ليست دولة صغيرة ولا هامشية. لكنها تحتاج إلى قرار شجاع يبدأ من الداخل.
الحريات أولًا… لأنها مفتاح الإبداع
الاقتصاد لا ينمو في بيئة خانقة. ولا يزدهر في ظل مصادرة الكلمة وكبت الرأي. فكما لا تنبت الزرعة في الصخر، لا تزدهر الصناعة في غياب الحرية.
فتح باب الحريات، بمعناه الشامل – حريات الفكر، الإبداع، التنظيم، والاقتصاد – هو الخطوة الأولى والأهم لبعث طاقة الشعب المصري، الذي لم ينقصه يومًا الذكاء، بل فُرضت عليه أغلال البيروقراطية والتهميش.
ولمن يشكك في قوة الأفراد حين تُفتح لهم أبواب الحرية، فليتأمل ولدينا أمثلة من واقع الحياة:
إيلون ماسك، رجل واحد أسس شركات مثل Tesla و SpaceX، التي تفوق قيمتها السوقية الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 150 دولة.
جيف بيزوس، مؤسس Amazon، التي تتحكم في سلاسل الإمداد العالمية، وتبلغ قيمتها أكثر من 1.5 تريليون دولار.
ستيف جوبز، الذي خرج من مرآب منزله ليؤسس Apple، الشركة التي تتجاوز ميزانيتها ميزانيات عشرات الدول مجتمعة.
مارك زوكربيرغ، الذي أسس Facebook وهو في سن التاسعة عشرة، ليُحدث ثورة في الإعلام والاتصال ويتحكم في مزاج ملايين البشر حول العالم.
جاك ما، الذي خرج من بيئة فقيرة في الصين ليؤسس Alibaba، إحدى أكبر المنصات التجارية عالميًا، بقيمة سوقية تتجاوز 800 مليار دولار.
إن هذه النماذج لا تمتلك مناجم ذهب، ولا جيوشًا، بل امتلكت شيئًا واحدًا: الحرية في التفكير، والفرصة في التجريب، والمجال في الابتكار.
والأخطر من ذلك والأهم:
أن هذه النماذج لم تصنع تريليوناتها من المال… بل من الفكرة.
نعم، أكثر من 5 تريليونات دولار من الثروات التي تتحكم في الاقتصاد العالمي اليوم بُنيت على أفكار، لا على نفط ولا على مصانع حديد.
فإذا كانت فكرة واحدة – حين تُترك حرة – يمكن أن تغير العالم، فكيف يكون حال مئة مليون فكرة في عقول المصريين لو انطلقت من قيودها؟
الصناعة.. جوهر النهضة وثورة العصر
لا تقدم بدون تصنيع حقيقي، لكننا هنا لا نتحدث عن صناعات تقليدية فحسب، بل عن التحول إلى اقتصاد إنتاجي متقدم يقوم على ثلاث ركائز:
صناعة البرمجيات: مفتاح العالم الرقمي والاقتصاد العصري. مصر تمتلك طاقات شبابية مهولة، لكنها بحاجة إلى بيئة حرة ومشجعة. الهند ليست أعظم منّا، لكنها استثمرت في العقول لا العقارات.
صناعة السلاح: ليس للتصدير، بل لحماية السيادة. مصر التي تريد أن تستقل فعلًا، عليها أن تصنع درعها بنفسها، بعيدًا عن الارتهان للغرب أو الشرق.
الصناعات الغذائية والدوائية: لن يكون هناك أمن قومي بدون أمن غذائي وصحي. نحن لا نريد التصدير بل الاكتفاء، ولا نريد الاستيراد بل البحث عن كل خامة طبيعية في أرضنا.
نحو خطة وطنية شاملة
لا نجاح بدون رؤية. ولذلك نحتاج إلى خطة وطنية محكمة ذات أركان ثلاثة:
التعليم: لأنه مصنع الإنسان.
الصحة: لأنها طاقة الإنسان.
الصناعة: لأنها قاطرة الاقتصاد.
تُنفذ هذه الخطة تحت مظلة الحريات الكاملة، وفي ظل نظام مؤسسي حقيقي يقوم على فصل السلطات واستقلال كل منها، دون وصاية أو تغوّل.
وقف النزيف العقاري.. والانحياز للابتكار
الاستثمار العقاري في مصر تحول إلى وحش يبتلع الأرض والعقل والمال. لذلك، آن الأوان لـوقف شامل للاستثمار العقاري واستبداله بضخ كامل للموارد في تطوير الأفكار والمشروعات الإنتاجية، التي تصنع ثروة حقيقية، لا أوهام إسمنتية.
التمويل من الشعب.. لا من الدائنين
أحد مفاتيح هذه النهضة أن يكون التمويل مصريًا خالصًا بنسبة 100%.
الودائع المصرية، والاستثمارات المحلية، وصناديق المصريين في الداخل والخارج، هي القاعدة الذهبية لبناء اقتصاد لا يملي عليه أحد شروطه.
التحالف مع “بريكس”… لا التبعية للمركز الإمبريالي
العالم يتغير. ومصر يجب أن تختار تحالفاتها لا على أساس الخضوع، بل على أساس الندية. الانضمام الكامل إلى تكتل “بريكس” يمثل فرصة ذهبية لبناء شراكات تبادلية، بلا شروط سياسية ولا وصاية نقدية، تتيح لمصر مساحة للاستقلال والتحرر من عبودية الدولار والبنك الدولي.
صناعة الأمل.. تبدأ من الإرادة
إن مشروع التحدي هذا ليس حلمًا طوباويًا، بل خطة عمل قابلة للتنفيذ، بشرط توافر القرار السياسي، والإرادة الوطنية، والانحياز للشعب لا للنخبة.
خلال خمس سنوات فقط، وبانضباط هذه الرؤية، يمكن لمصر أن تحقق فائضًا في الاحتياطي النقدي، لا يعتمد على القروض ولا على المعونات، بل على الإنتاج الحقيقي، والتحرر الكامل، والإيمان بأن هذا الشعب قادر… فقط إن أُطلق من قمقمه.
أتحدّى… وأستطيع.
فمتى يبدأ القرار؟